كل التحية والتقدير لمجموعة "أكثر من قراءة "
مع أننا نحيا منذ سنوات طويلة بين جدران السجن وخلف الأبواب الموصدة، غير أننا لم نسمح لعالم الجدران والأغلال أن يحجبنا عن عالم الثقافة، ويتابع البعض منا على الدوام مختلف الأنشطة والإصدارات والتطورات على الساحة الثقافية العربية، ونتابع باهتمام بالغ تلك الأنشطة المتعلقة بنا كأسرى في سجون الاحتلال، لاسيما إذا أولت عناية لثقافتنا وإصداراتنا الأدبية.
وقد اتسعت مساحة هذا الاهتمام في الساحة العربية في السنوات الأخيرة، وشملت معظم بلادنا العربية العزيزة وكان آخرها عدد من المثقفين والكتاب في مجموعة "أكثر من قراءة" في الأردن الحبيب، ومن ضمن هذه الأسماء الأحبة الأصدقاء عبد السلام صالح وصفاء أبو خضرة وأحمد أبو سليم وآخرون، الذين كان لنا شرف التواصل معهم عن بعد من خلال الصديق العزيز حسن عبادي ومشروعه "من كلّ أسير كتاب" وآخرين.
وهذه القامات الكبيرة في الأدب والثقافة العربية لم تفاجئنا بهذا الاهتمام، لأنّنا نثق بالمثقف العربي الملتزم والشجاع والعضوي والأصيل الذي يشكل درعا بل قلعة حصينة في الدفاع عن القضايا العربية وحماية الثقافة العربية من الاختراق والطمس والتشويه في هذه اللحظة التاريخية الصعبة التي تمر بها أمتنا وقضاياها العادلة، وفي ظل الانحرافات والانزلاقات التي يسقط بها أشباه المثقفين في مستنقعات الردة والإذعان والخنوع.
وإنّه ليسعدنا كثيراً اتساع دائرة الاهتمام بقضية الأسرى في سجون القمع والعنصرية الصهيونية، وفي ضوء ما نتعرض له من محاولات التدجين والطمس الثقافي والإنساني وتحويلنا إلى مجرد أرقام، في حياتنا أو استشهادنا، والتعاطي معنا كسوق استهلاكي للبضائع والمنتجات الصهيونية، بهدف استدخال الهزيمة لأعماقنا، فصار يتعين علينا أن نخوض صراعاً مع السجان دفاعاً عن إنسانيتنا. صراع تتصارع فيه إرادتنا المجردة من أي سلاح سوى سلاح الثقافة والانتماء مع إرادة السجان المدججة بأسلحة الكراهية والعنصرية، وحينما نجد من يشد أزرنا أو يدعمنا من إخواننا وأخواتنا المثقفين والأدباء والمناضلين في شتى الساحات العربية، فإن ذلك من شأنه أن يشكل عاملا مهماً من عوامل انتصارنا في هذا الصراع.
إننا في الوقت الذي نحييكم ونشد على أياديكم، ونحيي من خلالكم أهلنا في الأردن الحبيب، وكافة الشرفاء في هذه الأمة، فإننا نؤكد ضرورة تعزيز الثقافة العربية في مواجهة مشاريع التطبيع مع الدولة الاستعمارية الصهيونية الغاصبة، لا سيما التطبيع الثقافي، الذي يمثل أخطر أشكال التطبيع، والذي يهدف إلى تزوير الحقائق واستلاب الوعي وفرض سلام الاستسلام على العرب حيث وصفه نتيناهيو بـ ( سلام الردع) الأمر الذي ينطوي على الإذعان والإرغام من منطلقات القوة والاستعلاء، وأن على العرب تمثل الثقافة الصهيونية واستهلاك كل ما تنتجه من ثقافة عنصرية لا ترى بالعرب سوى قطيع من الكائنات المتخلفة عديمة الجدوى.
ومن هنا بات من الواجب الأخلاقي والإنساني التصدي لمثل مشاريع كهذه، لا تحترم العقل والوجدان العربي.
فنحن نثق بالثقافة العربية والمثقفين الذين لا يزالون يشكلون القلعة الحصينة أمام الغزو والاختراق الصهيوني .
فلا تسمحوا لهذا "المسخ الطروادي" المسمى (التطبيع) بالتسلل إلى هذه القلعة.
إن ما بات يعرف "بأدب السجون" ليس مجرد متنفس لبعض الأسرى، ولا هو مجرد احتفاء بقدراتنا الإبداعية، وليس مجرد وصف لما يجري في ساحات السجون، وإنما هو سلاحٌ ندافع فيه عن ذاتنا، ولواء نرفعه في ميادين الثقافة العربية الشامخة وكلمات حرة ننثرها في الحقول الوعرة.
إننا نحيي فيكم تلك الأصالة التي نشم عبقها من بعيد نشد على أياديكم... الاستاذ عبد السلام وأحمد والعزيزة صفاء التي ترسل لنا تحياتها بانتظام، وإلى كافة الأعلام والأسماء الطيبة في مجموعتكم ونأمل أن تساهم أنشطتكم في تثوير المزيد من النقاش والإغناء والقراءات للأدب والثقافة الملتزمة، وأن تتواصل هذه الأنشطة وتتطور، ولا يسعنا إلا أن نبارك هذه الجهود وأنه لشرف عظيم أن نعمل جميعاً كلّ في موقعه وساحته على إعلاء الكلمة الصادقة والطيبة والجميلة في زمن الانحطاط، لأن الكلمات الطيبة والشريفة لها عمرٌ أطول من الطغاة، ومن دويلات الظلم العابرة.
ولكم منا خالص المحبة والاعتزاز.




Post A Comment: