للمهتمين اقدم ترجمتي لهذا الحوار مع الكاتب الياباني هاروكي موراكامي والذي اجراه معه الكاتب الياباني يوتاكا يوكاوا ونشرته وكالة أنباء كيودو اليابانية باللغة الانكليزية في الموقع english.kyodonews.net في شهر سبتمبر من العام الماضي.
 ...في هذا الحوار يتحدث هاروكي عن تأثره بالثقافة اليابانية التقليدية وهي الثقافة التي ينبغي لكل قارئ يريد ان يستمتع بروايات هاروكي ان يكون على اطلاع عليها ولو بشكل بسيط بالاضافة الى المؤثرات العالمية. 
وكذلك يتحدث عن اسلوبه وتقنيته في الكتابة السردية وعلاقته مع القراء في مختلف دول العالم 
يتحدث بالتفصيل عن روايته الجديدة (Killing Commendatore ) والتي يمكن ترجمتها بمقتل الاسطة او المعلم  او حتى الفتوة وفق لغة اهل الشام ومصر او الزعيم المحبوب الذي يمتدحه الناس او قائد الفرسان بالمفهوم الاوربي .وهي الرواية التي صدرت سنة 2017 .
وفي نهاية الحوار وضعت شرح بسيط لبعض المفردات التي تحتاج الى توضيح وذكرتها بهوامش كي يسهل الرجوع اليها.
ومرة اخرى ارجو تقبل اعتذاري لكل خطأ في الترجمة.
---------------------------------
أخيراً جلس الكاتب الياباني الأكثر مبيعاً هاروكي موراكامي لإجراء مقابلة مع صحيفة كيودو نيوز في إبريل/نيسان بمناسبة الذكرى الأربعين لروايته الأولى "اسمعوا الرياح تغني". وفي هذه المقابلة يتحدث عن آخر مؤلفاته "مقتل القائد"(1)، وتطور أسلوب كتابته، والوجود المتزايد للعنف في وسائل التواصل الاجتماعي.

يقول موراكامي: قبل ٤٠ سنة بالضبط في ايار (مايو) نلت جائزة مجلة غنزو اليابانية للكتاب الجدد. أعتقد أن حفل توزيع الجوائز كان في الثامن من مايو وعُقد في فندق داي -إيتشي في شيمباشي بطوكيو.
س:  أنت كاتب محترف منذ 40 عاماً حتى ان ناتسومي سوسيكي(2) استمر بالكتابة لمدة عشر سنوات فقط، هذا إنجاز رائع لك أليس كذلك؟

موراكامي: كانت لدي نقطة تحول كل 10 سنوات. وفي كل مرحلة  فأن أسلوب كتابتي ونوع القصص يتغير ولم أشعر أبدا بالملل من الكتابة. كان هناك دائما هدف جديد. أعتقد أن هذا كان شيئًا جيدًا.

س: أود أن أسمع المزيد عن إحدى رواياتك وهي "مقتل القائد" ، والتي صدرت قبل مدة في طبعة ورقية.

موراكامي: أول شيء كان عندي هو العنوان. إنه مأخوذ  بالطبع من أوبرا موتزارت "دون جيوفاني" ، ولكن جذبني الصدى الغريب المضطرب لكلمات كيشيدانتشو جوروشي وتساءلت عما إذا كان بإمكاني كتابة رواية تدور أحداثها في اليابان بهذا العنوان من هنا بدء بدأ كل شيء.(3)

س: إذًا بدأ بالعنوان فقط؟

موراكامي: كما هو الحال مع رواية "كافكا على الشاطئ". في البداية ابتكرت العنوان ثم بدأت بالتفكير في أي نوع من الحكاية يمكنني كتابتها
ثم بدأت في الكتابة. لهذا السبب يستغرق الأمر الكثير من الوقت. أعتقد أن رواية "الغابة النرويجية" ربما الوحيدة التي لم تكن كذلك حيث لم يكن لها عنوان حتى النهاية.

س: أعتقد أن "المطر في الحديقة" كان أيضًا عنوانًا محتملاً للغابة النرويجية.

موراكامي: وهذه المرة في ما يتعلق برواية مقتل قائد الفرسان  كنت اسأل نفسي عما إذا كان بإمكاني تضمين عناصر في مكان ما من قصة (مصير أكثر من جيلين) من الكاتب أويدا أكيناري.(4)

س: أنت تتحدث عن قصة من مجموعة (حكايات ضوء القمر  والمطر ) والتي تتحدث عن أحياء مومياء بوذية ... الرهبان البوذيون الذين زهدوا في الحياة لدرجة الموت ودخلوا التحنيط وهم احياء ، أليس كذلك؟(5)

موراكامي: رأيت العديد من المومياءات في رحلاتي العديدة في منطقة توهوكو وقرأت أيضًا كتابًا عثرت عليه في محل لبيع الكتب المستعملة في كيوتو ، والذي يبين كيفية صنع المومياءات ، وما إلى ذلك.

س:  (حكايات ضوء القمر والمطر) تظهر أيضًا في رواية "كافكا على الشاطئ" ، أليس كذلك؟

موراكامي: أحب أكيناري ، وخاصة قصة "نيز نو إنيشي". يتعلق الأمر باكتشاف أن راهبًا محنطًا ذاتيًا قد أصبح رجلاً صالحًا مقابل لا شيء بعد أن يتم حفره وأعادته الى الحياة. كان أويدا أكيناري ساخرًا من العالم ، ولذا كتب مثل هذه القصص الشاذة ،إنها ليست من قصص الخوارق.

س: حسنًا ، فهمت.
موراكامي: منزل والدي الذي يقع في مدينة كيوتو هو معبد بوذي لمدرسة للجودو (مدرسة الأرض النقية).  عندما مات والدي تلا كاهن المدرسة قصيدة بوذية اسمها سوتزا حينها تحدثت إلى الكاهن ووجدت أن أرض معبده بها قبر أكيناري ، وطلبت منه أن يريني اياه.ولاحظت انه تم نقش شكل سلطعون عليها. عندما سألت عن السبب ، أخبرني أن أكيناري - الساخر دائمًا - طلب كأمنية الموت أن يكون قبره محفور مع شيء لايمكن ان يمشي الا جانباً.

س: انها قصة رائعة.
موراكامي: ويبدو ان المعبد اعتنى بأكيناري الى حد ما في سنواته اللاحقة.

س: هناك تناص بين "مقتل القائد" و قصة اكيناري "نوز نو انيشي". عندما يبدأ بطل الرواية في مقتل قائد الفرسان بالحفر في غابة المنزل الذي يعيش فيه ، لتظهر "حفرة" من الماضي.
موراكامي: مواضيعي السردية تدور بشكل اعتيادي حول استكشاف فقدان الادراك أو اللاوعي ... باطن العقل الواعي. عندما ننقب في العقل الواعي نعثر في هذا القاع على  عالم بشع من المخلوقات المظلمة. في النهاية يمكننا فقط الاعتماد على غرائزنا لاكتشاف ما يجب أن نخرجه من هذا الظلام ، أليس كذلك؟ وليس أمامنا من خيار سوى شحذ كل جوانب وعينا والاستسلام لغرائزنا ولا يمكننا أن نعتمد على المنطق أو على الأمثلة السابقة لأن ذلك سيكون خطيرًا جدا.

س: قرأت الكتاب بفارغ الصبر في انتظار الشكل العام للبطل. نظرًا لأنه يبلغ من الطول حوالي 60 سم فقط ، فهو لطيف جدًا.
موراكامي: لو كان كبيرًا جدًا سيكون من الصعب التعامل معه وسيظهر أنه يمثل تهديدًا من نوع ما ونظرًا لأنه صغير الحجم فهو مضغوط ، ومن السهل تركيز انتباهنا عليه والتعامل معه. هو صغير نسبياً وموجود ولكنه منفصل عن الحياة اليومية.

س:  في رواية "كافكا على الشاطئ"  نجد شخصيات غير بشرية مثل الكولونيل ساندرز تعويذة دجاج كنتاكي وكذلك جوني ويلكر وهي المرة الأولى التي يظهر فيها شخص غير بشري بشكل متكرر لينقل الاحداث.
موراكامي: هذا صحيح فلم تكن هناك شخصية مثل الزعيم الذي ظهر عدة مرات خلال احداث الرواية.

س: "القائد" يطلق على نفسه " أنا فكرة". باختصار ، خيال.
موراكامي: هذا صحيح تماماً، لكن لا أعتقد أنه من الممكن أن نعزو معنى واحد محدد له، فكرت في هذا بعد أن انتهيت من كتابة الرواية، ولكن أعتقد أن "القائد" مركب من غرور الشخصيات الرئيسية. ربما يكون كالمرآة التي تعكس الجوانب المختلفة لكل شخصية. وبالاضافة الى ذلك، قد يكون ايضا ثمة رابطا تاريخيا او رسولا من الماضي. ومع ذلك، كل هذه هي احتمالات فحتى أنا لا أعرف ما هو الصحيح. يمكننا أن نترك الأمر للقراء ليفكروا فيه.

س: لقد كتبت أيضًا أن (القائد) مفهوم محايد إلى حد ما.
موراكامي: لن أقول إنه كائن جيد لكنه ليس سيئًا. إنه ، هو في اعتقادي ، "مرشد" تجاوز تلك الأنواع من القيم. وهو ليس شيئًا مرئيًا للجميع. إنه فقط يمكن أن يرى من قبل أولئك الذين يستطيعون الرؤية.

س: لغة بطل رواية ( مقتل القائد )  مميزة. حيث يستخدم "أراناي" (تُرجمت على أنها "سلبية" في النسخ الإنجليزية من الكتاب ، ولكن في اليابانية تتكون من "آرو" - أكون و "ناي" - لا.) على الرغم من أنه يتحدث إلى شخص واحد فقط ، دائما يدعوه ب "شوكون (أصدقائي).
موراكامي: وقد واجه المترجمون صعوبة كبيرة في تحديد كيفية ترجمة هذه الكلمات..

سؤال: يعتقد بطل الرواية ، الذي يشار إليه باستمرار باسم "أصدقائي"  أن القائد قد لا يمتلك مفهوم ضمير المخاطب المفرد. و "aranai" هو الشكل السلبي لـ "aru" ، مما يعني أن القائد هو كائن نظري.

موراكامي: هذا صحيح كما أنها تبدو نوعاً ما كترجمة لأعمال فلسفية ألمانية. تبدو كلمة "Aranai" مثل الكلمات الألمانية "nicht sein" (لا تكون). لقد أنجزت العديد من الترجمات في فترات زمنية مختلفة ، لذلك اعتدت أن اصيغ  الكلمات باشكال مختلفة. ربما لهذا السبب تظهر هذه المفردات في ذهني بشكل طبيعي. نغمة الكلمة مهمة جدًا بالنسبة لي. وقد يكون السبب ايضا انني متأثر جدا بالموسيقى.

س: أنت تقوم بالكثير من الترجمات وتسافر كثيرًا . وعشت في الخارج لفترة طويلة أيضًا. لكن كل رواياتك تدور أحداثها في اليابان ، بما في ذلك مقتل القائد.
موراكامي: قد يكون ذلك بسبب اهتمامي بتبادل "الداخل" و "الخارج". مثلا ، في هذه الرواية ، يظهر القائد - الذي من المفترض أن يكون غربيًا - وهو يرتدي الملابس اليابانية التقليدية التي تعود الى منطقة أسوكا القديمة من القرن السادس إلى القرن الثامن. هذا يجعل القراء يتساءلون ويثير فضولهم هذا التنافر. لن تكون ثمة قصة إذا ظهر وهو يرتدي نوع الملابس نفسها التي كان يرتديها دون جيوفاني.

س: ربما هذا صحيح.
موراكامي: عندما بدأت بالكتابة ، كان هناك العديد من الروايات في بلدان أجنبية. لكنني لم أكن منجذباً جدًا إليها. كنت مهتمًا أكثر بما يمكن أن يصفه المرء بأنه المعاني المتبادلة، أو مقايضة الروحانيات. كان من المستحيل تقريبًا القيام بذلك باستخدام الأسلوب الأدبي التقليدي ، لذلك كان من الضروري إعادة ترتيب المفردات الأدبية.

س: وتلك الأعمال التي تم كتبت في اليابان تمت ترجمتها لاحقًا إلى لغات أجنبية.
موراكامي: في هذه الرواية تظهر إمكانية أن تنتقل "فكرة" أو "مفهوم" ، كما يجسده (القائد) في الملابس اليابانية التقليدية عبر الثقافات على الرغم من اختلافاتها. من ناحية أخرى ، حتى لو كان لديك نفس المفهوم ، ربما تختلف المعاني بأختلاف التربة المتجذرة فيها. وحينما أكتب فأنا مهتم بكيفية تباعدها وتداخلها.

س: كما جاء في العنوان ، قتل القائد في هذه الرواية. فأن القائد يقتل في بداية أوبرا "دون جيوفاني" ويقتل مرة أخرى في روايتك.
موراكامي: أعتقد أنها المرة الأولى التي تظهر فيها كلمة "قتل" في عنوان أحدى اعمالي.  ففي رواية "الغابة النرويجية"  توجد شخصيات تقتل نفسها،× في تلك الرواية ، الموت ، القتل الفعلي ، له معنى مهم للغاية.
الدخول في "نهاية العالم" في رواية "أرض العجائب الحارة ونهاية العالم" هو نفسه الموت. عندما يسير بطل الرواية في "كافكا على الشاطئ" في أعماق الغابة ، فإنه يدخل عالم الموت.

س: في روايتك "1Q84" زعيم طائفة يقنع بطلة الرواية أومامي بقتله. أخبرها أنه يجب عليها القيام بذلك من أجل الحفاظ على حياة حبيبها تانغو. في "مقتل القائد " ، يخبر القائد نفسه بطل الرواية بقتله من أجل إنقاذ ماري ، الفتاة المفقودة. ويقوم البطل بغرز سكين المطبخ في قلبه الصغير.
موراكامي: الأحاسيس الجسدية التي تظهر أثناء القتل مهمة ،ففي رواية "كافكا على الشاطئ" ، يقتل جوني ووكر القطط بمشرط. الإحساس الجسدي بالجرح أمرًا بالغ الأهمية كما لو كان ملموسًا بالفعل.

س: هل يمكنك الخوض في مزيد من التفاصيل؟
موراكامي: فعل القتل هو ولادة جديدة بالمعنى الأسطوري. يقتل شيء ما ويولد من جديد. توجد العديد من الحكايات الأسطورية عن قتل الأب.  الكائن الجديد يولد بقتل شيء ما. هذه قصة تظهر غالبًا في الأساطير. على سبيل المثال ، ينمو برعم جديد من جثة. هناك قصص من هذا القبيل في "كوجيكي"  (سجلات الأمور القديمة) في اليابان.(6).

س: الأمر يتعلق بالموت والبعث.
موراكامي: في العالم الحقيقي لا يمكننا قتل الاشخاص من لحم ودم ، لكن يمكن للناس تجربة "القتل" بشكل غير مباشر من خلال قصص مثل "مقتل القائد". هذا دور حاسم للقصة ، وفي هذه القصة بالذات ، "قتل" القائد الذي يجسد "الفكرة" هو عمل رمزي ضروري.

س: هل هذا شائع في قصصك الأخرى؟
موراكامي: منذ أن بدأت في كتابة رواياتي ، كنت أطمح بشدة إلى إثارة ردود فعل جسدية في قرائي من خلال كلماتي. على سبيل المثال ، قال كثير من الناس إنهم يريدون حقًا شرب البيرة بعد الانتهاء من قراءة رواية "اسمع اغنية الريح". وبصفتي مؤلفاً لها، أسعدني ذلك كثيرا.

س: هل هذا هو الحال مع "الغابة النرويجية"؟
موراكامي: في "الغابة النرويجية" كتبت عن الأحاسيس الجسدية التي تحدث أثناء ممارسة الجنس بقدر الإمكان من الواقعية والصراحة. واجهت الكراهية وانتقدت كثيرًا بسبب ذلك ، لكن الواقعية الملموسة للقراء مهمة جدا بالنسبة لي. لا أستطيع كتابة رواية بدونها. بشكل عام ، أشعر أن هناك عددًا قليلا من الروايات اليابانية الحديثة التي تصف بشكل واقعي الأحاسيس الجسدية ، على عكس روايات ريموند كارفر التي قمت بترجمتها كلها. لقد تعلمت اشياء كثيرة من هذه الترجمات.

س: في "مقتل القائد" ، يخترق السكين جسم القائد النحيف حتى يخرج من ظهره. ملابسه البيضاء وأيدي بطل الرواية ملطختان بالدماء.
موراكامي: أعتقد أنه من المهم أن يتم نقل الإحساس الجسدي بإمساك السكين ، وطعن الشخص الآخر ، والشعور بتناثر الدم إلى القراء مباشرة من خلال القصة - فقط كمحاكاة بالطبع. بعض الأشياء يمكن أن تعود للحياة فقط من خلال وصف الأمور المادية.

س: بطل الرواية فنان يرسم صور زيتية.
موراكامي: بما أنني لم أرسم لوحة زيتية من قبل ، فقد كتبت الرواية من خلال القراءة عن الرسم في الكتب. اخبرني بعض الرسامين عندما طلبت منهم قراءتها انها خالية من الاخطاء.. كل من اللوحات والسرد لها نفس المبدأ الأساسي لخلق شيء ما من الصفر.

س: يعيش بطل الرواية في منزل يملكه الرسام الشهير على الطراز الياباني توموهيكو أمادا. وخلال دراساته في فيينا، ضمت ألمانيا النازية النمسا. في نفس الوقت تقريبا، خدم شقيق أمادا الأصغر تسوغوهيكو في الجيش أثناء الحرب الصينية اليابانية لسقوط نانجينج ، وهاتان التجربتان مذكورتان في الرواية.
موراكامي: تتحرك الحبكة إلى الأمام بشكل واضح عندما يتم استخراج القائد من الممتلكات التي يعيش فيها بطل الرواية. إنها قصة عن التنقيب وإحياء الماضي.

س: قلت إن القائد قد يكون "رابط تاريخي" ، "رسول من الماضي".
موراكامي: مهما كان العمق الذي تحفر به حفرة لتخفي شيئاً ما ،فثمة وقت يخرج فيه هذا الشيء. نحن نعيش على أكتاف التاريخ ومهما حاولنا جاهدين إخفائه سيظهر في العلن. أعتقد أن للتاريخ ذاكرة جماعية يجب أن نحملها.

س: السيد موراكامي ، لقد ولدت بعد الحرب عام 1949.
موراكامي: كانت تلك فترة لا يزال فيها الناس يحتفظون بذكريات حية عن قتل بعضهم البعض ، بتوجيه من نزعتهم القومية. ما زلت أدرك تمامًا حقيقة أن الحرب ، حتى الآن ، ليست شيئًا بعيدًا جداُ. عندما يعتقد الناس أنهم يقفون على أرض صلبة اليوم ربما يجدونها مجرد طين لين.

س: هل تعتقد ان قدرة الناس على العنف خلال الحرب لا تزال موجودة في المجتمع المعاصر؟
موراكامي: أعتقد أن عالمًا من المخلوقات الغامضة في أعمق فترات الاستراحة في أذهاننا ، والذي تعاملت معه بحذر وحذر في كتاباتي ، يشق طريقه الى العلن تدريجيًا وبهدوء عبر الإنترنت من خلال وسائل التواصل الاجتماعي.
ولا يسع المرء إلا أن يلاحظ في حياتنا اليومية بعض مؤشرات العنف التي تكمن في أعمق وأحلك ما في عقولنا. أحياناً أخشى أن شيئاً من الماضي يبعث للحياة.

س: ما هو الدور الذي يجب أن يقوم به المؤلف في مثل هذا المجتمع؟
موراكامي: نحن الروائيون نصوغ قصصنا بحرية. لكن مبدأ الأخلاق الطبيعية يجب أن يوجد ضمن تلك الحرية. تقع على عاتق الروائيين مسؤولية تقديم المفاهيم التي ستصبح معايير أساسية ، مهما كان وصف الشر غريباً وقاسياً 

س: "تحت الأرض: هجوم طوكيو على الغاز والروح اليابانية" مجموعة من المقابلات مع ضحايا هجوم غاز السارين عام 1995 على شبكة مترو الأنفاق في طوكيو الذي نفذته طائفة أوم شينريكيو.
موراكامي: عندما كنت اكتبها، شعرت انه لا بد لي كروائي ان اصنع قصة تهزم الرواية التي اخبر بها شوكو اساهارا (زعيم آوم شينريكيو) أتباعه. عندما كانت أوم ناشطة، كان الدين قويا. ولكنني أعتقد أن وسائل الإعلام الاجتماعية اليوم وليس الدين لديها سلطة أعظم لنشر الأفكار والمفاهيم بشكل مباشر وقوي. أنا لا أقول أن وسائل الإعلام الاجتماعية ذاتها شريرة، ولكن لا ينبغي لنا أن ننسى أن هذا النوع من السلطة لا يزال قائما.

س: هل يمكنك القول أن رواية مقتل القائد هي قصة قتال ضد هذا النوع من السلطة؟
موراكامي: يظهر العنف في وسائل التواصل الاجتماعي على شكل اجزاء مقطعة ، تفتقر إلى التواصل مع بعضها البعض. أنا شخصياً أؤمن أن الرواية ستكون أفضل كلما طالت. هذا لأنها على الأقل غير مجزأة ، يجب أن يكون هناك محور ذو قيمة ثابتة طوال الوقت. ويجب أن تصمد أمام اختبار الزمن.
س: هذه هي قوة القصص.
موراكامي: الروايات فقط هي التي تجعل الناس يشعرون من خلال الكلمات بأنهم مروا بتجارب فعلية. اعتمادًا على ما إذا كان الناس يختبرون هذه القصص أم لا ، يجب أن تتغير أفكارهم وطرقهم في رؤية العالم. أريد أن أكتب قصصًا تخترق القلب. لدي الكثير من الأمل في القوة التي تمتلكها الروايات.

س: في "مقتل القائد" ، يظهر رجل أعمال ثري غامض يحمل اسما غير عادي هو واتارو منشيكي ويعني "تجنب الألوان" وكثير من القراء يتذكرون روايتك ( عديم الالوان تسوكورو تازاكي وسنوات حجه) (7)

موراكامي: هذا صحيح لم أكن لأدرك إن منشيكي تكريم لغاتسبي في رواية سكوت فيتزجيرالد "غاتسبي العظيم"

س: يعيش غاتسبي في مكان يستطيع أن يرى فيه منزل ديزي التي يحبها. مثله ، يعيش مينشيكي في قصر في الجبال في ضواحي أوداوارا حيث يمكنه رؤية المنزل الذي تعيش فيه ماري ، التي يُفترض أنها ابنته.
موراكامي: شق غاتسبي طريقه من الفقر إلى حياة مبهجة تجذب الانتباه لأن هذا هو هدفه. في المقابل  يعيش السيد منشيكي حياة عادية وهادئة شخصيتاهما مختلفتان ،أنا فقط استعرت الاطار العام من غاتسبي.

س: يأتي منشيكي ليطلب من بطل الرواية أن يرسم صورته. يقول إن رسم صورته هو "تبادل". تبادل الأجزاء مع بعضها البعض. يجري البطل حوارًا مع أخته الصغرى المتوفاة كوميتشي ، وتشعر ماري بالمثل حيال مثل هذه التفاعلات. كلمة "تبادل" تركت انطباعًا.
موراكامي: نظرًا لوجود عدد محدود من الشخصيات ، فلن تستمر الحكاية إلا إذا أعطوا بعضهم البعض شيئًا. الشخص الذي جعل الحفرة تظهر بالفعل هو السيد منشيكي. بدونه لن تكون هناك حكاية في المقام الأول.

س: هذا صحيح. لأن منشيكي هو الذي استدعى العمال لحفرها.
موراكامي: وبهذا المعنى، فإن للتواصل معنى بالغ الأهمية في هذه الرواية. لم يكن هناك الكثير من التواصل بين الشخصيات في بعض رواياتي في الماضي. إنها تراكمات من العلاقات بين شخصين وكانت الشخصيات معزولة إلى حد كبير وكثير منها لم يكن له حتى أسماء. ولكن مع استمراري في الكتابة، تمكنت تدريجيا من الكتابة عن التفاعلات المتعددة. "عديم الالوان تسوكورو تازاكي وسنوات حجه" هي رواية يتفاعل فيها أشخاص متعددون مع بعضهم البعض.

س: "مقتل القائد" لها عدد محدود من الشخصيات ولكنها تتميز بالاتصالات المتعددة فيما بينها.
موراكامي: إنها نقطة مهمة جدًا أن يأتي الأشخاص المختلفون تدريجياً ليقدموا لبعضهم البعض اشياء خاصة بهم. قبل "الغابة النرويجية" تميل العديد من رواياتي إلى تجاهل وظيفة التواصل. لكن منذ ذلك الحين ، أشعر أنني خلقت عوالم حيث الناس لا يمكن أن يعيشوا دون التواصل.

س: أعتقد أن إحدى السمات الرئيسية لـ " مقتل القائد " هي أنها مكتوبة بصيغة سرد الشخص الأول ، وهو ما لم نشهده في عملك منذ وقت طويل.
موراكامي: بدأت في كتابة روايات بضمير المتكلم ، لكنني انتقلت تدريجياً إلى روايات ضمير المخاطب.

س: إن أعمالك السابقة ، المكتوبة بضمير المتكلم ، رائعة جدا. لكن في مجموعتك القصصية "بعد الزلزال" توجد مجموعة من القصص التي خلفها زلزال هانشين العظيم في عام 1995 يتم سردها بواسطة ​​الشخص الثالث.
موراكامي: "1Q84" رواية طويلة تُروى بضمير الغائب. وبمجرد أن انتهيت من كتابتها  تساءلت مرة أخرى عما يمكنني إنشاؤه باستخدام راوي من منظور الشخص الأول.

س: هل هناك شيء يمكن القيام به بضمير المتكلم يكون صعبًا في سرد ​​الشخص الثالث؟

موراكامي: من الأسهل رواية المونولوج بضمير المتكلم. يمكن كتابة وجهة نظر الشخص الأول ببساطة ودون تأثر ، ويمكن للقراء التعرف على "أنا" بسهولة. إذا تمكن القراء من فعل ذلك ، فهذا يجعلني سعيدًا كمؤلف.

س: فهمت.
موراكامي: "غاتسبي العظيم" هي أيضًا رواية من منظور الشخص الأول. وكذلك الحال بالنسبة لرواية الوداع الطويل لريموند تشاندلر التي أحبها ، و الحارس في حقل الشوفان لسالنجر كلها روايات قمت بترجمتها. أتساءل لماذا؟

س: في بداية رواية "مقتل القائد" ، جاء أن بطل الرواية وزوجته قد وقعا وختما أوراق الطلاق ولكنهما "انتهى بهما الأمر بالزواج مرة أخرى".
موراكامي: النقطة الأساسية في الرواية هي أن بطل الرواية ، بعد الدوران في الظلام ، يعود إلى حيث كان من المقرر أن يبدأ من جديد ، تمامًا مثل تجربة دينية يابانية تسمى تايناي ميغوري. أردت أن أشير إلى ذلك في البداية ، للقراء ولنفسي.

س: هذه اول رواية تكتب خاتمة لها في البداية اليس كذلك؟
موراكامي: نعم. حتى الآن ، في العديد من رواياتي افعل ذلك دائما إذا فقدت شيئًا . لكنني قررت منذ البداية أن الأمر يتعلق بالترميم. لذلك كان من المهم بالنسبة لي أن أضيف هذا الإعلان في بداية الرواية.

س: وأنت تكتب في النهاية ، "لن أصبح مثل منشيكي" و "هذا لأنني وهبت القدرة على الإيمان".
موراكامي: السيد منشيكي لا يعرف ما إذا كانت الفتاة ماري هي ابنته أم لا.

س: ربما لا يريد أن يعرف حقًا.
موراكامي: إما أن يقيم علاقات مع العالم الخارجي أم لا ، فهو لا يستطيع أن يقرر بالضبط. لا يعرف نفسه هل يلتزم بشيء أم لا. يبدو أنه يعتقد أنه يفهم كل شيء ولكن في الواقع لا يفهم حقًا. إنه يحافظ على توازنه ويتجول ببرود في طي النسيان.

س: بطل الرواية ليس كذلك.
موراكامي: الفرق الرئيسي بين البطل والسيد منشيكي هو أن الأول يحب زوجته. مشاعره تجاهها لا تتغير حتى بعد مغادرتها. يعتقد أنه يريد أن يبدأ مرة أخرى من البداية إذا عادت. يسعى إلى هذا النوع من الالتزام.

س: ما الذي يجعله يفعل ذلك؟
موراكامي: إنه الحب بالتأكيد، ولكن أكثر من ذلك، الثقة مهمة. ربما هذا ما يفتقده السيد منشيكي.

س: هناك مشهد يدخل فيه البطل إلى هاوية عميقة في عقله بعد قتل القائد. من بين كل هذه الهاوية التي كتبت عنها ، هذا يبدو الأكثر ظلمة.
موراكامي: أعتقد أنه لا يوجد استعادة دون المرور بأعماق الظلام. قبول توبة شخص عائد هو مغفرة. الغفران هو أحد المشاعر التي تظهر لأول مرة فقط بعد أن يمر المرء بمكان مظلم للغاية ويخرج من الجانب الآخر.

س: شعرت بوحدة بطل الرواية ، التي تصاحب مخاطر الجسد وهو يشق طريقه عبر الظلام.
موراكامي: إن الإحساس بالمغفرة يتجاوز الفروق مثل "الخير" أو "الشر" أو "النور" أو "الظلام". للحصول عليه ، من الضروري قتل "مفهوم" القائد بيديه. أشعر فقط من خلال القيام بذلك يحصل المرء على "مغفرة".

س: كتبك ، كما هو الحال مع "مقتل القائد " ، تُرجمت إلى لغات متعددة وقرأها الناس في العديد من الدول المختلفة. في رأيك ، ما الذي يجذب القراء في جميع أنحاء العالم في كتبك؟
موراكامي: ما يفاجئني عندما أسافر إلى الخارج هو أن هناك العديد من القراء الشباب من سن المراهقة إلى العشرينات من العمر. هذا واضح عند مقارنتهم بالقراء اليابانيين. أعتقد أن القراء الأجانب ، بمن فيهم هؤلاء الشباب ، يبحثون عن نوع من الحرية.
كتاباتي ليست مكتوبة بما يسمى بالأسلوب الأدبي لكنها واضحة وحرة. بعبارة أخرى ، يجب أن تكون مفيدة كأداة جيدة. ومن المحتمل أن هذه الخاصية لن تضيع حتى عندما تترجم أعمالي.
اذا تعلَّمت الخدع، فبإمكانك استخدامها لتزيل المعاني بحرية من محيطك او مشاعرك. مؤخرا، شعرت ان القراء الاجانب ربما يسعون الى نيل هذا الاحساس العالمي بالحرية. بطبيعة الحال، هذا مجرد رأي مبني على حدسي.

------------------------------
 الهوامش
1- هذه الرواية الجديدة والمثيرة للجدل هى الرواية الـ14 لموراكامى وصدرت أولا باليابانية فى العام الماضى تتكون من جزءين وتتجول بين تيمات هاروكى موراكامى الجامعة مابين الوحدة والحب والحرب والفن. 
2-كاتب ياباني ولد سنة 1867 وتوفي سنة 1916 ويعد اشهر كاتب ياباني في فترة ميجي استخدمت صورة سوسيكي على ورقة 1000 ين ياباني في الفترة بين عامي 1984 و2007.(ويكيبيديا)
3- يشير هنا الى لوحة اسمها ”مقتل قائد الفرسان“ وهي أحد أعمال أمادا غير المكتشفة والتي تصور مشهدا دمويا من دون جيوفاني.و Kishidancho Goroshi هو بطل الرواية.
4- أويدا أكيناري أو أويدا شوسي ، 25 يوليو 1734 في اوساكا - 8 أغسطس 1809 في كيوتيو كان مؤلفًا وباحثًا وشاعر .وشخصية أدبية بارزة في اليابان في القرن الثامن عشر (ويكيبيديا).
5-يشير المحاور الى مجموعة (حكايات ضوء القمر والمطر) لأويدا اكيناري والمكونة من عشر قصص.
ويتحدث في احدى القصص عن يشير المصطلح إلى ممارسةالرهبان البوذيين الذين يراقبون الزهد حتى الموت ويدخلون في التحنيط وهم على قيد الحياة وهي عادة  موجودة في عدد من البلدان البوذية ، ولكن المصطلح الياباني "سوكوشينبوتسو" مستخدم بشكل عام.
6-كوجيكي وتعني سجلات الأمور التاريخية هي أقدم الكتب المعروفة في اليابان كتب الكوجيكي مكتوبة بالكانجي  لكنها تحتوي على عدد كبير من الأسماء اليابانية. الأشعار المكتوبة في كوجيكي مكتوبة بلفظ ياباني باستخدام الأحرف الصينية.(ويكيبيديا)
7- يشير المحاور الى رواية هاروكي المعنونة "Colorless Tsukuru Tazaki and His Years of Pilgrimage." والتي نشرت سنة 2013.



Share To: