رفع فنجان القهوة لفمه ثم سرح بعيدا إلى أيام الطفولة،يتذكر الجري واللعب في الحقول دون تعب ولا ملل طفل كله قوة لا يعرف إلا اللحظة الحاضرة،كان يسكن في قرية صغيرة من القرى الجزائرية،قرية مختبئة بين صخور عملاقة وجبال تحيط بها، وإذا قصدتها فأنت مجبر على الصعود في منعرجات ملتوية كأنها ثعبان،احيانا تجد الشجيرات الصغيرة والنبات الشوكي يحيط بتلك الممرات الضيقة،هو لايعرف لماذا اختار أجداده ذلك المكان كأنهم هربوا واختفوا هناك، ومع ذلك فقريته جميلة وهو يحبها ولا يتخلى عنها،ناسها طيبون ترى الابتسامة تعلو ثغورهم رغم فقرهم وخلو جيوبهم لكنهم سعداء، أيعقل تجتمع السعادة مع الفقر، ربما القناعة والرضا بما أعطاهم الله، فإذا سألت أحدهم عن الغد يقول لك الذي خلق لايضيع أبدا ورزق الغد يكون في الغد بمشيئة الله،ناس متضامنون متحابون ،يتبادلون الأطعمة على الأقل يقول لك : ذق طبخي أو يدعوك لتناول فنجان قهوة معه ،،،،يتذكر جيدا ذلك اليوم العظيم ،فرحت به أسرته وأصبح الأب يناديه بالشيخ ،لقد ختم وأتم حفظ ربع القرآن ياسين فاحتفلت به كل القرية ورغم فقر الأسرة قام الأب بذبح خروف ،الخروف الوحيد ابتهاجا بفوز ابنه وحفظه للقرآن،لا وجود لعلم أحسن من كلام الله هكذا كان يردد أبوه،وصار الطفل يمشي وأنفه ألى السماء مباهيا ومبتهجا، ولم لا! وربع ياسين في قلبه وذاكرته ،كان الناس يباركون، ماشاء الله يا ولدي ربنا يبارك،واقيمت بالمناسبة حفلة أكل الناس فيها الكسكس ولحم الخروف،ووعده أبوه بهدايا ريثما يتسوق ويتوجه لسوق المدينة،وحان ذلك اليوم وهاهو الاب يعود في المساء ،فيجري الطفل نحوه: ماذا اشتريت لي؟ قل لي؟ عندما ندخل الدار سأعطيك هديتك، ولم الآن! وبمجرد الوصول للدار بادر الطفل في فتح العلب والأكياس ووجد هديته ساعة يد كان يراها عند الكبار فقط والميسورين ،فتح العلبة،تك،تك ،تك ما هذا الذي يجري إنه العقرب الصغير سبحان الله يتحرك وحده لا شك أنه شيطان،أما العقرب الكبير فلم يره يتحرك لعله مريض مثل خالتي زينب فهي لا تتحرك راقدة في الفراش،اعجب بالساعة وفي كل لحظة،ينظر أليها مبتهجا تعلو ضحكته ويسمع من بعيد،أماالمفاجأة الثانية فهي الحذاء الأسود،وأخيرا سترتاح رجلاه من الحصى والشوك،وتسرب الماء لقد كان حافي القدمين،والآن سيضرب فوق الشوك والحصى وينتقم ،نعم وينتقم من كثرة الجروح،حذاؤه يلمع ويبرق من بعيد وهو من الجلد الخالص ومن آخر صيحة مثلما نقول الآن،قس الحذاء المفروض أنه قيس رجلك لقد قست ذلك بالخيط ،ويرد الطفل لا ليس الآن ويحتضن الحذاء ويضمه لصدره وهو خائف عليه، ولم يتركه حتى في الليل عندما بدأ النعاس يداعب جفنيه خبأه تحت الوسادة ونام تلك الليلة بعد يوم حافل بالحركه والعاطفة الجياشة،وخرج صباحا وهو يضرب الأرض بحذائه لاشيئ يؤذيه بعد اليوم، يمشي كالعسكري واحد اثنين ، واحد اثنين،اخرج أيها الشوك حذائي يناديك! جتمع حوله رفاقه يتساءلون: كم ثمن الحذاء؟ إنه رائع! ليتني أملكه! أنا كذلك سأحفظ ربع ياسين ويشتري لي ابي حذاء! كل هذه الأسئلة وهو لا ينظر إلا لحذائه ونفسه تزداد تيها وابتهاجا وقلبه يرقص بين ضلوعه والآن هو يملك الدنيا ،ويفيق ويعود يمسك فنجان القهوه،وهو يبتسم أيه يازمان ذلك الطفل هو انا سبحان الله العظيم.        


Share To: