لا شيء يعنيني في هذه الغرفةِ التي ابتعدتُ عن نافذتِها نصف المفتوحة سوى أن أُنهي هذا التحقيق البغيض لأُغادرّ أوربا التي قَضَمتُ منها قَضمةً لَمْ أَستسغها، كان الأمرُ سيختلفُ حَتماً لو شاركتني لَمَى هذه القضمة، ربما ارتضينا مصيرنا كما ارتضاه آدم بَعدَ أَن قَضَمَتْ حواء بعضاً من التفاحة.. طردَهُما الربّ من فُردوسهِ لكنّهما مَعاً ارتضيا أَن يَخصِفا من ورقِ الشجرة ليخفيا عَورتاهما.. لَمْ يَكونا مُضطرين لذلك بالطبع، لكنّ القُصة فرَضَت علينا أَنْ نُصَدّقها.. ففكرةُ العورة في حَدّ ذاتِها مُرتبطةٌ بالعُرف وسطوة الآخرين، وبينَ آدم وحواء في قصتهما المعروفةِ لم يكن ثمةَ شَريك، كانا لوحدِهما على هذه الأرض، فلماذا إذَنْ يَضعان ورقةَ التوت؟، لَمْ أَجدْ هذه القصة مُقنعةً منذُ أن قرأتُها.. فهيَ مَليئةٌ بالتناقضات.. ما لَمْ يَكُن متناقضاً هُوَ أَنّ آدم وحواءَ أَحّبا حياتَهما وعاشاها كَما شاءا.. لقد عَشِقا بعضَهما البعض فكانت النتيجةَ سَبعةَ مليارات إنسان هم الحصيلةُ الواقعية لهذا العشق.. لَقَدْ أَدركَا تَماماً معنى الرَوعةَ التي لم يُقَدّمها لهما فُردوس الرّب، بَل هُيامهما على أَرضٍ شاسعةٍ لا تَحدّها حُدود، ركَضا معاً، وغاصا في بُحارٍ غامضةٍ مَعاً، أَدركا مَعنى اللذةَ بحدّها الأقصى، سواء كانتْ نابعَةً من جَسدَيهما أَو من خلال تَعاطيهما مع أَيّ شيء يحيطهما، لنُدرك فَقط أن الرَوعة في أَنّ لا شيء مَسّتهُ يدٌ قبل أن تَمسها أيديهما، آدم وحواء افتضا بكارة الأشياء، كانا أَولّ من تَذَوق فواكِهَ صارت الآن مُبتذلةً.. وأولّ من سارَ على أرضٍ خالية غَدَتْ أَماكنها اليومَ مُدُنا مُكتظة بأبناءِ آدم وحواء.. هل وَطَئت أقدامَهما يوماً هذه الأرض، التي صارت تسمى الآن بلجيكا؟.. هل يعرفان ان ابنين من أبنائِهما اقترفا خطيئةً انتهاكِ شُروط العشقِ التي كان آدم وحواء أولَ من وَضَعها، هل أَكونُ وَقِحاً إن فَكرتُ، إنْ كانَ ثَمة آدمٌ آخرٌ، فَهَلْ سَتسعى حواءٌ إلى خيانة آدمِها؟.. . هلْ ستعمَدُ إلى هَجرهِ دونما سبب واضح؟





Share To: