في عام 1987 عدّل ستيف موس، رئيس تحرير مجلة ”نيو تايمز” شروط كتابة قصص (درابل)، واعلن عن مسابقة أدبية جديدة لكتابة قصة قصيرة جداً، لا يتجاوز طولها 55 كلمة. وكانت شروط المسابقة عديدة وصارمة، ولكن يمكن ايجازها في ما يلي: ”ينبغي كتابة قصة قصيرة جدا تتوافر فيها العناصر الأساسية للقصة القصيرة، وذات حبكة واضحة، وبطل واحد او اكثر، ونهاية غير متوقعة“. وقد استلمت المجلة عددا هائلا من القصص القصيرة جداّ، وفازت في المسابقة قصة الكاتب الأميركيجون دانييل .التي تحمل عنوان “الغيتار”
“عندما كنت طفلاً ، كانت زوجة أخي الأكبر تشتكي لي دائما بأن زوجها لا يعيرها أي أهتمام حين، يعزف على الغيتار. وكانت تقول، أنني متأكدة أنه يحب غيتاره أكثر مني. وبعد بضع سنوات انفصلا عن بعضهما. أعتقد بأن هذا كان الحل الأفضل لحالتهما”.
ان اهم شرط لنجاح مثل هذه القصص ، سواء كانت مؤلفة من (100) أو (55) كلمة، هو أن ان ينسى الكاتب تماماً ما يحدث في الواقع، ويطلق العنان لخياله، وان تكون القصة ممتعة، يقرأها المتلقي بشغف في أقل من دقيقة.
مثل هذه القصص قد تكون خيالية، أو بوليسية، أو عبثية، أو مرعبة، أو مؤثرة. أي ببساطة قصة غير عادية.
وقد اختار موس افضل القصص المشتركة في المسابقة وأصدر انطولوجيا تحت عنوان ”اقصر القصص في العالم“. وكتب للأنطولوجيا مقدمة ضافية حدد فيها أهم عناصر وخصائص هذا النوع من القصص..
لم يتوقع موس أبداً أن تدخل القصة القصيرة جداً المؤلفة من (55) كلمة فقط إلى المناهج الدراسية، واستلم عدد كبيراً من الرسائل من الأساتذة والطلبة يشيدون بجهوده المبذولة في هذا المجال ويشكرونه، لأن تجربة كتابة قصص من هذا النوع تعلّم الطلبة التعبير عن الأفكار بوضوح ودقة، وتدربهم على إعادة النظر في النص مراراً وتكراراً، وعلى اكتساب المهارة في استخدام تقنيات الكتابة.
هذا اللون الإبداعي مفيد أيضاً لكتّاب القصة القصيرة والرواية، حتى المعروفين منهم، لأنه يعلّمهم الأقتصاد في الكلمات. وثمة اليوم في معظم دول العالم كتاب مشهورون يمارسون كتابة هذا اللون اللطيف من القصص المختصرة الى جانب القصة القصيرة والرواية، ومنهم الكاتبة الروائية الأميركية ليديا ديفيس (ولدت عام1947) التي إشتهرت بقصصها القصيرة جداً، ونالت عنها جائزة البوكر الدولية لعام 2013. وهي جائزة تمنح كل عامين للأعمال الأدبية المكتوبة باللغة الأنجليزية أو المترجمة اليها. وقال رئيس لجنة التحكيم لجائزة البوكر الدولية السير كريستوفر ريكس في الإحتفال الذي اقيم في 22 أيار من ذلك العام في متحف (فكتوريا والبرت) بلندن تكريماً للكاتبة:
“يمكنكم اطلاق اسم” المنمنمات، أو المشاهد، أو المقالات، أو الحكايات، أو الأمثال، أو الملاحظات، أو حتى الخرافات، أو الأدعية، على هذه النتاجات”.
أي أن مفهوم ”القصة القصيرة جداً” في الأدب العالمي أرحب بكثير مما يتصوره
اولئك الذين يميلون الى وضع هذا اللون الإبداعي في خانة ضيقة وتقنين شروطه ومواصفاته.
……………….



Post A Comment: