رواية "أسطورة أغمد" بجزئيها "جواب بين نظرتين" و"الميراث الأبدي"، لبلغنامي عبد الرّحيم، الصادرة عن دار خيال، 2020، تحيل إلى حكاية مركّبة تتداول أحداثها بين السارد والحكاية الأساس المتضمّنة في "الأسطورة"، إذ لا تنطلق الأسطورة من بؤرة الحدث الأولى، بل تشكل حكاية السّارد منطلقا لها، إذ يقوم بزيارة لأنسبائه في منطقة القبائل، وهناك تبدأ الأحداث في التشكل متفرّعة إلى مستويين، مستوى الواقع (الحكائي) ومستوى الأسطورة.
يصلان الشّخصية الرّئيسة "أحمد" وزوجته "ميلين" إلى قرية "آث سعيد" في أعلى جبال تيزي وزو، أين يستقبلان استقبالا حميميا من عائلة "ميلين"، ثم ينكشف الأمر على أنّ الأب "يغموراسن" يريد أن يحكي حكاية لنسيبه، فيأخذه معه إلى جلسة شباب أين يجتمع إليه بعضهم للاستمتاع بحكاياه، "ماذا ستروي لنا اليوم يا عمّو؟" 
هكذا تبدأ الأسطورة التي أراد يغموراسن أن يسمعها زوج ابنته ومجلس الشّباب هناك في القرية. الرّواية من هذا المنطلق تلعب على وتر التمازج الثقافي باعتبار أنّ زوج ابنته من الصّحراء، وهي الفضاء الأرحب للأسطورة، إلا أنّ السارد ينتقل إلى منطقة القبائل ليكتشف الحكي الأسطوري هناك. 
تحتفي الرّواية برمز التداخل الثّقافي ولعلها تحفر حيث يشتغل الوعي على تكريس المعرفة السوسيولوجية داخل اللحمة المجتمعية الواحدة، فيبادر السارد إلى رسم وقائع عرس من خلال المتعلقات التقليدية التي تزيّن العروس ومنها، "أكرزي"، "أمندل"، "الحايك"، "تمحرمت لحرير"، ثم مرآة توضع على الجبهة، وانعكاس ضوء الشّمس عليها ينبئ أهل العريس بقدوم موكب زفاف العروس. هذا التّقديم لرواية تقدّم نفسها من خلال العنوان على أنّها "أسطورة"، يجعل القارئ متقلبا بين الواقع والأسطورة، أو ما يحقق له توازن النّظرة إلى العمل السردي، حيث يشتغل المخيال على مستويين يتردّد بينهما المتلقي باعتباره عنصرا مهمّا في عملية التعرّف على العوالم المتتالية في التكشّف.
تتأسّس الأسطورة انطلاقا من "أغمد" يعيش في قرية "الدّفق البارد"، تنفرج بؤرة الأسطرة عند معلم "الوقت"، إذ "بدأ كل شيء يوم طرقت مسامعه تلك العبارة : الوقت أكثر شيء لا نملكه من بين كل الأمور التي نملكها". تمثل هذه العبارة الجذر الأهم في بنية الأسطورة التي تحكيها الرّواية. وتستمر الأسطورة في حبك عالم غريب ومهول من الأحداث التي يتعرّض فيها أغمد لأشدّ المواقف، والتي تغوص في أسئلة وجودية عميقة مستلهمة من الواقع ومضمّنة لوقائع الأسطورة.
تستمر في الجزء الثاني من خلال زيارة "أحمد" إلى المجر، أين يقيم صديقه، وروايته له "قصة شعبية عن تنّين يدعى أغمد"، وعن طريق الأسطورة ينبّهنا السّارد إلى أنّها ساعدت في تحسين العلاقة بين "أحمد وميلين"، وهو ما يشجّع صديقه على العودة إلى الوطن كي يستعيد حبيبته المميّزة إيمان".
تضيء هذه الرّواية جانبا مهما من جوانب وظيفة الفن، ومن ثمّة "الأسطورة" في ترميم كسور الواقع، وتحويل المخيال من سكونية التصوّر إلى فاعلية الحركة.
لكن بعض الجوانب تطرح أسئلة ربّما تكون بمثابة الوقوف على عناصر فنّية تمّ توظيفها قصدا من قبل الرّوائي، وهو الخبير بقصديته، فرواية "أسطورة أغمد" تضع القارئ أمام إشكاليتين هامّتين على مستوى الأجناس الأدبية، أولاها الأسطورة، وهل يمكن أن نكتب أسطورة تحت مسمّى رواية؟ الرّواية كما نعرف تختلف اختلافا جذريا عن الأسطورة، المتداول هو توظيف الأسطورة في الرّواية عن طريق تناصّات تحيل إليها (الأسطورة)، وفي بداية الأسطورة يصف أغمد بـ "شخص"، وهو في واقع الحال "أفعى" كما ورد في الجزء الأوّل، ثم في الجزء الثاني يصف العمل بــ "حكاية شعبية". 
هناك إشكالية أخرى على مستوى البناء، فالرّواية تحتوي قصّة إطار وقصّة متضمّنة، ومن العنوان يمكن أن نستشف أنّ القصّة الإطار هي "أسطورة أغمد" لكن الحكي يتأسّس على قصّة حب "أحمد" و"صديقه" والقصّة المتضمّنة هي أغمد.   






Share To: