خَمسُونَ خَريفَاً
وُ ستُ عِجَافٍ زَاهِداتٍ
أَقُودُهُنَّ .. وَ تَكدَحُنِي اللَّحظَاتُ
تَملؤُنِي بالأخَاديدِ وَ الحُفرِ
وَ ثوبُ العَفافِ
لازَالَ يَغمُرُنِي بالرِّضَا
..
..
حِصارُ التَّعَبِ
أَضنَاهُ الصَّمتُ .. وَ الألمُ
وَ هُوَ يَبحثُ عَن الخَلاصِ
يَفُكُّ الطَّوقَ عَن قَلبِي
بِسِكِّينِ العِتقِ
لِيكُونَ قُربانَ الدَّمِ الأَبيَضِ!
وَ البَراعِمُ الحَبيسَةُ
لاتَتَفتَّحُ مَعَ قَرينَاتهَا
فَتنُوحُ مَعَ كُلِّ شرُوقٍ
في مَلاحِمِ عُمرِي!
وَ اِبتِسَامَةٌ ثَكلَى
دَفنَتْ كُلَّ زُهورِي اليَانِعَةِ
بِعَددٍ مِن الأموَاجِ الخَرسَاءِ
المُتَلاطِمَةِ بَهُدوءٍ
فِي صَدرِي
..
..
فُصُولٌ شَاحِبَاتٌ طَالَ أَمَدُهَا
وَ بِضعُ وُريقاتٍ يَابساتٍ مُصفرَّاتٍ
وَ عَلَى ذَروَةِ السكون أُغمِضُ عَينَيَّ
أَقفُ فَوقَ هِضابِ مَاضٍ
وَ أنينِ ذِكرَى
وَ كَرَوَانٍ يَنُوحُ بَينَ أَضلُعِي!
أُنصِتُ سَاكِنةً لِضَجِيجِ سَمَعِي
وَ خَلفَ الصَّوتِ
أطيافٌ مِن زَمَنٍ مَضَى
تَتبَعُني بِخمسِينَ خَريفاً
وَ بِضعِ سِنينَ!
وَ قَبلَ البِضعِ
بَاكياتُ الشَّمعِ بألوانِ العُنَّابِ
وَ كُؤوسٌ زُجاجيَّةٌ سَاخِنةٌ
تَفيضُ بِخمرِ الحُزنِ المُعتَّقِ
فِي دَهالِيزِ الرُّوحِ السِّريَّةِ
منذُ الأزَلِ!!
يُقامُ القُدَّاسُ
عَلى أوسَعِ نِطاقٍ فِي رُوحِي
أَستَسيغُ نَخبَ مُرِّ السَّنواتِ
بِصبرِ الأنبياءِ
وَ عَلى كُرهٍ منِّي
فَأكتُمُ الآه
وَ أثملُ بالألَمِ!
..
..
خَمسونَ خَريفاً
وَ كَابوسٌ أَحمِلُهُ مِنذُ طُفولَتِي
يُوقِظُنِي كُلَّ مَرَّةٍ
فِي مُنتَصَفِ لَيلَةٍ عَاصِفَةٍ
بِشتَاءٍ يَرفُضُ أَن يَتبدَّلَ
أو يَنتهيَ :
(( فَراشةٌ رقيقَةٌ
أصابَتهَا عَدوَى صَقيعِ شِغَافِي
تَحُومُ حَولِي
تَتكسَّرُ أَجنِحتُهَا الرَّقيقَةُ
بِحَشرَجَةِ النَّزعِ مِثلِي
لِتُصبِحَ شَظايَا أتَصدَّى لَها
وَ تُدمينِي!!
وَ عَروسةُ القُطنِ
مَقطوعةَ الرَّأسِ
مَبتُورَةَ الذَّراعَينِ
أَنتَشِلُهَا مِن مِقبَرَةٍ بَيضَاءَ
لِلفتَياتِ الصَّغِيراتِ المَوءُودَاتِ
بِلَا حَولٍ لَهُنَّ
وَ لَا قُوَّةٍ!! ))
..
..
تَغمُرُنِي بَراءَةُ الطُّفُولةِ
وَ أنفاسُ أبِي
وَ جَنَّةُ الطُّمأنينَةِ وَ الأمانِ
فِي أَحضَانِهِ
وَ ديمٌ .. وَ هَتَّانُ
وَ لَيلَةٌ مِن لَيالِ الصَّيفِ السَّاحرةِ
فِي زَمنٍ كنَّا فيهِ سُعداء!!
..
..
يَا الله !!
كَمْ أَحتَاجُ لِلاِعتِذَارِ لِأُمِّي
و بِعَدَدِ السنواتِ
الَّتي كَانَ أبِي صَارماً فِيهَا
فَلمْ يُخبرهَا أَنَّها بَاهِرةُ الجَمالِ
كَحورِ العَينِ
وَ كلُّ ذَلكَ
حتَّى لايَترك لنَا مَجالاً للعَبثِ
وَ نحنُ نَخطُّ فُصولَ التَّاريخِ
فِي مَخطُوطاتِ أيَّامنَا
..
..
أَكثَر مِن خَمسِينَ خَريفاً
وَ السِّندَيانُ العَنيدُ يُظَلِّلُنِي
يَمنعُ عنِّي هَجيرَ المُراهقَةِ
ثُمَّ يُخفِي ابتِسامةَ الخَفرِ
فِي تَفتُّحِ البَراعِمِ
حِينَ البلوغِ
كَي لا تُغادرَ خِدرَهَا العُذرِيَّ
و ليُبقِينِي وَحِيدَةً
مُغمَضةَ العَينَينِ
بِحُجَّةِ أنَّ الحَياةَ وَ الصُّحبَةَ
سَتَعمَدَانِ لِلنَّيلِ مِن بَراءَتِي
وَ نَسِيَ فِي خِضَمِّ حِرصِهِ
أن يُسَلِّحَنِي
لِمُجابَهةِ غَدرِ الأيَّامِ
حِينَ أتعثَّرُ بِظلِّي!
..
..
خَريفٌ يَتلوهُ خَريفٌ
وَ كَانونٌ مُشتَعِلٌ
يَحرِقُ سَنَواتِي الضَّائعَةَ
بِعُمري الهَزيلِ!!
وَ نَهَارَاتٌ عَجِزتْ أنْ تَتوالَدِ
إلَّا فِي ثَوبِ اللَّيلِ
وَ ثُقوبُ النَّاي
بُحَّةُ الشَّجَنِ العَتِيقِ
وَ خَنجَرٌ حَادٌّ لِمُغامرٍ جَريءٍ
رأسُهُ يتوسَّطُ السَّاعَاتَ القَادمَةَ
فِي مَا تَبَقَّى لِي!!
..
..
في حَضرَةِ الآتِي
أهِبُ أَنفَاسِي لِعيُونِ الشَّمعِ
كَي تَتَّقدَ بالرَّغبَةِ
فَتُضِيء لَيلةَ المِيلادِ
فِي سُرادِقِ الرَّجَاءِ!!
كُلُّ شيءٍ يُخبِّئُهُ فُؤادِي
يَبقَى أَخضَرَ اليَأسِ
يُداعِبُ المَاضِي وَ البَاقِي
لِأَكونَ دَوماً
قَيدَ ذَاكِرةِ الفُصُولِ!!
..
..
كَم هُو مُؤلِمٌ هَذا الجُرحُ
في جَسَدِ طِينِ القَلبِ
حينَ نُودِّعُ أشيَاءَ وَ أَشخَاصَاً
كَانُوا اليَقينَ مِنَّا وَ التَّسليمَ
وُ كُنَّا بِكَامِلِ إيمَانَنَا
بِأنَّهُم نِصفُنَا الآخَرَ مِن فِلقَتيِّ الرُّوحِ
وَ أنَّهُ حِينَ يُنتِشُ الرُّشَيمُ مابَينَنا
سيُنجِبُ شَجَرةَ الخُلدِ
فَصِدقُ أَروَاحنَا فِي العَهدِ
هُوَ تَمِيمَةُ عَفوٍ وَ غُفرَانٍ
وَ تَذكرةُ عُبُورٍ
لِلفِردَوس
وَ لَم نَحسِبْ حِسَابَاً لِوَقتٍ
سَيَتَّهِمُونَنَا فِيهِ
وَ يَتَخَلونَ عَنَّا
رُغمَ مَعرفَتِهِم بِأنَّنَا
لا نَملكُ حُنجُرةً لِلصُّراخِ!
هِيَ فَقَط عُيونُنَا الجَاحِظَةُ
تَكادُ تَخرُجُ مِن مَحاجِرِهَا
وَ أهوَالُ الغَاشيَةِ .. وَ شِدَّةُ الهَلَعِ
حِينَ زَلزَلُوا مَا بَينَ جَوارِحِنَا
"وَ مَضُـوا !"
..
..



Post A Comment: