أثناء جلسات العلاج مع بعض الأشخاص الاحظ أنهم لا يستطيعون التعرف على مشاعرهم ولا يستطيعون التفكير بشكل منطقي ومرتب. وهذا قد يسبب لهم الكثير من الحرج الإجتماعي وغالبا ما يختاروا الميل للإنعزال بسبب قلة الثقة بالنفس و الأحساس بالنقص و الخوف من رفض الآخرين لهم.
و منذ الجلسة الأولى في العلاج عند تقييم شخصيتهم ألاحظ أن مستوي ذكاؤهم يسمح بالتفكير المنطقي و اتخاذ القرارات المناسبه كما ألاحظ أن ردود أفعالهم تنم عن مشاعر مناسبه للحوار و الأحداث التي نناقشها.
المشكلة الحقيقية ليست في قدرتهم علي التفكير أو الإحساس . و لكن في قدرتهم على التواصل مع أفكارهم و مشاعرهم . أي أنهم قادرون علي التفكير و الشعور و لكنهم إعتادوا على الإنفصال عن هذه المشاعر و الأفكار.
ما الذي يدفع أشخاص معينين إلى هذا الإنفصال و كيف يمكنهم إستعادة التواصل مع مشاعرهم و أفكارهم من جديد؟
أن مرحلة الطفولة هي المرحلة التي تتشكل فيها شخصية الطفل ويكون دور الوالدين كبير جدا في تكوين شخصية طفلهم.. فهناك اهل يسمحون للطفل بتنمية شخصيته و التعبير عن نفسه بدون انتقاد ويقومون بتشجيعه علي ذلك فيصبح هذا الطفل شخصية مستقلة واثق في قراراته و قادر علي التواصل مع مشاعره وافكاره والتعبير عنها بدقة.
و علي العكس من هذا هنالك نوع آخر من الأهل المسيطرين الذين يعتقدون أن دورهم هو تقويم الطفل لدرجة القمع فلا يسمح له بأن يختار بزعمهم أنه صغير و لا يعرف مصلحته و بدلا من أن يتم مناقشته في إختياراته و مساعدته علي التعبير عن نفسه و تعليمه الحوار المنطقي و كيفية النقاش.. بدلا عن هذا يتعرض الطفل لتسفيه رأيه و الإنتقاد شبه الدائم علي أفكاره أو مشاعره و إجباره علي فعل ما يراه الأبوين صائب دون تبرير أو توضيح أسباب هذا الإختيار بشكل يعلم هذا الطفل كيف يفاضل بين الإختيارات و علي أي أساس يتخذ قراراته , أو يتجاهل الأباء تماما مشاعر الأبناء و رغباتهم و يصرون علي فعل شئ آخر لأنه أصوب حسب رأيهم.
مثالا على ذلك يريد الطفل أن يرتدي الجارزه الصفراء فيصر الأهل أنها غير ملائمه و عليه ارتداء جارزه اخرى فهي برأيهم أفضل و أكثر ملائمة. أو يطلب الطفل شراء لعبة معينه فيشتري الأب لعبة أخري قد تكون أقيم و أكثر إفادة للطفل من وجهة نظر الأب و لكن يتجاهل تماما رغبه الطفل .
يريد الطفل أن يخرج مع أصدقاؤه فتقرر الأم أن هؤلاء الأصدقاء سيئين أو انه لا خروج لأنها تخشي علي طفلها .
و إذا بكي الطفل أو انعزل قوبل بالإهمال التام في الوقت الذي يريد فيه أن يقدر أحد مشاعره. و إذا كان سعيدا بسبب حدث ما أو شئ يعتبره هو إنجاز قوبل بالسخرية أو التجاهل..
مع تكرار مثل تلك المواقف يصاب الطفل بإحباطات متكرره و شديدة الإيلام , فيقرر بشكل غير واع التخلي عن رغباته لأنها لن تتحقق و لن تجلب له سوي الإحباط و الإنتقاد فلا يعد يعرف ماذا يفضل أو ماذا يريد بل يترك ذلك لأبويه.. 
وينفصل أيضا عن مشاعره حيث أنها لن تقابل برد الفعل المنتظر و إحساسه بها و تعبيره عنها سيقابل برد فعل محبط, فلن يعد يعرف كيف يشعر الآن أو ماذا يسعده . فيطفئ مشاعره لأنها لن تجلب له سوي المزيد من الألم و يصبح كالآله .. هو في حقيقة الأمر يتألم بسبب ذلك و لا يشعر بالسعاده و لكنه غير مدرك لهذا أو يعتقد أن ذلك هو الطبيعي.
كيف نساعد هذه الشخصية علي التغيير؟
في الجلسات يقوم العلاج علي تغيير طريقة التفكير و النظره للأمور..
مهم ان يتعرف المتعالج أنه مسؤول عن قراراته وانه من حقه أن يختار و أن يشعر و أن اختياراته و مشاعره من حقه أن يحولها إلي أفعال و ليس من حق أحد أن يتدخل أو يمنعه من أن يعيش كما يريد . عندها سيبدأ بأمتلاك الجرأه علي أن يتواصل مع مشاعره و أن يفكر و يختار.
لكن الأمر ليس بسيطا, حيث أن التعامل بالاسلوب الذي وصف اعلاه وزرع فكره عند الشخص بانه لا يمكنه ان يفكر او يشعر او يقرر على مدار سنين طويله حيث اعتاد الشخص ان يحبس مشاعره و أفكاره في الأسر و يوقف التعامل معهما.
قد يحتاج  لسيروره علاج طويله قد تدوم عدة أشهر من العلاج إلا أن الأمر يستحق العناء.



Share To: