مفتاح بيتنا في اللاذقية هو هويتي التي أتفقدها يومياً كلما خرجت من المنزل هنا في بلد الجليد الأنيق..
اليوم بعد ست سنوات من انفصام الهوية أقوم بانتزاع مفتاح بيتنا من ميدالية المفاتيح وأضعه في جيب حقيبتي الداخلي هذا الجيب الذي كنت أبقي فيه لاصق الجروح الطبي فقط.. اليوم ليس فيه إلا مفتاح بيتنا!
هذا المفتاح الصلب ذو الأسنان المختلفة لقفل مختلف لايشبه أقفال الحي أو المحافظة كلها.. ليس مفتاح عامودي إنما مفتاح أفقي.. وتحس أنك حين تفتح به الباب بأنك تميزه وحده مع قفله مع بابه مع سكانه مع سجاد البيت مع الكنبايات اللف في الصالون البسيط مع الطاولة الخشبية ذات اللوح الزجاجي والفراغات المتروكة للغبار..
هذا ليس مجرد مفتاح لقفل باب هذا صوت!
صوت لكل المساءات التي كنت أعود فيها متأخره إلى المنزل لأرى الصباح لازال مستمراً داخله..
هذا ليس مجرد مفتاح!
هذا جلد كل من لمسه وجيب كل من احتفظ به وأصابع كل أصدقائي المجانين ورائحة الكرواسان الساخن من مفرق سبيرو ولون طاولات المقاهي وكل ثقل الصدأ الذي بداخلي!
هذا ليس مجرد مفتاح!
به كنت أعلن استعجالي في الخروج لأيام متواصلة لملاقاة أصدقائي في بحر ما في مقهى ما في نكد نسائي ما.. به كنت أدخل بكل الرطوبة التي تمسح جبين اللاذقية وسكانها وأنفض رمل وادي قنديل على بابه..
هذا ليس مجرد مفتاح!
إنه الحمل الزائد الذي أدفع مقابله أجراً مضاعفاً من عيوني في المطار
و أستبدله في كل مرة مقابل كل حقائبي ولباسي الشتوي كي يقيني كل برد عاطفي محتمل..
إنه رقم الإسعاف الذي أدق عليه في كل نوبة هلع
وجارور صور أمي الواقفة صيفاً في مطبخنا تعد المجدرة بناء على طلبي..
إنه كل مكالمات السكايب التي يرفضها انقطاع الانترنت في سورية وكل المكالمات الدولية التي لا أستطيع تحمل تكلفتها..
إنه كل الخراب الواصل من طرف اللاذقية المتسلخة جوعاً حتى طرف مطار يوتيبوري المتأنقة ببرود!
إنه الشاش الواقف في فم ثقبي القلبي ليمنع نشفاني!
هذا ليس مجرد مفتاح!
إنه النسخة الوحيدة المتبقية من اللاذقية في جيب قلبي المثقوب!
....



Post A Comment: