للعلامة الدكتور "شاكر عبد الحميد" كتاب فازت بحق نشره دار العين للنشر، هو "الدخان واللهب" عن الإبداع والاضطراب النفسي.
يتحدث الدكتور شاكر عن الإبداع وعباقرة الأدب والموسيقى والفن التشكيلي، ويتناول الشغف والهوس والاكتئاب من منظور علمي، وتاريخي من خلال قراءات متعمقة للميثولوجيا اليونانية والرومانية، ومن خلال أقوال حكماء وفلاسفة الإغريق، فتحار في أمر هذا المُؤَلَف الضخم الذي يشكل مع جملة ما ألفه الدكتور شاكر وقدمه لنا مثلًا لا حصر (سيكولوجية الإبداع في القصة القصيرة، الطفولة والإبداع، السهم والشهاب، الأدب والجنون، الفن والغرابة، الغرابة.. المفهوم وتجلياته في الأدب، الحلم والكيمياء والكتابة) موسوعة علمية قيمة تضم دراسات نفسية وأدبية لا نظير لها في تناول المعاناة والهوس والإكتئاب والحزن الأبدي والجنون والفصام، وعلاقة كل هذه الأمراض النفسية بالإبداع والمبدعين.  استخدم الدكتور شاكر عبد الحميد لغة عربية رصينة، لا هي لغة علمية جافة تبعد مَن هو في الأساس نافرٌ من العلم والأبحاث والدراسات الأكاديمية، ولا هي لغة أدبية صرف تدخل القارئ في دهاليز المحسنات والبلاغة المترهلة والتقعر. اللغة في هذا المُؤَلَف راقية منمقة وكأن أستاذنا الجليل يعطي القارئ جرعة علمية وطبية وفنية وأدبية لا حد للإبهار أو المعلومات فيها بالشوكة والسكين!
المعلومات في هذا المُؤَلَف نهر هادر في مرحلة الشباب والعنفوان، ومع هذا تستمتع بالسباحة فيه، ثم تقرر من تلقاء نفسك أنه لا يجب أن تسبح مرة واحدة، بل تأخذك اللذة وتجبرك على معاودة الكرة وخوض النهر من جديد لتستزيد من هذه المتعة النادرة من الشاطئ إلى الشاطئ.
في هذا الكتاب المذهل عدد لا حصر له من المبدعين العباقرة الذين أنهوا حياتهم بأيديهم وهم في العشرين أو الثلاثين أو على مشارف الخمسين!
وفي الكتاب دراسات وشهادات تجيب عن سؤال أزلي:
هل هناك علاقة بين الإبداع والمخدرات؟ هل الكحوليات تحرر طاقات الإبداع وتستنزل الإلهام وتستجلب السعادة؟ في فصل كامل بعنوان مياه ونيران ورماد".
هذا المؤلف العظيم وجبة دسمة تغترف فيها من كل ما يطيب لك سواء أكان هذا في الطب النفسي أو في مجال الدراسات والأبحاث العلمية الأكاديمية أو إحصاءات لجمعيات عالمية في مجال الطب النفسي، وكذلك من أدب السيرة الذاتية لعباقرة العالم من المبدعين الذين وقعوا في براثن أمراض نفسية واضطرابات عقلية اختلفت باختلاف الأسباب والظروف المحيطة بهم وكذلك باختلاف الزمان والمكان وعوامل الوراثة ومقومات الشخصية. فرجل مثل تشيرشل عانى من الاكتئاب منذ صغره وشبهه بالكلب الأسود ورغم ذلك قاوم وصارع هذا الكلب المصاب بالسعار وقاد دولته نحو النصر وخرج بها منتصرة.
الكتاب من القطع الكبير، فصوله الست شملت ٣٦٠ صفحة مع ذكر المراجع القيمة والمتعددة التي شغلت أحد عشرة صفحة من صفحات الكتاب والتي استعان بها أستاذنا الجليل.
الغلاف من تصميم فنان واعد ومتمكن هو الأستاذ عبدالرحمن الصواف.
يقول الدكتور شاكر:
"مع حضور الشغف أو غيابه نتحول إلى بشر من دخان أو إلى بشر من لهب. كذلك شعوب من دخان وشعوب من لهب، وليس هناك ما هو أفدح من قمع ذلك الشغف، أيًّا كان لدى الإنسان، أو قمعه لدى الشعوب، وجعلها تتخبط في وهدات الكآبة والحزن وغياب الأمل والخداع وفقدان البهجة وانكسار الروح".
أدعو كل مبدع يجد متعته في الكتابة أو الرسم أو العزف أن يقرأ هذا المؤلف العظيم قبل أن يغوص في بحر الأبداع.
وشكرا للعلامة الجليل الدكتور شاكر عبد الحميد أستاذ علم نفس الإبداع في أكاديمية الفنون، ووزير الثقافة الأسبق على هذا العمل الجاد والعظيم، الذي أراه بمثابة دبلومة في موضوعه قائمة بذاتها  يحصل عليها كل مَن قرأ كتابك القيم هذا.




Share To: