كان لي صديق ضرير...مرّة، حملني الحنيـن لزيارته كنوع من التغـيير، أو صدقة جارية إن لم يخني التقـدير... طرقت باب منزله، فتحتْ والدتُه الباب وطلبت منّي الدخـول...اقـتربتُ منه وهو في رقاد طويل...أردت أن أختبـر سمعه الحاد كما كان، فأخبـرته بأن وقت الصلاة قد حان. قـفز فزعا من مكانه، ضمّني بشدة إلى حضنه، ثمّ جلس يحكى لي عن حلمه وقال:
كنت على متن قارب صغير، في رحلة نحو المجهول... وكان معي حشد غـفير، مثخـن بالحزن منقـاد كالبعـير... حديثـهم يدور لحد القـرف، حول الختـان ونخوة الشارب... كنت أمسك بيد واحدة قاربا يشرف على الغرق أو يكاد، والأخرى أدخلتها في الماء، لعلّي أقـبض على بحر لا يسرقه منّي أحـد...
أحلام صديقي هذا تفـزعني دوما...فهي أصدق من الصدق وتحمّلني ما لا أطيـق...لا أذكر كم مرة، قال كلاما ممزوجا بغرائب الزمن، فـتظهر لحظة سحرية يصعـب عليّ تفسيرها... إلهـي، الأمرهنا يتعلـق بنعمة البصر، فلا جَـدل عندي ولا جِـدال...أسلمت روحي بكـل إجلال…
كنت أنصت إليه بخشوع رهـيب، حين وقـع ما لم يكـن في الحسبان...انقـطع النور بشكل كامل... وصرنا نسبح معا في ظلام دامس...شعرت حينها أن تلك الظلمة سواد لا يطاق... وأن حلم صديقي العجـيب قابـل للاختراق...أغمضت عيني وأبحرت في حلمه...قلت له مازحا: أنا أيضا أطلت شاربي حتى صارت تقـف عليه النسـور والنوارس...! في تلك اللحظة، أمسك ذراعي بقـوة، رجّني رجّا، صرخ في وجهـي صرخة حادّة ومرعبة وقال: تـبّا لمن احترف الخِتـان...سُحقا لمن أطـال الشّارب...قـل لي بربّـك من أفرغ البحـر من الحيتـان...أرني فـقط من يقـود بنا هذا القـارب...حتى صار منّا الغريـق والمصاب والهارب...!؟ رجفـت روحي بشـدّة، شعـرت أن طلائع إعصار بدأت تمزّق شراع قـلبـي... تركت حبله على الغـارب... وقـلت: كل حكم ربّي فـيها مآرب...!
....................



Post A Comment: