سألني صديق قبل قليل فيما إذا كتبت ثلاثيات روائية؟ ثم لفت نظري إلى رواية باص أخضر وممر آمن وكوباني.
في الحقيقة لم أفكر يوماً أن أكتب ثلاثية. ولا أعتقد أن موضة الثلاثيات ستبقى إلى الأبد ولا هي تستهويني في الأصل. إذا كان الروائي قال فكرته في الجزء الأول فما الداعي إلى جزء ثانٍ؟ وإذا لم يكن قد قالها فلماذا لم تكفه كل تلك الصفحات ليحدثنا عن أفكاره وأفكار أبطاله ومصائرهم؟ إلا إذا كانت أجيال جديدة من الشخصيات (الأبناء والأحفاد مثلاً) سيمضون باللعبة الروائية إلى نهايتها.
لكنني في الحقيقة ألعب بهذا الأسلوب لعبتي المفضلة، وهذا سر أكشفه لأول مرة بشكل واضح، وكنت قد ألمحت إليه في بعض الحوارات.
لا أقتل أبطال رواياتي ولا أتركهم نهب النسيان ولا أحبسهم في رواية وحيدة. ترى شخصية انطفأت هنا، ثم تراها تظهر في عمل آخر بشكل أكثر سطوعاً. 
ولأضرب مثالاً على ذلك ما دام النقاد لم ينتبهوا (الأمر يتطلب دراسة شاملة للأعمال الروائية حتى يلاحظ الناقد وحتى القارئ هذه الظاهرة. أما ورواياتي مثل أباريق المسجد* بتعبيرنا الكردي فصعب على القارئ الانتباه لتكرر وجود شخصيات معينة في أكثر من رواية):
المثال: في رواية مارتين السعيد، مارتي شخصية محورية. لكنها تظهر في نواقيس روما أيضاً. شخصية دوست في أول عمل ملحمي شعري لي "قلعة دمدم" تظهر في ميرنامه أيضاً. شخصية مارتين السعيد تظهر بشكل خافت جداً وبدون اسم في رواية ميرنامه. شخصية هاميست الأرمنية في مهاباد تظهر بضبابية في رواية ثلاث خطوات إلى المشنقة. 
وبطبيعة الحال فإنني في ممر آمن سحبتُ شخصية عازف البزق علي من الباص الأخضر وبنيتُ عليه وعلى ابن أخته كاميران أساس الرواية. في باص أخضر لم يجد القارئ من علي سوى عزف حزين في رحلة الباص الشبحية. لكنه عاد في ممر آمن بقوة.
وقاد الرواية وجرار الرواية في الممر الحزين تاركاً العزف لحين الوصول إلى مخيم النازحين.
أحاول من خلال لعبتي هذه أن أقول إن الحياة برمتها تقاطع حيوات.. تقاطعٌ تلعب الصدفة دوراً مركزياً في نسج خطوطه وبناء شبكة معقدة من العلاقات والمصائر والوقائع التي يستهويني الجمع بينها في صدف أو أقدار.
المظلة ليست لي ، بل هي لأحد أصدقاء المصور عمر الفاروق باران من أورفا.
حين يقول أحد الآباء عندنا: أولادي مثل أباريق المسجد، فإنه يعني أن كل واحد له شخصية مستقلة ولون وشكل محدد. فأباريق المسجد يتصدق بها المحسنون ويأتي كل إبريق من معمل. وهكذا هي رواياتي، صدرت عن دور نشر مختلفة، والرواية التي ينشرها هذا الناشر ويقرأها ذاك القارئ، لا يقرأها من يقرأ روايتي تلك التي ينشرها ناشر آخر.
اللقطة في الرها، شانلي أورفا. 



Share To: