تثير رواية عناق عند جسر بروكلين للروائي عز الدين شكري كثيراُ من الإشكاليات مثل مسألة المصير الإنساني في عالم يموج بالعنف والقسوة والإقصاء , عالم كونى  تتوزع فيه المأساة – القاهرة- السودان , الولايات المتحدة , لا أحد نجا من هذه القسوة فبدت الشخوص مهتزة ومشوهه وغير قادرة على اتخاذ قرارا شجاع يتيح لها التحرر من هذا الطوق الجهنمى الذي تعيشه لذلك كان يجب أن تنتهى الرواية بمأساة ليست مأساة سلمى فقط ولكن كل شخوص رواية عناق عند جسر بروكلين للروائي عزالدين شكر فشير  
 ود. عزالدين شكري فشير، كاتب وأكاديمي ودبلوماسي مصري. صدرت له خمس روايات: "عناق عند جسر بروكلين (2011)، "أبوعمر المصري" (2010)، "غرفة العناية المركزة" (2008)، "أسفار الفراعين" (1999)، و"مقتل فخرالدين" (1995). لقيت روايته الثالثة (غرفة العناية المركزة) اهتماماً شديداً من النقاد والجمهور على حد سواء، كما رشحت لجائزة البوكر العربية (القائمة الطويلة)، مما أثار الاهتمام بعمل فشير الأدبي والذي كان مغموراً حتى ذلك الوقت، وتمت إعادة طباعة روايتيه الأولتين أكثر من مرة، كما بدأت دور النشر المصرية الكبرى في السعي لنشر أعماله.ثم رشحت روايته الأخيرة (عناق عند جسر بروكلين) لجائزة البوكر هذا العام (القائمة القصيرة) ولقت اهتماماً كبيراً من النقاد والجمهور، كما كتب عنها مراجعات نقدية في صحف مصرية وعربية عديدة. في ابريل 2011 عينته الحكومة الانتقالية أميناً عاماً للمجلس الأعلى للثقافة في مصر، إلا أنه استقال من المنصب بعدها بأربعة شهور قائلاً إنه "يفضل مقعد الكتابة عن مقعد السلطة".

هل تغير مفهوم الروائي عز الدين شكري فشير للكتابة  ما بين روايته الأولى  مقتل فخر الدين وروايتك الأخيرة عناق عند جسر بروكلين 

-  مفهومي الكتابة نفسه لم يتغير، لكن هناك جوانب في الكتابة تغيرت. كتابة "مقتل فخرالدين" كانت كأنها تصفية حساب مع العالم، رد ذاتي على الظلم والقهر والمأساة الانسانية. هذا الرد يأخذ شكلاً جمالياً، لكن الرغبة في الانتقام كانت قوية. الآن أعتقد أن الجانب الجمالي يهمني أكثر من تصفية الحساب مع العالم، كأن هذا الحساب مع العالم تحول هو نفسه لموضوع جمالي.   

 2 هل تتفق معى على  ان هناك  رغبة من السارد في أدانه البروفسير درويش رغم أنه من الشخصيات القليلة المتسقة مع ذاتها  

- لا، ليس لدي أدنى رغبة في إدانة أي من الشخصيات، لا درويش ولا حتى داوود. لدي مشكلة مع إدانة الشخصيات؛ أعتقد أن ذلك عملاً سهلاً وبلا فائدة، كأنك تريح نفسك من المشكلة. تدين الشخصية وتستريح. لكن ماذا يفيد إدانة الشخصية؟ جمالياً أو انسانياً حتى سياسياً؟ ليس كثيراً. بالعكس، أحاول التسلل لعالم الشخصية الداخلي؛ أحاول أن أفهم لم يفعل الناس مايفعلونه. حتى القتلة: فيم يفكر القاتل وهو يستل سكيناً ليطعن بها ضحيته؟ ولم يفعل ذلك؟ ما الذي يدفعه لذلك؟ هذه مهمة الروائي، أما الإدانة فمهمة الواعظ والقاضي. ولست أيهما.

3 هل لاحظت  مثلى أن شخوص رواية عناق تغيب عنهم  الملامح الذي تميزهم كبشر وهو التكوين الجسدي والبورتريه خصوصا    وكأنهم فقط مجرد أدوات لنقل أفكار الكاتب حول العلاقة الملتبسة بين الشرق والغرب 

- فعلاً؟ لو صح هذا لاعتبرته عيباً في الرواية بلا شك. أسوأ شيء أن يتحول الشخوص لأدوات ورموز، ساعتها تتوقف الرواية عن أن تكون رواية وتصبح شيئاً آخر، مقال أو أطروحة فكرية. وفي هذه الحالة لا تستحق القراءة. كتبت "عناق عند جسر بروكلين" كرواية عن أشخاص، لحم ودم، لهم هنات وأحلام وإحباطات ومخاوف بل وهلاوس أيضاً. وحاولت قدر الإمكان الابتعاد عن الأنماط. أحياناً يحتاج الأمر من الكاتب أن يصف شكل الشخصية، البورتريه مثلما تقول، وأحياناً يمكنك الاعتماد على التخيل الذي ينشأ في ذهن القاريء أثناء السرد، من إشارات بسيطة: رامي الذي يعدل ياقة قميصه باستمرار وينكمش كلما حادث أحداً ويجتهد في الابتسام عسى أن يرحب به الناس، يمكنك أن تراه في مخيلتك، وساعتها تعطيه انت الشكل الذي يرتبط في خيالك بهذا الوصف – قد يكون شعره مفلفل أو أقرع، مثلما يترائى لك. أما إن قرأت الرواية وشعرت أنها أنماط، فمعنى هذا أني فشلت في مسعاي.

4   انتصار الكاتب  لنمط الحياة الشرقي من خلال شخوص الرواية  ضحايا النظام الرأسمالي- رامى – ليلي- جين-    ألا تري إنها رؤية جبرية مثالية  

- إن اخترت هذه القراءة فأنت محق في وصفها بهذه الطرقة. لكن هل هذه هي القراءة الوحيدة للرواية؟ هل هي انتصار لنمط الحياة الشرقي؟ هل شخوص الرواية ضحايا للنظام الرأسمالي؟ هل تقدم الرواية أصلاً ما يمكن وصفه بنمط الحياة الشرقي؟ وما هو ذلك النمط؟ ومن الذي يعيشه من شخوص الرواية؟  ثم، هل رامي ضحية للنظام الرأسمالي أم ضحية لنفسه وأفكاره وانغلاقه ومخاوفه؟ وحين انهارت حياته، من الذي أتى لإنقاذه: أخوه المصري المقيم في القاهرة أم مارك؟ ألم يكن مارك هذا هو الشخص الوحيد في أمريكا الذي لجأ له رامي؟ أليس هو الشخص الوحيد الذي فتح له رامي قلبه وكشف أمامه ضعفه واستنجد به؟ هل انعزال رامي نتيجة رؤية رامي لنفسه ومخاوفه وكبريائه أم نتيجة حصار العالم له؟ أكثر من ذلك، هل حالة رامي خاصة بأمريكا أم أنها حالة انسانية عامة يمكن أن تجدها هنا، في شبرا الخيمة، عند رجل يعيش حياته كلها خائفاً من كشف ضعفه لأحد، وينتهي به الأمر بلا اصدقاء وهو يعتقد ألا يد له في تلك العزلة؟ هل هذه الرواية عن شرق وغرب أم عن بشر؟   

5 رغم أن العلاقة الرومانسية المثالية  بين لقمان وماريك والذي لا توجد أسبابا جوهرية للفراق ولكن في النهاية يفترقا  هل تتفق مع  "كيبلنغ"،فى  قولته الشهيرة بأن "الشرق شرق والغرب غرب، ولن  يلتقيان"

- أعتقد أن كيبلنج في مكان ما بين الحماقة والعمى، شأنه في ذلك شأن هنتنجتون وكل دعاة المواجهات الكبرى بين وحدات من صنع خيالهم. وأفضل عنهما مغني الجاز الأمريكي لويس أرمسترونج الذي غنى: "يريد الرجل منا مكاناً تحت الشمس، إمرأة يسعده أن تكون زوجته، عملاً يقوم به، وفرصة لتربية أبناءه، مرحباً يا أخي مرحباً".
هل لقمان شرق وماريك غرب؟ من المتدين بينهما، الذي يذهب لدار العبادة بانتظام ويجد رابطة روحية في ذلك ومن غير المهتم بالدين؟ من المحافظ اجتماعياً ومن المتحرر – بالمفهوم المسمى غربياً – بينهما؟ من الحريص على العائلة ومن صاحب العائلة المفككة والعلاقات المتعددة؟ من فيهما شرق ومن الغرب؟ وفي النهاية، هل يتركان بعضهما لأن أحدهما شرقي والآخر غربي أم لأن ظروفهما وارتباطات حياتهما تجعل من المستحيل على أي منهما أن يعيش في مكان آخر؟ الحياة معقدة، والناس معقدة، ليسوا أنماطاً أو أفكاراً تسعى على الأرض. لقمان، غير المتدين، المتحرر، الذي يمكن أن يصفه البعض بأنه "مستغرب" مرتبط بالحياة في مصر وبالوضع في فلسطين وبمرضاه في مستشفى الدمرداش. هو ليس مضطرا للاختيار بين أن يكون مصرياً وبين أن يكون غير متدين ومتحرر. لا تناقض بين هذه العناصر في نظره، وهو يعيش حياته ويرى نفسه هكذا، بغض النظر عما يقوله الأخ كيبلنج

-  لا يمكن أن نحاور  سياسي ودبلوماسي مثل د عز الدين شكري فشير دون أن نحاول أن نجد لدية إجابة عن بعض الأسئلة عن الراهن المصري خصوصا والعربي عموما  
- 7 هل تتفق مع الرأي الذي يقول ان أخطاء ثورة 25 يناير هى أخطاء ناتجة عن  عدم وجود خبرة سياسية كافية لكافة الطيف السياسي أكثر من كونها مؤامرة كونية  بسبب التصحر السياسي الذي فرضته ثورة يوليو  حتى سنوات حكم مبارك العجاف 

- أتفق.
لكن مرة أخرى لا تناقض بين التفسيرين. هناك دائما من تآمر عليك، ولذا تحتاج خبرة في التحرك السياسي. إن ارتكبت أخطاء كثيرة ستنجح بعض هذه المؤامرات. 

8 الثورة فشلت –  هذه العبارة أصبحت متداولة بشكل كثيف في الميديا بتنوعها – هل تتفق مع هذه العبارة , وهل  من الطبيعى  انه بمجرد قيام  الثورة أن تتغير  الأمور بشكل  كأنها عصا الساحرة  الشهير في الحواديت الخيالية  
 
- لا، لا أتفق إطلاقا مع مقولة الثورة فشلت. الثورة بدأت، ولا يمكن القول أنها نجحت أو فشلت. الثورة موجة تغيير سياسي وثقافي واجتماعي عميقة. هذه التغيرات تجري منذ مدة، ولما فشل النظام السياسي والثقافي والاجتماعي في التأقلم معها والتطور لمواكبتها تعطلت هذه النظم، ثم انهارت. هكذا بدأت الثورة. هكذا تحول التغيير الاجتماعي العميق إلى ثورة، وسيستمر بغض النظر عن الأخطاء والمؤامرات والانتخابات وبقية الترهات التي نراها على الساحة السياسية. السؤال هو بأي تكلفة وبأي طريقة، وهذا يعتمد على كيفية إدارتنا للثورة ومدى مهارتنا في بناء أنظمة سياسية واجتماعية وثقافية قادرة على التعامل مع الواقع الجديد، مع التغيير المستمر في المجتمع. للأسف حتى الآن هذه القدرة محدودة لأن الأمور مازالت بيد النخب القديمة، سواء في الحكم أو المعارضة، وكلها نخب تفكيرها قديم وعقليتها قديمة وهي نفسها جزء من الماضي الذي يحتاج للتنحي. 

 كانت لك تجربة في إدارة المجلس الأعلى للثقافة واستقلت بسرعة هل يأساً من الفساد المستشري  وهل صحيح لا يوجد حل لهذا الفساد السرطانى في مؤسسات الدولة 

- لا، لا يأساً ولا بسبب الفساد. الأمر أبسط من ذلك. قبلت هذه المهمة لأني رأيت فيها فرصة للتغيير في إحدى مؤسسات الدولة الهامة بحيث تواكب هذه المؤسسة التغيير السياسي والاجتماعي والثقافي الذي أحدثك عنه. لكني اكتشفت سريعاً أن العناصر المطلوبة لإحداث هذا التغيير المؤسسي غير موجودة، وبالتالي لم يكن هناك مبرر لاستمراري في إدارة هذه المؤسسة فرحلت من حيث أتيت. كما قلت مراراً ساعتها أن الجلوس على قمة إحدى مؤسسات الدولة لا يغريني ولا يهمني في حد ذاته، وأن لدي أشياء أفضل من إدارة البؤس أفعلها في حياتي.




Share To: