في طفولتي لم  أملك هاتفا ولا حاسوبا ذكيا، كنت أقضي أيامي في الرعي رفقة أخوالي، وأعمل معهم في الأرض، حاجتي لهذه الأدوات لم تكن من  ضمن أولوياتي، أبدا ، والحق يقال ، عشت البساطة دونهما، تسكعت في دروب المدينة ولعبت حتى ضاقتني شوارعها الطوال، أول مرة ملكت هاتفا كنت أدرس في السلك الإعدادي، منحني أياه رجل يقطن بالديار الأوربية، انذاك هالني المنظر، أخيرا هذا الطفل يملك هاتفا، وبمقدوره الان، ان ينصت إلى الموسيقى ويتفرج على الأفلام وينسى كل تلك السنوات التي عاشها في الاغتراب حول الأشياء التي ما كانت تحيطه، لكن الواقع جعله يبدو كحيوان بري يصطاد ليأكل وينجو من حرب النفوق، هذا الواقع تركه بلا معرفة بلا هاتف بلا حاسوب، بلا تلفاز، بلا ملابس، وحده، كان عاريا من الذاكرة... حتى قدر له ذلك اليوم أن يستقل، وأن ينافس من أجل ضمان حذاء و ملابس جديدة، ونفسية مغايرة يستطيع من خلالها مسايرة هذه الحياة المريرة .. 


ذات ليلة، ترجيت أبي، طلبت منه أن يشتري لي مظلة  كما يملكها أقراني في المدرسة عساها تحميني البلل والبرد القارس، غير أن طلبي قبل بالرفض، ربما لأني طفل لم أعش يوما الرفاه في حياتي، فإنني أكره هذه البساطة المكفهرة، الناس البسطاء هم  مجرد ألعوبة للألم والقسوة معا، أتذكر تلك الليلة  بالذات ولا تكاد تفارق مخيلتي الهشة حينما صنعت مظلة من القماش بنفسي وخطتها حتى يتسنى لي في الصباح حماية جسدي من البلل.. لأن ما من وسيلة كانت كافية لأصل بها إلى المؤسسة دافئا، في الصباح الباكر؛ وكما العادة، وبيننا أنا على الطريق طارت مظلتي القماشية في الريح وتمزقت بالكامل، وكما تبللت وقتها وكم لعنت تلكم المدرسة والوجود والأشياء من حولي.. 
رميت محفظتي في العراء السحيق، تم مسحت دمعي المنهمر، واقتنيت بدرهمين كنت أنوي الإفطار بهما سجارة مالبرو شهية، دخنتها قرب مجزرة رائبة علها تدفيني، تكيفتها بنشوة، مند ذاك الحادث لم أعد أرحل صوب المدرسة إلا جبرا، ولم أتخيل كيف عدت إليها لأتعلم حروف الأبجدية، ربما تلك الظروف القاسية، مهدت لي كي أكتب لا أقل ولا أكثر .. ربما ليس من الإنصاف أيضا أن تندثر هذه  الذكريات والكتابات.. .؟ ؟







Share To: