لن ترتقي الشعوب الا اذا انطلقت بعزم نحو تفعيل دورها في الثقافة، ولايمكن لها ذلك دون ان تستمد فعاليتها من خلال الاسس الصحيحة في التعلم الذي ياتي من خلال القراءة والمتابعة لكل ما يتعلق بشؤون الفكر والابداع . ولكي تكون قادرة على الانطلاق نحو الرقي في مستقبل ابناءها فعليها ان تخطو بخطوة واثقة صوب الأتي من مستقبلها في البحث الجاد عن كل ماهو جديد في عالم المعرفة ..
ولكن ما يؤسف اليه اننا نعيش في حالة من الانحطاط في مستوى القراءة للكتب عند الشباب في العراق وفي بقية انحاء الوطن العربي قياسا بما يحصل في اوروبا والغرب . وما ان نلقي نظرة على واقع المطابع في العراق وعلى مستوى التعليم المتردي جدا عندها ندرك اسباب عزوف الشباب عن القراءة ناهيك عن حالات الفقر التي لاتزال قائمة في اكثر البلدان العربية النفطية وقلة فرص العمل والتعلم . وفي استطلاعات اجرتها ورشة العمل العربية لاحياء القراءة بناء على النتائج الصادرة من اتحاد كتاب الانترنت العرب تبين مايلي :ـ ان ماتطبعه الدول العربية مجتمعة هو تقريبا مليون كتاب موزعة على ثلاثمائة مليون مواطن عربي60% منهم اميون واطفال و20% لايقرأون ابدا و15% يقرأون بشكل متقطع وليسوا حريصين على اقتناء الكتاب وماتبقى هم 5% من المواظبين على القراءة وعددهم مليون ونصف فقط . اي ان حصة الفرد الواحد اقل من كتاب سنويا مقابل 518 كتابا لكل فرد في اوروبا و212 كتابا للفرد في امريكا . ومن خلال تلك الارقام المرعبة في تدني مستوى القراءة عندنا يتبين لنا حجم الكارثة الثقافية التي يعيشها المواطن في العراق والوطن العربي عموما، وذلك ناتج بطبيعة الحال عن سياسات الحكام التي لاتنظر لمستقبل هذا الشعب، واكتفت بالصراع الوهمي مع الغرب بحجة اننا نتعرض الى مؤامرة من قبل الاخر بينما تصرف الاموال هنا وهناك على رغبات هؤلاء الذين يريدون ان يبقى الجهل متفشيا بين العامة .
وللوقوف عند هذه الاشكالية (ازمة الجمهور المتلقي) في الثقافة العراقية هذا الجمهور الذي اخذ في التقلص مما جعل الكتاب يبحثون عن اسباب هذه الفجوةالتي تكبر كل يوم .. وذلك لطبيعة الملابسات التي تحيط بالانسان العراقي والتي تاخذه بعيدا عن الثقافة التي تخاطب العقل ومن هنا انطلقت ثقافة الاستهلاك التي تخاطب الغريزة بعد توفر المناخ الملائم لها ومثل على ذلك جلوس هذا الجمهور لساعات طويلة امام التلفاز لمشاهدة المسلسل التركي بينما يحجم عن قراءة كتاب ثقافي يمكن ان ينمي لديه القابلية في الحس وهذا طبعا قدر الكاتب الذي يكتب لكل الناس بينما لايقرأه الا مجموعة قليلة وهم ايضا ذات مستويات مختلفة في التلقي .
ومع ذلك يجب علينا ان لا ننسَ التخلخل الذي حصل في بنية المجتمع العراقي لاسيما في السنوات العشرين الاخيرة بحيث اصبح عرضة لتحولات خطيرة عصفت في تركيبته في مختلف المستويات مما يتوجب علينا اعادة النظر في تقسيماته الطبقية التي كنا نطلقها سابقا نتيجة لظهور طبقات وفئات اجتماعية جديدة افرزتها تلك التحولات .
لذلك اقول علينا ان لانستسلم لتلك التحولات بالقدر الذي نعمل على تغيير المعادلة لصالح المبدع ودوره في المجتمع فليس من الضروري ابدا ان يتحول هذا المبدع الى مروج للثقافة الاستهلاكية او ان يتنازل عن شروط الابداع بل بالعكس من ذلك عليه الايمان بحركة التاريخ التي تسير في قانون التطور فهذه التحولات قابلة للحوار الحضاري والى محاولة جادة في الكشف والاكتشاف . ومن الامور التي يجب الا نتغافل عنها موضوعة حرية التعبير عند الكاتب الذي لايزال محاصرا من المنظومات المهيمنة التي لا تؤمن بعملية الحوار.
لذلك نرى من نقاط الخلل في بنية المجتمع الثقافي ولا يشار اليها بوضوح هو الكشف عن اسبابها ومن هذه النقطة تنشأ الازمة في حرية الابداع والراي . لذلك اعتقد اننا في عمق تلك الازمة التي تتوزع في جوانبها على اكثر من محور فمن تلك التحولات الطبقية الى اشكالية التلقي وصولا الى موضوعة الحرية المستلبة نتيجة للارهاب الفكري الذي تمارسه المنظومة المهيمنة. فما علينا بعد ذلك الا ان نعيد حساباتنا في قراءة الواقع وايجاد الحلول من اجل ارتفاع شأن المجتمع ثقافيا .



Post A Comment: