دجاجة لآلة أم الخير ..                                  
كان أهل القرية ينادونها: لآلة أم الخير هي امرأة مسنة يظهر بأنها تجاوزت العقد الثامن ،وكان أهل القرية يسألونها عن سنها فتارة تقول ولدت عام فاض الوادى، ومرة أخرى تقول عام المجاعة وهكذا،وعندما يلحون كثيرا تقول الله هو الذي خلقني واخرجني للدنيا في الساعة التي أراد، فكانت تسكتهم بهذا الجواب،هي طيبة القلب مبتسمة يحبها كل أهل القرية صغارا وكبارا،كانت ودودة ترضي الجميع،تبتسم وتحب النكتة،ولا تتدخل أبدا في شؤون الغير وإذا سمعت كلاما وخاصة إذا كان سرا فلا تنقله،كانت تدخل لجميع بيوت القرية تاكل ما وجدت حاضرا ،وكانت تحب القهوة لأنها تذهب التعب عنها كما تقول، أما الأطفال فينتظرون حكاياتها بشوق وشغف فكانت تحمل في جيبها الكثير،كانت تملك دجاجة حمراء تحبها كثيرا لأنها تؤنسها في كوخها الصغير ،مهتمة بها تعطيها الأكل وهي تعطيها البيض، في الصباح الباكر تنهض لآلة أم الخير فتجد الدجاجة أمامها وكأنها جاءت لتوقظها وهي تثير صوتا عندما تنقب الحب أوتفرز ترابا أو ترمي أوراقا ،وكانت لالة تجد يوميا بيضة في التبن أحيانا تجمع البيض لعدة أيام وتحمله لصاحب الحانوت ويناولها قليلا من القهوة والسكر ،واحيانا أخرى تكسر البيضة وتضيف حبة بصل وطماطم وهاهي التشكشوكة حاضرة مع المطلوع فتتناول غداءها وتحمد الله،لكن أحيانا أخرى تنتابهاحيرة وقلق على ولدها الطاهر منذ أن سافر إلى فرنسا لم يعد لأرض الوطن وهي لم تره منذ مدة طويلة تتسمع أخباره من خلال المغتربين العائدين لذويهم في العطل ،فتجري للاستفسار عن الطاهر فيطمئنها العائد: إنه بخير وسيعود ويقدم لها هدية: الطاهر هو الذي بعث هذه الهدية وقال سلم على أمي وقدم لها هذه الهدية،فتفرح وتظن الأمر صحيحا وحسب نيتها تقرب الهدية وتشمها آه آه ريحة الطاهر وتدمع عيناها وترجع إلى كونها محدثة نفسها: سيعود ولدي ،المهم أنه بخير ،سيرجع وأزوجه بمريم ،امرأة وعليها الكلام من عائلة شريفة،إن شاء الله ياربي، رجع لي وليدي . لكن هناك تسريبات من المغتربين تقول بأن سلوك الطاهر تغير، لقد ضاع يوم يعمل ويوم لا،وأصبح يتناول الخمور وهم يشفقون عليه وينصحونه من أجل والدته،لكن هذه الأخبار شحيحة خوفا من أن تصل إلى أمه التي تنتظر عودته لتزوجه .                                                           وتمر الأيام ويأتي ذلك اليوم المشؤوم تنهض لآلة أم الخير كعادتها لكن لم تسمع الدجاجة الحمراء ولم ترها كالعادة وتبحث وتنظر وتراها ممددة راقدة بدون حركة وتقترب منها وتضع يدها لتحركها،آه هي حجر باردة،ماتت دجاجتي، ماتت الحمراء وتركتني ،بل ماتت ابنتي،وتطلق لوجدانها ودموعها العنان وتبكي وتبكي حرقة، ويتوافد الجيران للاطلاع ومعرفة الخبر،ياالله ماتت الدجاجة،لاتبكي لاتبكي يالآلة أم الخير سنعوضك بالدجاج فتصبح عندك العشرات،،ونحن معك أنت أختنا وأمنا وكل أفراد القرية اهلك،كان الأمر امتحانا عسيرا للصبر على الدجاجة،هناك الكثير ممن ضحك، أيعقل تبكي من أجل دجاجة!! وقليل فهم الأمر وأحس بألمها وعذابها ،الدجاجة كانت تؤنسها وتوقظها وتتكلم معها،هي ليست طيرا بل بشرا هي ابنتها،تعرفها منذ أن خرجت من البيضة،فأصبحت بينهما مودة ومحبة فقدتها عند الطاهر،نعم هناك رابطة الدم مع الطاهر فهي أمه وهو ولدها الوحيد،لكن لم تشعر أبدا بأنه يحبها أو يخاف عليها ولم يسأل عليها أبدا رغم كذب المغتربين فهي تعلم كل شيئ بحس الأم بالحاسة السادسة،هو ابنها في سجل البلدية وفي عقد الميلاد ،دم أحمر وليته كان أزرقا ،دم وجينات بدون حب وبدون عطف وبدون دمعة شوق وبدون قلب اكتوى وهو يرتجف ،هل صلة الرحم بالدم والشهادة الميلادية،أم بالحب والوجدان الفياض والاستفسار عن الأحوال والصحة ،هذا هو شعور لآلة أم الخير ،شعور راق يتجاوز ثقافتها ولكن تحس به وتعرفه أكثر من كبار المثقفين، لقد تأثر الكاتب كثيرا بالقصة رغم انه صانعها ومخترعها وأظن أن من يقرا ( دجاجة أم الخير) يتأثر مثلما تأثر كاتبها شكرا على متابعتكم .      



Share To: