تخيّل أنك تستيقظ لتجد أن الدنيا حولك ارتدت لونا واحدا، مثل ان ترى كل شيء أزرق: جدران غرفتك، ستائرها، أغطيتك، ثيابك ، تحفك ولوحاتك ونافذتك وكل ما تقع عليه عيناك، الشجر والحجر ، السماء والبحر ووسائل النقل والأبنية..الطعام الفاكهة والشراب...كل شيء..حتى ولو كنت من عشاق هذا اللون؟أعتقد ان كل شيء سيفقد رونقه ونكهته...فالاختلاف باللون وبالشكل وبالفكر والعادات وأساليب مقاربة ظواهر الحياة وكل التعدديات الممكنة هي نعمة وذكاء الخليقة، هي سبب نمو الإنسان في المعرفة من خلال المقارنة والتحليل والملاحظة...وفي منظوري هي سبب سمو الإنسان وليس فقط نموه. عندما انتصب الإنسان على قدميه(homo sapiens)ابتدأت مهاراته بالنمو مع تغيّر شكل جسده مما أبعده تدريجيا عن الحياة البدائية التي اشترك بكثير من ملامحها مع الحيوان..وأول مهارة طورها هي النطق وبالتالي التواصل الاجتماعي بكل تبعاته..وطبعا كانت الأعراق في اختلاف باللون والبنية بسبب حيثيات المناطق الجغرافية التي وجدت فيها، هكذا تقول الأحافير الأثرية التي وجدت في مختلف بقاع المعمورة،لم يكن الاختلاف باللون فقط بل بالمهارات التي طورها الأفراد أيضا بحسب توفر المواد الأولية في البيئة التي عاشوا فيها فسكان ضفاف الأنهار الكبيرة صنعوا القوارب قبل غيرهم مثلا..ومن كان في بيئة فيها أحصنة برية، تجرأ وروضها قبل الأقوام الأخرى..وكانوا اذا التقوا بمن هو مختلف عنهم بالسلوك والمهارة خافوا منه ظنا أنه من عالم الأرواح...وكان الخوف عامل ظاهر جدا سببه غريزة الإنسان في الدفاع عن وجوده الهش في طبيعة غير مروّضة وقاسية وهو الكائن الأضعف الغير مسلّح إلا بخبرته الضئيلة المحدودة بالمكان المحصور لعدم إمكانية السفر إلا مسيرا وبالتالي الشبه مستحيل...وورثنا هذا الخوف من المجهول والمختلف عبر ملايين السنين ولا زلنا بقسم كبير منا رغم التواصل اليسير والانفتاح المتاح لنا عبر السفر والكتب لا زلنا نتمنع عن قبول الآخر المختلف عنا بلونه وفكره وعاداته..ووو...علما أن كل المؤشرات خلال تطوّر الإنسان ونموه العقلي تقول بأنه عبر الأزمنة كان ارتقاء الإنسان مرتبطا باكتشافه وتقديره للفن والاختلاط بالآخرين، باستقباله لفكرة الإنسانية المرمزّة بالتعددية والاختلاف..ولكن مؤسف ما نعيشه في هذا العصر التي فاقت فيه التكنولوجيا كل الأزمنة ولكن التمييز والتقسيم والقوقعة ضمن الأطر المحدودة عادت لتذكرنا بالإنسان البدائي الخائف على خصوصيته من الآخر فلجأ لترسيخ وجوده بالعنف والاضطهاد....
الكلام يطول...






Share To: