بغيظ كبير كانت تفكر في شريط حياة عاشتها بكل حب أحداثها المارقة أمامها بغنج تستفز آلامها , بعصبية رشفت آخر ما تبقى من فنجان قهوتها الباردة، لبست معطفها وخرجت تاركة ثلاثي الألم ،الخيبة والحزن والوحدة يعقدون اجتماعهم الليلي ، محاولة اختلاس بعض الهدوء ، غادرت البيت ، وهي تمشي غير آبهة بالحلكة التي تشاركها ممشاها في شارع طويل يحادث نقر خطاها الغاضبة ، لم تهتم بمن كانوا يمشون حولها مسرعين هاربين من ضجيج تعبهم
رمت بجسدها المنهك فوق كرسي من أسفلت بارد ينوء هو الآخر ، بعبء من تقاسموا معه برودة ليله ، أرخت السمع لوشوشات الصمت الذي أخبرها أن كل شيء من حولها يعاني من صدى الذكريات ، وحتى الأرواح الهاربة من أجساد منهكة أعياها التسكع بلا فائدة ....
وكأن كل شيء يعزف لحن الغروب على وقع رحيل لم تكن بعد مستعدة له
قطع شرودها الليلي ، طائر جريح هو الآخر تاه عن عش لم يكن يوما له وطنا ، وهي تهمس لأناها :
كم تشبهني أيها الطائر الجريح ، كلانا فقد وطنا كان لنا دفقة حياة ....


تمر اللحظات ثقيلة ، تغمض جفونها لتتأمل هذا الهدوء الموبوء بالألم ، لتفتحهما على ظل يجلس على بعد خطوات ، يرمقها بابتسامة هادئة ، ملامحه ضبابية لا تُرى ، منتصبا كان ،كتمثال يتقاسم ، والليل رداء الصمت
ولكي تلفت انتباه الرجل صاحب الابتسامة الفارغة تمتمت بصوت عال ولنا في الحلكة طقوس تنزع عنا عبق الأمنيات المؤجلة...
صدى الكلمات يعود إليها ، والرجل الظل هادئا محافظا على نظرته فارغةالباردة ، ماجعلها تستشيط غيظا ، تمشي نحوه بتوجس ، ربما كان متشردا ينوي استدراجها بنظرته الذابلة، تقترب لتجده رجلا أطرافه باردة ، وجه موشح بلون التراب ، جاحظ الرؤية يحتضن كتابا كما لو كان يقرأ على نفسه تراتيل مساء لصلاة مؤجلة ، وبيد أخرى كان يكتب رسالة لم تكتمل بعد ....
كان للحياة معنى ، لكن الرحيل جعل الضجر يقتلها ليسقط القلم ويبقى الحوار معلقا على قارعة الذكرى
بهدوء تتراجع لتبتعد ، بالكاد كانت تلتقط أنفاسها من شدة الخوف فكاد يغمى عليها ، وكأن شبح الموت يتجبر ليريح العالم من المهزومين
أسرعت بخطى مجنونة تسابق الريح لتلتحق ببيتها ، وتنزع عنها بعضا من تعبها ، ترتمي على أريكة متمتمة في ذهول :
الحياة مجرد كذبة ، نعيشها ، ولا شيء يستحق كل هذا العناء .... ......



Share To: