القاص/ علي حسن
صدرت هذه المجموعة القصصية في مارس 2017م ، دون تسمية لجهة النشر ، في ست عشرة قصة قصيرة ، على 128 صفحة من القطع المتوسّط ، وتلك باكورة إبداعه السردي ، وهي تشي بمهارات سردية فائقة ، وميل واضح للتحليل النفسي للشخوص ، ورغبة جليّة للغوص وراء خفايا نفسية المرأة بصفة خاصة ...
والقاص لديه شغف فنّي بتحقيق العدالة السردية في أغلب نصوصه القصصية ، بجنوحه إلى معاقبة الشرّير ومكافأة الأخيار من البشر؛ مما ألجأه إلى أن يجعل الزمن السردي يتدفّق في شكل دائري ؛ حتى يعاود حركته إلى نقطة البدء ، وعندها تقع المفاجأة وتكتمل الحبكة ويتجشم المخطئ نفس الإيلام الذي حاك شراكه لغيره ....
الزمن الدائري:-
لا يمكن تصوُّر قصٌّ دون زمن ؛ لأنه قوام أي فن سردي، وله مسارات عديدة ، منها دائرية الزمن ، ويراد بها أن يبدأ السرد من نقطة ما ، ثم يتدفّق الزمن بأحداثه المتتابعة في مسار تاريخي تقليدي، وفقاً لرؤية السارد ، حتى يصل مساره إلى ذات النقطة التي انطلق منها ؛ حتي تتحقق وجهة نظرالمؤلف ورسالته أو شفرته الفنية ...
*ففي قصة (خلف اللسان) ...الابن الصغير يشاهد أمّه بعينيه مع العشيق ، حال خيانتها لأبيه في الفراش ، ويرى كيف كتم العشيق بيده صوت الأم خلال المواقعة ؛ ثم تهدّد ابنها بِكَيِّهِ بالنار إذا أفشى سرّها....
يتحرّك الزمن ليأخذ دورته ويصير الطفل رجلاً وزوجاً ، وعند مباشرته لزوجته يكتم صوتها مثلما فعل العشيق بأمّه وهو صغير، وصار لا يستمرئ قُبْلة زوجته ، بل يتشهّى قُبْلةً محرَّمة من امرأة تعرّفها بالمصيف ! فقد تكلَّست في مخيلته صورة الزوجة وأصبح يراها بعين الأجنبي ، لا يراها إلا عشيقة ...
وحتى تلك السيدة التي تعرّفها في المصيف ، وإمعانا من القاص في نسج الحبكة – جعلها تعاني من خيانة الزوج ؛ فتردّ موقفه الآثم إليه ، بأن تخونه مع بطل القصة ، متّخِذةً حيلةً خبيثة ، بأن تخلّصت من طفلتها الصغيرة ، باستبقائها وديعة عند جارتها في المصيف (زوجة العشيق)، وبذلك تضمن شيئين :-
أولاً : لن تنغّص طفلتها اختلاءها بالعشيق .
ثانياً : عدم مغادرة زوجة العشيق لمسكنها ؛ لاحتضانها الطفلة الزائرة في غيبة أمها التي قنصت الزوج بمسكنها ...
حدثت دورة الزمن ، وغدا الطفل زوجاً شرهاً لكل متعة حرام ، لا يروى الحلال غلّته ، فها هو يخون زوجته ، كما خانت أمّه أباه ،
أما في قصة " قطعة صغيرة من الشيكولاتة" ....
تروي قصة " صابرين" الزوجة الشابة النهمة المتعطشة للرغبة " ، وهي الزوجة الثانية للحاج "مسعود" و تصغره بعشرين سنة ، و اتخذ لها مسكناً منعزلاً عن العالم ، لتكون في الخفاء ، بعيدا عن زوجته الأولى " الحاجة هدى" ؛ حدا الشيطان بصابرين أن تغرِّر بطفل قاصر(سارد القصة وابن صاحب المنزل) وتستدرجه بقطعة من الشيكولاتة ؛ لغوايته تنفيساً عن تلك الرغبة الشبقية معه ، حتى وإن كانت بقدر ضئيل ، في ظل الحياة في الخفاء مع زوج ، شغلتْه أعماله عن رغبتها المتَّقِدة ...
يكبر السارد القاصر ثم يتزوّج من "سماح" التي عاجلها الموت ؛ بعده يتلهّف على الجنس ؛ يقترن برحاب ابنة "مرزوق" المرابِي، يغادر مصر بعد ستة أشهر من هذا القِرَان ، تاركاً زوجته الشابة وحيدةً بأنوثتها الطاغية ...يعود الزوج فجأة من الخارج فإذا به يجد زوجته " في أحضان طفل قاصر ، يفعل ما فعله الزوج - وهو في ذات السنّ – مع زوجة الحاج " مسعود" ......
وفي قصة ( السماء تغلق الأبواب)...
حاول الابن(محمود) ابتزاز أخته (سماح) للحصول على المال ؛ لينفق على الإدمان ، فيضربها بقسوة حتى تعرَّى جسدها ، تحاول الأم (زينب) أن تفصل بينه وبين أخته ؛ ستراً لعُرْي ابنتها ،فإذا به ينقض على حقيبة أخته لأخذ من مال ، تحاول منعه ، فيدفعها بكتفه فتسقط على الأرض بلا حراك ، جارتها (صفية) تتكفّل بكل مراسم الدفن .
يعود الابن العاق إلى المنزل بعد يومين ، يذهب إلى قبر أمه ، ويدخل القبر ؛ لانتزاع أسنانها الذهبية ، لم يجد الأسنان في مكانها .. أخيرا ...تنقضّ عليه الذئاب بعد خروجه من القبر..
بدا السرد بقتل الشاب العاق لأمه ، ثم انتهى بهلاكه فريسةً للضواري
وقد نتج عن ذلك المسار الزمني الذي انتهجه المؤلف ماهو يُحسب له ، فقد أدرك غايته الأخلاقية ، أي تحقيق العدالة السردية في النصّ ، فهو هكذا ينظر إلى فن السرد ، وما يقصّه ، وما يريده منه ..وإن كان السرد الحداثي يرى في النزعة الأخلاقية – الصارخة بالذات – فراشة متلكِّئة في رواق السرد ، من ذكريات القرن السابع عشر ..
لا يؤاخَذ القاص على تلك النزعة بصفة مطلقة ، بل على إيقاعها الحادّ ، فجاءت على حساب حياده الفني بعد أن أصبح حضوره طاغياً في النص ، بل نكاد نحسّ بقسوته على شخوصه الفنية ، ويتعجّل إنزال العقاب بهم ، وعلا كثيراً صوت المفكّر والسارد على صوت الفنان المبدع ..
ويحسب له للقاص إتقانه لنسج الحبكة والالتحام الشديد بالواقع ، وبراعته في تحليل شخصية المرأة بأطوارها النفسية المتقلِّبة بملامح قريبة جداً من الكاتب الكبير إحسان عبد القدوس ...
كل ذلك تحقّق في أول عمل قصصي له ، إذاً ..نحن بانتظار قاص موهوب...
جمال الدين عبد العظيم
ماجستير في النقد الأدبي




Post A Comment: