سيركب مُوَجَّة رِيح مُغادَرَة نَحْو مُهِمَّةٌ رُبَّمَا لَا يَعْرِفُهَا الْآخَرُون يَتْبَع خَطَّى أشباح تتنافر مَعَه لَا يَلْتَقِي إلَّا عِنْدَ مسارات مُخْتَلِفَة بَيْنَ مَدٍّ وَجَزْرٍ وموجات غرائبية عِنْد أَقْرَب نُقْطَة فِي نِهَايَةِ الْمَدَى أَوْ عِنْدَ مَصِير زَحَمَه وضجيج رَوَى اخْتِلَاف يَسَع قِيَاسَاتٌ الْكَوْن يُودِع تَوَارِيخ عَتِيقَة وَيَسْتَقْبِل أُخْرَى بمقاس جَسَد يَسَع مُدْرَكَات الْمَعْقُول . . . يُفَتِّش عَن نَجْمَة غَائِرَة تَغُوصُ فِي تَبّانَة مترامية قَرُب قَمَر يُفَتِّش عَن مَدَارَه . . . . فِي مجرات لايراها إلَّا مِنْ رَافَقَه تِلْك الرِّحْلَة الْمَجْنُونَة . . يُمْسِك زِمَام بِسَاطِه الْكَوْنِيّ يَتَرَنَّح بَيْن طَبَقَات مِن طَيَّات دَفْتَرِه السَّحَرِيّ . . . . وصولجانه الْمَجْنُون يَبْعَث إشَارَات دُرْبَة المغلف بِخَوْف التشظي . . . . يَرْقُص منتشيا دُونَ أَنْ تَمَسَّ قَدَّمَه الْأَرْض ولايرتدم بِسَقْف الامنيات . . . بَيْن مجئ وَاثِق وَذَهَاب مُرْتَبِكٌ ترتبط الْأَشْيَاء . . . يَقْفِز فَوْق مُدَن الرِّيبَة بِخُطُوات لاتعدو إلَّا قَلِق وَخَوْف . . . . . يُسْتَعَار صَرْخَتِه مِن سُحِب الْمَغِيب ليرسم ضحكته الطَّوِيلَةِ عَلَى طُولِ طَرِيق مُبْهَمٌ . . . حِينَمَا قَضَى نِصْفُ عُمْرَةٍ يغازل الشَّمْس وَطَرًا . . . .
((ترهات مجنون ))
نص فلسفي راقي ومن الدرجة الاولى تم مزج محتواه الفكري مابين الفلسفة والعرفان إذ انه خاطب عوالم ما بعد المجهول ( نحو مهمة ربما ..) ومفردة ( ربما ) أداة حصر لما يستقبل لشيء مجهول او حدث مهم سوف يكون ،
( لا يعرفها الاخرون يتبع خطى
اشباح تتنافر معه ) مقطع عميق جدا لانه تصور صورة ذهنية تخاطب المقابل المجهول وتصفه(بالشبح)، حيث من الصعوبة جدا خروج الإنسان من تفكيره خارجة منظومة وعيه الموضوعي ، فبداية القصيدة تكون مع نهايتها حلقة وصل بغاية الجمال، البداية كانت عبارة عن تشبيه مركب الامواج بشكل مغادر الى الأعماق أو إلى اعماق السماء ( الانزباح) بالصور المكثفة جدا ، كأن الشاعر اراد ان يرسل عبر العوالم المجهولة المشبهة بالبحار واسرارها او السماء والابداع الكوني البعيد عن متخيلاتنا الذهنية الصورية، لان لكل لفظ هناك متخيلة صورية في ذهنية الشاعر ،لاحظوا هذا المقطع المكثف الممتلئ جمالية ( إختلاف يسع قياسات الكون... يودع تواريخ عتيقة ويستقبل اخرى ... بمقياس جسد يسع مدركات المعقول ....)) ما اجمل النص وما اجمل تلك الفلسفة الرقيقة وحدهُ هذا المقطع من القصيدة يحتاج إلى دراسات متعددة من قبل الاخوة النقاد ، ثم عملية الارتباط والتحول من عمق البحار الى السماء ليفتش عن نجمة غائرة من ذلك الإبداع الالهي الملهم، ((تغوص في تبانة مترامية .. قرب قمر يفتش عن مداره ..)) روعة وابداع كوني لوصف شعري رهيب بموسيقى نغمية شعرية رقيقة جدا ...
هذا النص مزج ما بين العرفان الصوفي المكثف والمتجه نحو الغوص في الاسئلة والاستفسار ، وما بين الفلسفة الابداعية كما بينا اعلا ، فيصلح ان يكون النص خارج مدارات المدركات الحسية التي اتبعها الشاعر بعملية طرح المفردة على شكل تساؤلات من شاعر اخترق عامل الزمكان ليقدم لنا بضاعة ادبية متخيلة تخاطب الذائقة الانسانية بصيغتها الكونية الباحثة عن المجهول سواء كان اسرار البحار او السموات، فالانسان دائما يخشى من عوالم المجهولة ويخاف من المجهول ، لكنه يعشق البحث والمغامرة في مكنونها الفلسفي ،المفردات كانت بشكل رقيق موزون مكثفة استخدم الشاعر طريقة السهل الممتنع للوصول الى تقديم فكرته رغم سطوت المفردة بمعناها الفلسفي ، ثم بدأ يستعير (بأستعارة صرخته من سحب المغيب .. ليرسم الأمل من خلال ضحكته الطويلة ..على طول طريق مبهم ..)) فهذه الطرقات المتعددة اطلق عليها الشاعر بانه قضى نصف عمره يغازل الشمس وطرا...
وحدة الموضوع في القصيدة جعل من ترابط مفرداتها بشكل متوازن وجميل ، مع وجود النغمة الموسيقية لتكوين لوحة وتحفة متكاملة، انها قصيدة أحتوت بأستخدامها لأدوات ومفاهيم سبقت عصره وهذا هو الذكاء الشعري لجميع عناوين القصيدة والابداع المعرفي الثقافي الكبير..



Post A Comment: