الروائية وسن صالح تقدم :
شخصيات من منظور طفلة في رواية (بيت بيوت) "1-2"
بغداد – حمدي العطار
ان يسند الروائي مهمة السرد (لطفل) فهي مغامرة وتحتاج الى قدرة فائقة في تحويل الافكار والمشاعر والاحاسيس من الكبار الى الاطفال، وقدم الادب العالمي عالم الكبار من وجهة نظر الاطفال في روايات مثل (هاري بوتر) للروائية البريطانية ( ج.ك رولينج) ، ورواية (جزيرة الكنز) للروائي الاسكتلندي "روبرت لويس" ، ورواية (الامير الصغير) للروائي الفرنسي "أنطوان دو سانت" ، ورواية (هايدي) للروائية السويسرية " يوهانا شبيري" ، عراقيا نستذكر رواية (ولادة بلا رحم) للروائية "زهراء حسن".
الرواية التي بين ايدينا هي رواية (بيت بيوت) للروائية (وسن صالح) اسندت مهمة السرد للطفلة (شمس) ونحن نرصد قسما كبيرا- للروائيات النساء- من الجزء الثاني بشأن تحليل الشخصيات في الروايات العراقية، ونحاول ان لا نجعل هناك فرقا بين ادب الرجال وادب النساء ففي النهاية هو كله (ابداع) ومعايير التقييم للقياس واحدة، ولكن اسلوب الروائية (وسن صالح) المتشبع بالحساسية والحزن الانثوي مع قراءة الاهداء (إلى الشهداء \ إلى أمي وأمك \ إلى الحبيبات| إلى الأيتام \ لا تحزنوا ارجوكم، لأن الفراغات التي يتركها الطيبون لا تمتلئ إلا بالورد يوما بعد آخر..) يجعل الرواية التي تعد من روايات (نوفيلا) الروايات القصيرة (111) صفحة ومن وجهة نظر الغرب يطلق عليها (قصة طويلة) والبعض يعدها (سندويج) – سفري- وليس وجبة غذائية كاملة.
*شخصيات كثيرة جدا
تريد الروائية ان تقدم كل الشخصيات التي تعرفت عليها واقعيا في الحياة بهذه الرواية وانا رصدت اكثر من (50) شخصية !، وأختارت الروائية الايقاع السريع في السرد ويعد صوت (الجد) هو المحرض والموجه للطفلة شمس ان تكتب كل ما تراه وتحس به افضل مما تتحدث، لأن في الحديث خطورة، لذلك جاء عنوان المقطع الاول (أيام الصمت) الطفة شمس تريد ان تناقض يقول المثل الشعبي (للحيطان اذان) "الجدران تنصت وتعرف جميع الحكايات، لكنها لا تخون ولا تسرق الأسرار، ولا تشي بأهلها كما يظنون أو يتهمونها"ص11، كان لحكايات جدها تأثيرا مهما ولكنه لا يستمر الى الابد (فأحاديث جدي أصبحت متشابهة ومعادة، إنها تصغر كلما كبرت لم تعد تقنعني سوى الحقيقة) الوعي يتشكل ويتطور معه السرد من اللعب مع الاطفال في سطح البيت والشجار الى معرفة ماذا يعني فقدان الاب والام والاخ بسبب الحرب، ومن بين ثنايا السرد وبذكاء تقوم الروائية بطرح رؤيتها على لسان البطلة (شمس ) عن تهديدات أمريكا للعراق بالحرب،، وتطرح صعوبة ان يكون السرد اكثر نضوجا وعمقا لأننا كما قلنا السارد طفلة "أشعر بكل شيء، لكني لا أعرف كيف أشرحه، ولا كيف أكتبه، لكني أعرف الكثير من الأسرار".
*نقص في الوصف
الشخصيات من اهم تكويناتها هي الملامح الجسدية ويحتاج القارئ الى معرفة هذه الصفات المادية للشخصية، وكانت الرواية بسبب كثرة الشخصيات قد اهملت الوصف ماعدا في عبرات قصيرة (سعاد فتاة سمراء بملامح جميلة وقوام رشيق، ذات طبع هادئ جدا) كما عرفنا ان (خالتها ياسمين جميلة)- هل الجميلات يكذبن ايضا؟، اما شمس فلم تقدم نفسها الا بهذه العبارة (نسيت أن أعرف عن نفسي، أنا شمس ولدت مع نهاية الحرب العراقية الإيرانية 1988 ،(كنت قد ذكرت خالتي ياسمين الجميلة التي ورثت منها لون عينيها فقط، فهي جميلة جدا) ( يقول جدي إن لي عينين من العسل)
عبارات رشيقة
لا يخلو السرد من العبارات المتداخلة بالسرد والتي تمثل انتقالات ذكية تنقل القارئ من حالة الى اخرى مغايرة (ها أنا أعود تلك الفتاة المشاغبة التي تشارك الجيران ثرثرتها) ، (هل الجميلات يكذبن أيضا؟)، (لأن الكتابة هي الوسيلة الوحيدة التي تحمينا من النسيان)،(أكتب كي أطوي الزمن وأختصر المسافة مع من أحبهم، كي أحتفظ بالتفاصيل التي أخشى أن تتلاشى)، (الحب الذي يمنح صفة البياض لكل شخص يحب الخير)، (الكتابة هي الوسيلة الوحيدة من أجل أن يتسرب الضوء لعالملك)، ( حتى الأقوياء في أوقات معينة يحتاجون إلى الحب) ،وجمل وعبارات أخرى قد تصلح كمنشورات منفصلة في مجال التواصل الاجتماعي، هي جاءت في سياق السرد، وما يشفع لها بأن تلك العبارات لم تكن بشكل (دخيل او اقتحام) على النص!
*الجوانب السياسية
قد تكون احاديث السياسة كبيرة على عمر طفلة صغيرة، لكن ما جاء في السرد كان على شكل تساؤلات واستغراب، او تأتي على لسان الكبار في الرواية، كما في المقاطع التالية (قالت لي جدتي إنهم قد استشهدوا في أثناء القصف الأمريكي على بغداد ومعهم أخي حارث الذي يصغرني بسنة، عندها لم نمت أنا وعادل فقط أصبنا بجراح)، (جدك لم يخبرك الحقيقة كلها، لأنه في العام 1991 قيل إنها فقدت ولديها وزوجها، فقد أخذتهما الحكومة، ثم أنقطعت أخبارهم، بعضهم يقول إنهم أعدموا، وبعضهم يقول إنهم ما زالوا في سجون سرية)، (تتناقل الأخبار عن الحرب، سمعت أحدا يقول إن جدرانها لن تقاوم هذه المرة دوي انفجار الصواريخ وأصوات المدافع)، (عمي دانيال ينتظر الحرب ليرى بيته، محلته، وأصدقائه، أم أنه نسي الوطن الذي تنكره)،، (هناك من يخاف الحرب، لأنه سيفقد نفوذه وسلطته وتفتضح جرائمه)، (أيعقل هذا، أنتظر الحرب لتخلصنا؟)
في الجزء الثاني من الدراسة سوف نتناول بالتحليل شخصية البطلة شمس وهي تكبر ويتطور عندها السرد، لأن زمن الرواية يبدأ من عام 1988 ويمتد الى ما بعد 2017
يتبع
*من كتابي ملامح الشخصيات في الروايات العراقية



Share To: