.            سالم الحمداني ناقد و شاعر من العراق

----------------------------------------
  زحزحة 

رنينُكِ أسْمَعَهُ يَهَزُّ جسدي ،
 أُقَلُّبَهُ كالمجنونِ ،
وروحُكِ فراشةٌ عطشى،
تبحثُ عن الصدى، 
 أرى رِضابَ حروفكِ  يَسيلُ ويلْمَعُ زحْزَحَةً على ضفتي، 
 وموجُكِ يتدافعُ فيعْلوهُ الزَّبَدُ الهاربُ بين الرمل ِ قالت : أنت َالعرّاف والعازف ُ ،
أراكَ تصْهَلُ وتدكّ الأرضَ بقدميكَ ،
وتَصيح ُ على الشطآنِ ،
 ومرايا عينيكَ تتكسَّرُ على أحجارِ الياقوت ِ ، 
أنتَ ضياؤهُ على جسدي  ،
 فأراكِ تكوّرينَ الموجَ ماسةً تتساقطُ بين كفيكِ  ،
 والرَّهْبَةُ تمسكُني حولكِ صمتاً يغيب. 
-----------------------------------------
القراءة
--------
الانسنة في الشعر فن ام اضطرار  ؟ ..
--------------------------------------------
نحن بصدد نص وجداني شعوري يلامس الشغاف ويسحر العقول ، عميق البوح ثري الدلالة ،  لذا كان لزاما علينا ان نساير جنباته المتشظية في سحرها وعنفوانها ، ونسلط الضوء على ظاهرة جمالية تميز بها النص ، وهذه الظاهرة كثيرا ما  اغرت بفتونها وتمثلاتها الرصينة الادباء بمختلف ضروب اجناس ما يبدعون ( شعرا - نثرا - قصة - رواية  )
هي بلا شك عملية صيروراتية  ومحاولة ذكية لتأسيس خلق جديد ، يحمل جينات وكروموسومات كائن اخر ليس من جنسه ،  او لربما هي عملية استدعاء صفات خلقية ونفسية لشخص ما بعيد المنال تعذر حضوره في الواقع الطبيعي ، لاسباب زمكانية او خارجة عن الارادة  يمنعه من التجلي لحظة الشعور ،  واسباغها على كائن اخر لاستكمال الصورة في المخيال الشعوري
للاديب وهو ما نسميه اصطلاحا بالانسنة
وقد لمسنا ذلك من اللحظة الاولى لانطلاقة النص من خلال العنوان ..
فعنوان القصيدة  .. ( زحزحة)
زحزحة: (اسم)
زحزحة : مصدر زَحزَحَ
زَحزَحَ: (فعل)
زحزحَ يزحزح ، زحزحةً ، فهو مُزحزِح ، والمفعول مُزحزَح
زَحْزَحَهُ عن مكانه: نحّاه وباعده
فكان على الشاعر وهو يؤسس لمشروعه النصي واستكمالا لفكرة الانسنة ان يمضي في تنحية بعض الصفات الطبيعية من الكائن الماثل امامه ويلبسه لباس ما اراد ان يتخيله لتتكامل الصورة في مخياله .  
فكان لزاما ان يزيل صفة الهيجان عن البحر مثلا ليلبسه السكينة  ورقة وعذوبة المحبوبة .
وهذا ما سعى له شاعرنا المتمكن الاستاذ امين جياد  ومنذ اللحظة الاولى/  لحظة الشروع ( العتبة العنوانية )  الى خلق صورة مصغرة لمبتغاه وما يصبو له ليزيل عنا عناء  فك شيفرة مدلولات النص ومركباته الشعرية وصوره الباذخة ،  ومما لا شك فيه ان العتبة العنوانية في اي نص هي اللحظة التنويرية والصورة  المكثفة  لمراده  وفيوضاته وتجلياته ..  وكما ببن ذلك علم العنونة  .
                 --------------------
رنينُكِ أسْمَعَهُ يَهَزُّ جسدي ،
 أُقَلُّبَهُ كالمجنونِ ،
وروحُكِ فراشةٌ عطشى،
تبحثُ عن الصدى، 
 أرى رِضابَ حروفكِ  يَسيلُ ويلْمَعُ زحْزَحَةً على ضفتي،

 
تفنن مبدعنا وهو يحاور محبوبته المتمثلة بموج البحر ، وهو يراها تتموج بهدوء ملائكي تارة ،  وبصخب يحبس الانفاس تارة اخرى ، منسابة على بعضهها بسورات لامعة تصاحب عزفا منفردا من فعل تلاطمها الشفيف ،
        ----------------------
وموجُكِ يتدافعُ فيعْلوهُ الزَّبَدُ الهاربُ بين الرمل ِ قالت : أنت َالعرّاف والعازف ُ ،
أراكَ تصْهَلُ وتدكّ الأرضَ بقدميكَ ،
وتَصيح ُ على الشطآنِ ،
 ومرايا عينيكَ تتكسَّرُ على أحجارِ الياقوت ِ ، 
أنتَ ضياؤهُ على جسدي  ،
 فأراكِ تكوّرينَ الموجَ ماسةً تتساقطُ بين كفيكِ  ،
 والرَّهْبَةُ تمسكُني حولكِ صمتا يغيب. 
     ------------------
هنا افصح الشاعر عن محاولته الناجحة بامتياز الى ما ذهبنا في تبيانه ، وتفنن بارعا في نسجه بهذه الصور الشعرية المائزة وروعة الانزياح ليخاطب محبوبته عن قرب ويفضي لها بما جاد احساسه ،  ومضطرا اضطرار الشمس وهي تعانق وجه الصباح لتشدو عن وجه باسم جديد . 
كل الحب لشاعرنا السامق  الاستاذ امين جياد . 
               
                    الشاعر الاستاذ امين جياد . 





Share To: