وضعتُ على صفحتي أمس صورة للدّرج الصاعد إلى بيتنا في الشام، ومعظمنا تبادلنا ذكرياتنا عن ؛ قصص الحب، خناقات الجارات على دور الشطف ، انتظار المسحّر "أبو طبلة"، تدخين سيجارة بالسرقة من الأهل، تسميع جدول الضرب وأبيات الشعر والآيات والأحاديث، كل أسئلتنا الأولى وحماقات الأزمنة الأولى ، عذوبة هفواتنا عندما كنا نستدرج الحياة ونلعب معها ...علّقت أختي : كأني واقفة عم نادي لبيت المندو مشان التليفون . وماأحلاها حكايات التليفونات هديك الأيام .

تضحك ابنتي عندما أحدّثها عن تلك التفاصيل، هي لاتتخيّل بيت من دون تليفون، وأنا أستمتع بدهشتها وأفكر : من سيحكي للأحفاد كيف كان معظم الناس البعيدين يتّصلون عندما كانت غالبية البيوت بدون هاتف أرضي .

كانت " إيمان " أحلى صبية في عمارتنا، تزوجت باكراً وسافرت لتعيش وتستمتع بليالي الأنس في ڤيينا، تتصل على بيتنا وتقول بسرعة : مرحبا أنا إيمان تقبروني نادوا لماما وانا رح اتصل بعد شوي . هي أيضاً كانت تنتظر في مركز البريد أو إحدى كابينات السنترال في ڤيينا، بينما يركض أقربنا إلى الباب وينزل درجتين وينادي : خالة أم أسامة تليفوووون ويتردّد النداء من الجيران الذين سمعوا : تليفووون ياأم أسامة، أمانة سلميلنا عليها، وتصعد أم أسامة تلك الدرجات بثياب الصلاة غالباً أو تقول لأولادها : الحقوني بإشارب وتدخل بيتنا بدونه .
مشان الله سامحونا والله خجلانة منكم ، هيك كانت تقول كل مرة، وعمو أبو أسامة على لسانه نفس الجملة : بكرا بس يصير عنا تليفون ؛ انتوا يابيت أم ياسر مابتدقوا الباب ها ، بتدفشوه وبتفوتوا وبتقعدوا وبتحطوا رجل على رجل وبتحكوا سنة كاملة من عنا .

لاأنسى من سنوات عملي في مؤسسة الاتصالات في الشام الفترة التي سبقت تأسيس المقاسم الالكترونية، عندما كنا نحضّر الملفات والأوراق التي تحوي تواريخ تقديم طلب الحصول على هاتف، أوراق عمرها أكثر من أربعين سنة ، صفراء مهترئة تكاد تتشقق ونحن نفتحها وبصعوبة نقرأ الاسم والتاريخ، كما لاأنسى فرحنا أول تشغيل المقسم الجديد وفرح من صار عندهم تليفون للمرة الأولى وتلك القفزة الهائلة في عالم الاتصالات آنذاك وماوفرته على المغتربين من وقت وانتظار في السنترال.

أعتقد أنّ الخالة أم أسامة، الله يطول بعمرها ويعطيها الصحة والعافية، هي الآن تضع سماعاتها وأمامها اللاب توب والموبايل وعم تحكي مع بناتها في النمسا وفرنسا، صوت وصورة ، وهيي عم تحشي المكدوس وتدخن سيجارتها .



Share To: