النوبة القلب النابض في جسد الدولة الأم


أنا عاشق لأرض الذهب ... أرض السحر و الجمال ...أرض الألوان ... النوبة , وهي تسكن قلبي ليس لأنها قطعة غالية من أرض الوطن مثل سيناء و مطروح و صعيد مصر فقط ولكن أيضا لطبيعتها الساحرة و كنوزها التي تشهد بعظمة مصر وتاريخها ثم لطبيعة أهلها فهم يتصفون بالهدوء و السكينة و الشخصية المسالمة الطيبة التي تحمل صفات كثيرة أجملها الأمانة و الصدق .
إن هذه المنطقة تملك من الخصائص و المميزات الحضارية و الثقافية ما يجعلها أكثر تميزا في النسيج المصري المتجانس وتبدو أشد قربا من الشخصية المصرية عموما .
و للأسف فإن كثيرا من المصريين لا يعرفون عن النوبة الجميلة غير أنها منطقة تقع في جنوب مصر غرقت بمياه السد العالي و أن أهلها لهم بشرة سمراء و يأتون للقاهرة للعمل كطهاة مهرة في بيوت الطبقات الأرستقراطية أو حراس عقارات يتكلمون بلغة غير مفهومة وبسرعة كما صورتهم الأفلام السينمائية في زمن الأبيض و الإسود .

ولأن النوبة قد عانت كثير من الغبن و التهميش مع بداية القرن الماضي وبالتحديد منذ بناء خزان أسوان في عام 1902 و مازالت تعاني حتي الأن , فإن البعض ممن يحمل الكره لهذا الوطن يحاول الصيد في الماء العكر و يستغل مطالبة أهل النوبة بحقوقهم المشروعة في العودة لأرض أجدادهم كي ينال من وحدة الوطن أو يثير الفتن بين أبناء الوطن الواحد مستغلا في ذلك بعض الحقائق و كثير من الأكاذيب مما دفعني إلي كتابة هذا المقال والذي أحاول فيه أن نتعرف علي النوبة كقطعة عزيزة تقع علي أرض مصر و كذلك التعرف علي تفاصيل المشكلة النوبية و عرض بعض الحلول التي تضمن إسترضاء المواطن النوبي وإشعاره بكرامته علي أرضه و داخل وطنه و تضمن كذلك سلامة الوطن و وحدة أراضية .

وسوف أقسم المقال إلي ثلاث أجزاء علي مدار ثلاث أسابيع بإذن الله :
الجزء الأول : التعريف بالنوبة
الجزء الثاني : عرض المشكلة النوبية 

الجزء الثالث : الحلول المتاحة للمشكلة النوبية . 


(1)

النوبة الجميلة أو أرض الذهب :
النوبة إسم له تاريخ ... فهو مشتق من نوب أو نوبو في اللغة الهيروغليفية و هي اللغة المصرية القديمة و الكلمة تعني الذهب أي أنها أرض الذهب لوجود أغلب مناجم الذهب في أرضها وبالتحديد في منطقة وادي العلاقي و النوبة إقليم مشترك بين جنوب مصر عند الشلال الأول في أسوان و حتي بلدة الدبة جنوب دنقلة شمال السودان .

وهذا الإقليم يضم 164 قرية منها 44 قرية داخل مصر علي مساحة 310 كم بينما في السودان يوجد 122 قرية بمساحة 640 كم عند الشلال الرابع بإجمالي مساحة قدرها 950 كم في الدولتين.

و تضم النوبة ثلاثة فروع‏ حسب الموقع من الشمال و حتي الجنوب :-

في الشمال : يقيم الكنوز , وهم مجموعة من القبائل يتحدثون بلهجة تسمي الكنزية ويقيمون حاليا في قري البر الغربي ومازالوا محتفظين بالطابع النوبي في العادات والتقاليد وشكل البيوت القديمة و كان من غير المسموح للنساء في كل قبيلة أن تتزوج أبدا من خارج قبيلتها ثم بمرور القوت بدأ التزاوج بين القبائل لكنه غير مسموح به نهائيا من خارج أهل الكنوز و النوبة .
في الوسط : يقيم العرب , الذين ينحدرون من أصول عربية و بالتحديد من قبائل بني ربيعة و جهينة و يسكنون قري وادي عرب وهي السنقارى، شاترمة، المالكي، السبوع .
في الجنوب : يقيم‏ ‏الفدجة‏‏ (الفادتجدا) , وهم يتحدثون باللغة النوبية القديمة و التي تسمي بالفاديجا وهي تنطق ولا تكتب ويقيم أغلبهم حاليا في مركز نصر النوبة في قري علي شكل نصف دائري من قرية بلانة حتي كلابشة .
واللغة النوبية هى لغة تنتمى إلى مجموعة اللغات النيلية الصحراوية، وتنقسم إلى قسمين أساسيين “الكنزية” و”الفادكية”، واللغتين عبارة عن خمس لهجات أو أكثر يستعملها أهل النوبة فى مناطقهم المختلفة في ما بين مصر والسودان .

ومع إحتفاظ أهل النوبة بلغتهم الأصلية و إهتمامهم بتلقينها و تعليمها للأجيال الجديدة كلغة أصيله توارثوها من أجدادهم  فإن لسانهم العربي يمتاز بالفصاحة أيضا و يهتمون بالعربية و يحافظون عليها.

وكما للنوبيين أرض نشئوا عليها منذ الاف السنين وكما أن لهم لغة يحافظون عليها فإن لهم تاريخ مجيد يمتد لألاف السنين و إسهامهم الحضاري و التاريخي للوطن الأم يدعوا للفخر و الإعتزاز بهم فالحضارة النوبية جزء أصيل من الحضارة المصرية القديمة بل إن النوبة ساهمت في حركات التحرر الوطني و الكفاح الدائم ضد المحتل و المغتصب للأرض المصرية منذ الهكسوس و حتي حرب أكتوبر المجيدة .

كما حكم النوبيين مصر من الشمال إلي الجنوب فيما يعرف بالأسرة الخامسة و العشرون (الأسرة الأثيوبية) وتم نقل العاصمة من منف إلي نبتة في الجنوب و من الجدير بالذكر أن هذه الأسرة قد نجحت في صد الغزو الأشوري للبلاد في عهد الملك تهارقا .

وكذلك من أهل النوبة ظهر أول فرعون  وهو “الملك مينا” موحد القطرين‏,‏ الذى تزوج من الملكة نفرتارى الجميلة وهى نوبية الأصل .

ولا نستطيع أن نتحدث عن النوبة و لغتها و عن النوبيين و وطنيتهم و إنتمائهم للوطن مصر بدون أن نتحدث عن حرب أكتوبر و إستخدام اللغة النوبية كشفرة أثناء الحرب مما أعجز العدو الصهيوني في فك طلاسمه و معرفة ماهية تلك الشفرة .
إن الثقافة المصرية العريقة متعددة الروافد لكنها متجانسة و تصب في نهر واحد هو المصرية الصميمة و جميع الثقافات المكونة لها قد ذابت في بوتقة واحدة تمثل الوجه المشرق لمصر وتشكل وحدة قائمة بذاتها وبرغم أن كل إقليم أو منطقة تملك صفات خاصة بها و تميزها و كذلك موروث ثقافي واضح لكنه لا ينفصم أبدا عن المجموع الثقافي الواحد لمصر فمنطقة القناة لها فلكلور شعبي و كيان ثقافي يميزها و كذلك الحال في صعيد مصر له فلكلوره الشعبي و كيانه الثقافي المميز له و سيناء  كذلك و منطقة الدلتا و إقليم غرب مصر من مطروح و حتي الحدود الليبية بل إن كل منطقة في مصر تملك تراثا شعبيا مميزا لها.
في النهاية الجميع يتحد و يكون تراكيب من الفسيفساء المبهرة , مما يفسر السبب في عشق العالم للثقافة و الفن المصري الأصيل . كنا قد تحدثنا في المقال السابق عن النوبة و التعريف بها و بأهلها و اللغات و اللهجات النوبية وذكرنا إن الثقافة المصرية العريقة متعددة الروافد لكنها متجانسة و تصب في نهر واحد هو المصرية الصميمة و جميع الثقافات المكونة لها قد ذابت في بوتقة واحدة تمثل الوجه المشرق لمصر وتشكل وحدة قائمة بذاتها وبرغم أن كل إقليم أو منطقة تملك صفات خاصة بها و كذلك موروث ثقافي واضح ويميزها لكنه لا ينفصم أبدا عن المجموع الثقافي الواحد لمصر فمنطقة القناة لها فلكلور شعبي و كيان ثقافي يميزها و كذلك الحال في صعيد مصر له فلكلوره الشعبي أيضا و كيانه الثقافي المميز له و سيناء  كذلك و منطقة الدلتا و إقليم غرب مصر من مطروح و حتي الحدود الليبية بل إن كل منطقة في مصر تملك تراثا شعبيا ثريا له نكهته و رونقه .
ولكن في النهاية الجميع يتحد و يكون تراكيب من الفسيفساء المبهرة , مما يفسر السبب في عشق العالم للثقافة و الفن المصري الأصيل . 

لقد كانت النوبة ولا تزال هي المقدمة الموسيقية لأروع أنشودة عرفها العالم , أنشودة يشدو بها النيل العظيم منذ أن يطئ أرض الكنانة عند الحدود مع السودان الشقيق و حتي يعانق الدلتا الخصيب بذراعيه ويصب فائض عشقه في البحر المتوسط .

و بين النيل و المصريين عموما و النوبيين علي وجه الخصوص علاقة عشق و حياة لا تعرف الإنفصال أبدا

وهم لا يتخيلون ولا يتحملون الحياة بدونه و برغم ذلك و لمصلحة الأمة المصرية ترك النوبيون أرضهم عن طيب خاطر في عام 1902 م حيث إنتقلوا إلي قري البر الغربي و كذلك إلي القاهرة و الإسكندرية وجميع محافظات مصر و نستطيع أن نقسم الهجرات التي تعرض لها اهل النوبة إلي هجرات أربع منذ بداية القرن الماضي وهي كالتالي : 

1_ عام 1902م عند بناء خزان أسوان و تأثر بها ثمانية (8) قري.

2_ عام 1912م نتيجة للتعلية الأولي للخزان و تأثرت بها عشرة (10) قري في مناطق الكنوز.
3_ عام 1933م  نتيجة التعلية الثانية للخزان وبسببها غرقت كل قري النوبة عدا أربع (4) قري فقط قد نجت من الغرق وهي ( أبو سنبل – بلانة – قسطل – أدندان ) و إستمرت تلك القري الأربعة مكانها حتي عام 1964م .
4_ 1963 - 1964م و ذلك عندما بدأت الدراسات العلمية و الفنية و الإجتماعية و الإقتصادية إستعدادا لبناء السد العالي حيث هب العالم أجمع و منظمة اليونيسكو لإنقاذ الأثار المصرية من الغرق الذي سوف يحدث بمجرد تغيير مجري النيل و كذلك تم تهجير النوبيين خلف منطقة السد عند هضبة كوم أمبو و إسنا في منطقة أطلق عليها نصر النوبة و كانت أول حركة تهجير في يوم 18 أكتوبر عام 1963م وهي الهجرة الرابعة و الكبري التي شملت كل قري النوبة المصرية وكذلك 22 قرية نوبية في السودان .
وهناك أحصائيات سكانية كاملة عن سكان بلاد النوبة القديمة و قبل السد العالي وهذه الأحصــــائيات لاتشمـــــل القري النوبية الموجودة داخـــل أســــوان أو مركز أدفــــو أو محافظة قنــــا . 
و أول أحصاء لبلاد النوبة القديمة التي كانت موجودة خلف السد العالي تم في عام 1897م وكان ذلك في مركز الدر الأقليم الخاص بقري النوبة في ذلك العهد حسب ما جاء في سجل الأحصاء العام في مصر.

عدد سكـــــان النوبـــة مركز الــــــــــدر عام 1897 م 
عدد الذكور 21519 
عدد الأناث 32527 
الاجمالي 55046 نسمة .

مع بناء السد العالي وتهجير النوبيين إلي مناطق النوبة الجديدة شمال أسوان وجعل مركز مدينة نصر النوبة عاصمـــــة بلاد النوبــــــة الجديدة قــــامت وزارة الشئون الأجتماعية بأحصائيات عملية التهجير وحصر كل سكان النوبة المقمين في بلاد النوبة القديمة فقط وجاء الأحصاء علي النحو التالي : 
بلغ عدد سكان النوبة مع بداية عملية التهجير عام 1963م 47084 نسمة .
و عدد الأســــــر ( 14682 أسرة ) .
بخلاف السكان الذين هاجروا للعمل أو الأقامة في قري ومدن أخري داخل القطر المصري والسوداني .

و أخـــــــر الأحصـــــــــائيــــات في مركـــــز نصــــــر النوبة عـــــــاصمـــــة النــــوبــــة 
عدد سكان مركز نصر النوبية ( 69764 ) نسمة . 
عدد الأراضي الزراعية ( 46672 فدان ) . 

وبرغم أن مصر و العالم قد إهتموا فعلا بالأثار و بالبيئة النوبية لكن و كما يذكر أهل النوبة فقد كان التهجير علي عجل و بسرعة كبيرة وذلك قبل يوم 15 مايو 1964م وهو موعد تحويل مجري النيل وكانت منطقة نصر النوبة صحراء جرداء بدون مباني كافية و كانت غير مجهزة للسكن في أغلبها ومازالت ذاكرة أهل النوبة تحمل الكثير من الحزن و الأسي حيث الأطفال الذين ماتوا أثناء التهجير و غرق البيوت وفقدان أثاثات المنازل و وفوق كل هذا مفارقة النيل الحبيب و البيوت الرحبة الواسعة التي كانت تصل إلي من ألف إلي ثلاث ألاف متر للمنزل يناسب طبيعة أهل النوبة من كرم و ضيافة و طريقة حياة إلي شقة صغير في الصحراء .

كي نكون علي قدر كبير من الحيادية فإن أهل النوبة ليسوا هم فقط من تعرضوا للتهميش و للغبن من الدولة بل إن كل محافظات مصر و كل القري المنتشرة في ربوعها عدا القاهرة العاصمة قد تعرضوا لنفس التهميش و الغبن ومازالوا  لكنهم أي سكان المحافظات الأخري يسكنون أرضهم ولم يهجروا و يملكون الذكريات و يعرفون قبور أجدادهم و أبائهم أما أهل النوبة فهم وحدهم من تم إبعادهم قصرا عن أرضهم و أرض أجدادهم و عانوا التشرد و الحرمان من أجل الوطن الأم و من أجل إخوانهم في الوطن .

إن أهل النوبة يعانون من مشاكل لا حصر لها تحتاج إلي حلول جادة و لهم مطالب علي الدولة أن تسعي لتلبيتها و لعل من أهم تلك المطالب :

1_ حق العودة إلي أرض الأجداد و هو الحلم الذي يعيشون عليه منذ عقود .
2_ الإهتمام بمنطقة نصر النوبة من بنية تحتية وخدمات و خفض أسعار الكهرباء فلا يعقل أن يحاسب من ساهم في بناء السد بأرضه بل تم إجباره علي الهجرة إلي أماكن بعيدة علي أنه من سكان المناطق النائية ورفع قيمة الفواتير 3_ يطالب أهل النوبية بتحويل النوبة القديمة إلي منطقة سياحية و تجارية عالمية لها متحف و ميناء و مراكز تجارية عالمية وهذا حق لا جدال فيه لمنطقة تحتوي علي أعظم متحف مفتوع في العالم كله ولا مثيل له !
4_ إعادة فتح ملفات التعويض لاهل النوبية .
5_ لإهتمام بالثقافة النوبية و بالتراث النوبي واللغة النوبية إعلاميا سواء كانت مرئية أو مسموعة أو مقروءة .

تلك هي أهم ما يتمناه و يطلبه أهل النوبة .

إن أهل النوبة يعانون من مشكلات لا حصر لها , تحتاج إلي حلول جادة , و أن لهم مطالب , علي الدولة أن تسعي لتلبيها , و نتذكرها معا :

1_ حق العودة إلي أرض الأجداد و هو الحلم الذي يعيشون عليه منذ عقود .
2_ الإهتمام بمنطقة نصر النوبة من بنية تحتية وخدمات و خفض أسعار الكهرباء فلا يعقل أن يحاسب من ساهم في بناء السد بأرضه بل تم إجباره علي الهجرة إلي أماكن بعيدة علي أنه من سكان المناطق النائية ورفع قيمة الفواتير 3_ يطالب أهل النوبية بتحويل النوبة القديمة إلي منطقة سياحية و تجارية عالمية لها متحف و ميناء و مراكز تجارية عالمية وهذا حق لا جدال فيه لمنطقة تحتوي علي أعظم متحف مفتوع في العالم كله ولا مثيل له !
4_ إعادة فتح ملفات التعويض لاهل النوبية .
5_ لإهتمام بالثقافة النوبية و بالتراث النوبي واللغة النوبية إعلاميا سواء كانت مرئية أو مسموعة أو مقروءة .

تلك هي أهم ما يطالب به أهل النوبة .

"أهل مكة أدري بشعابها"
ينطبق هذا القول علي أهل النوبة فهم أدري الناس بالنوبة و لهم حقوق تاريخية لا ترفضها الدولة ولا تنكرها بل يعلمها المصريون جميعا و لكن طبقا للمصلحة و المنفعة العامة لمصر عموما و للنوبيين خصوصا كان لابد من بناء خزان أسوان وتعليته أكثر من مرة  ثم أتبع ذلك ببناء السد العالي و كان يصاحب ذلك و في كل مرة القيام بعمليات تهجير تمت الأولي منها عام 1902 بمبادرة ذاتية من أهل النوبة أنفسهم و بترحيب منهم , ثم جاءت بعد ذلك ثلاث عمليات تهجير متتالية , جرت جميعها في عجلة و بدون خطط مدروسة .
بنتائج هي أكثر ضررا كان التهجير عام 1964 و إن كان الإعلام قد صور للمجتمع و للعالم في حينها غير ذلك , فقد كانت تشوبه بعض القسوة التي ما زالت الذاكرة النوبية تحتفظ بالكثير منها , أيضا لم يكن هناك إلتزام كامل و شفاف من الدولة بتجهيز مناطق أكثر جذبا و تميزا , ولم تهتم الدولة ببناء منازل يغلب عليها الطابع النوبي الأصيل والتي تناسب الثقافة النوبية و طبيعة الحياة في الجنوب , كذلك عمليات التعويض , شابها كثير من الضيم و اللغط و الإتهامات و مازال النوبيون يطالبون بها بحقهم في التعويض العادل حتي الأن ( من الأمور التي يتألم منها النوبيون و تشعرهم بالغبن أن الدولة قد عوضتهم عن كل نخلة بقيمة عشرة قروش في الوقت الذي كان سعر الكيلو جرام الواحد من التمر يباع بعشرة قروش ) !
يصعب عمليا علي النوبيين الأن الرجوع إلي موطنهم و مساكنهم التي عاشوا فيها مئات بل آلاف السنين و ذلك لوجود السد الذي حفظ مصر كلها في أواخر السبعينات و حتي أواخر الثمانينات من مجاعة أصابت دولا أفريقية كاملة و في مقدمتهم دولة المنبع أثيوبيا , حيث مات أكثر من مليون مواطن في تلك السنوات العجاف ومن عاش في تلك الفترة يتذكر المشاهد المؤسفة و المخزية التي تعرض لها الإنسان في أثيوبيا بلد النهر و موطن البحيرة ( بحيرة فيكتوريا ) .
و لكن ما نستطيع طرحه كحل مؤقت هو إنشاء مدينة عالمية في الجنوب يتم التجهيز و التحضير لها عالميا وتستعين الدولة بالكفاءات المصرية العالمية في مجال إنشاء و تخطيط المدن و التطوير العمراني و تستعين أيضا بأهل النوبة أنفسهم كي تتأكد أنها مطابقة لطبيعة النوبي و تتوافق مع هويته و ثقافتة .

النوبة تشكو الأن من البطالة المنتشرة بين أبنائها و أغلبهم يضطر إلي السفر و الرحيل إلي الخارج للبحث عن عمل كحال غالبية الشباب المصري في جميع محافظات الوطن و من المؤكد أن الشروع في بناء مدينة نوبية عالمية سوف يستوعب آلاف الشباب من أهل النوبة و من أهل الصعيد .

المشكل النوبي الأكثر إلحاحا هو الموروث الثقافي النوبي و اللغة النوبية , إن النوبيين يحاولون بشتي الطرق الممكنة حماية ثقافتهم و لغتهم وتراثهم من الإنقراض وهذا حقهم و يحزنهم كثيرا أن الدولة لا تدعمهم ولا تهتم بالحفاظ علي هذا التراث الثري و المميز .
كنت قد قمت بإستطلاع رأي صغير شارك فيه مجموعة من الأصدقاء علي صفحتي علي شبكة التواصل الإجتماعي  (الفيسبوك) و اشارت نتائجه وإن كانت بسيطة إلي أن الجميع لا يعارض وجود أكثر من لغة في الوطن الواحد شريطة أن ينظم القانون ذلك  و تحدد الدولة أبعاده بصورة تضمن لها وحدتها و تماسكها.

علي الدولة أولا حماية اللغة العربية و هي اللغة الرسمية الوحيدة للدولة من الإنحدار الذي تسير إليه و تعمل علي تطوير مناهج التعليم بالصورة التي تضمن الإرتقاء بها و ترغب الأجيال الجديدة في إتقانها و تحببه في إستعمالها .
كذلك فإن مصر دولة عظيمة لها تار يخ وحضارة فريدة صنعها الأجداد و بذلوا الجهد و العرق كي يسجلوا كل ما صنعوه من مجد علي أوراق البردي و علي الأحجار و جدران المعابد و بديهي أن يقرأ الإبناء رسالات الأباء و الأجداد ليتعرف علي وصاياهم و يتعلم من تجاربهم .

يحزنني جدا أننا لا نهتم بتعليم اللغة المصرية القديم – الهيروغليفية – في مدارسنا وكذلك اللغات القبطية و النوبية . تستطيع الدولة ممثلة في وزارة التربية و التعليم تعميم ذلك في جميع مدارس مصر كمادة نجاح و رسوب ضمن مادة التربية الوطنية و تتعاون مع وزارات الثقافة و الأثار و الشباب و الرياضة و كذلك هيئة السكك الحديدية لإقامة رحلات مدرسية إلي أرضنا في الجنوب و يقوم الطلاب بزيارة المعابد و المتاحف التي لامثيل لها في العالم و يطلع علي تاريخ وطنه و يستلهم  الخبرات و العبر و في الوقت نفسه يتم إختباره بقراءة نص من النصوص الفرعونية الموجودة علي جدران المعابد .

هكذا نبني أجيالا ترتبط بأوطانها , تعرف تاريخها و تزهو به , هكذا تبني الأمم بسواعد أبناء أحسنا نشأتهم و عمقنا جذورهم بالأرض فيعيش لرفعتها و يموت فداء لها .
كل عام والجميع بألف خير و أتمني أن يكون عام 2017 عام خير و رفعة لمصر و شعبها و لكل الوطن العربي من الخليج إلي المحيط .




Share To: