ديمومة
لن أنجر الى اليأس أو الحزن في رسائلي إليك، رغم الكثير من الأشواك التي تريد قتل الأشواق التي تعتمر كلّ حينٍ في حجّها على قلبي.. لن أترك الخيبة توسوس في أذان المحبّة لتقتل فيها روح الانتماء الى الجمال .. فكلّ ما فيك مرايا وأنت تنثرين شعرك الكستنائي على لوحات الحلم مثل امرأةٍ ممشوقة الخيال، تغازلين ما ترتجف منه الزوايا، وتغزلين من حروفها سجّادة لصلاة الشعر.
 تعالي يا قند فأنت نبيةٌ مرهونةٌ لصلواتي الستين، كي أتمّم فيها مآل الوجود وأترك ما تيّسر لي من بعض الفرح كي يراقص بهجتي كلما أردت السباحة في بحر عينيك، وأنت توزّعين خلخال كلماتك على أغنيةٍ لا تكتفي بالطرب، بل تسحب روحي الى مديات اللعب الكبرى، لهذا الوجود الذي خرّبه المنتفعون.
لا يهم يا قند.. ثمة حزنٌ حين نتلوه ينبثق الجمال، فلا نشعر بأشواكٍ مزروعة في الطريق، لأننا لم نعد حفاةً في العشق، فقد بلّلنا المطر وغادرنا الخوف من فيضانات تهطل علينا من سماواتٍ قريبةٍ لنا، صنعها المتجبّرون في المكوث .. لذا لم نعد فقراء كي نبحث عن جنّة الحياة الموهومة، فلا فقر مع الحب، بل هو الغنى الذي يلوّن اللوحات الحزينة بكثير من ألوان الفرح.
تعالي يا قند أحدثك عن غصّة العمر كي أرميها خارج بلعوم اللغة.. غصّة التهافت على الموت.. لم يعد الموت واحدًا، فقد تشابهت علينا الأحزان وصرنا نموت كثيرا هذه الأيام.. موتٌ برصاصة قنّاص، أو تهمةٌ تطيح بميزان الصدق، أو موتٌ على يد من لا يريدنا أن ننجح، أو اختناقٌ لأن هناك من يحرم الحلم كي يبقى مسلطًا على الرقاب والأفكار.. لا فرق في الحكم يا قند.. سبحان الله.. فكلّ يريد لنا الموت.
 حتى الحلم صار متّهما بالتأويل وحتى العشق صار في قبضة التنابز بين الذين يشعرون بالضيق كلّما كان واحدنا فرح، فيسعون لتمزيق الحرير بشفرات حلاقة قديمة.. وحتى الموت ذاته صار يوزّع قرابينه على منعطفات الطرق حتى لا يسلم من يقطع السبل من سهمٍ غادرٍ التصق عليه لسانٌ باشطٌ أفتن علينا بسرّ انتمائنا للعشق المحرّم .. ولا ندري متى ندخل المنعطف الخطأ ونموت.
ولكن ولا يهمّك يا قند.. وحدك سليلة الأغاني وسليلة السفر وسليلة البوح المعتّق، منذ أن كانت القيثارة السومرية بيد شبعاد وهي تعزف لحن الحياة، فلم يتركها الشيطان تستمر بالغناء، فبعث لها الآلهة كي تقطع الأوتار، بعد أن عجزت عن لمس أصابعها.. لذا فحين لا يستطيعون لمس طرفٍ ثوبك، قالوا ها نحن نوزّع الموت على وجع الحنين ، ونستل من الصحف الأولى قصبًا أصفر.. وقالوا تركنا لكم إبداع صنع نايات للحزن، ولن يكون لكم قطيع أغنامٍ لترحلوا بالفلاة.
تعالي يا قند.. فكل حرف إليك يعني إن الحياة تستمر.. وأن الموتى من أهلنا سابقون وسيكون اللاحقون وحدهم من ضيّعوا خارطة الطريق الى العشق.. فثمة منعطفات أنشأناها لنا .. لنا وحدنا.. وحين نقبّل بعضنا بالشعر، لا نغمض أعيننا أبدا، كي نلتقط ما يتساقط من الشفتين من قندٍ ممشوقٍ باللذة.






Share To: