الشتاء فصل انكشاف الحقيقة | الكاتب المغربي إبراهيم السهلي

شذرة تأملية/

ولأنه فصل الهدوء فصل تساقط الحروف في دجى الليل وسقوط عرش الكلمات، قطرات السكينة تنساب مع حبات المطر وهي تتساقط تباعا في شوق نحو ملامسة مسام الحقيقة،  تغتسل المعاني وتتدفق سيول الذات تنهمر سيلا بين هضبات الذاكرة، تتفتق العيون العذبة وتستحم الروح بماء الحقيقة العذب المتدفق من صدر السماء قبل أن يصل للأرض وتتلقاه الكلمات بسجعها وطباقاها وجناسها البديع فترتدي حبات المطر نسيج اللغة.

الشتاء ذلك الفصل الذي تغتسل فيه الروح من عوالق العالم  وتمتد يدها لمعانقة وشاح الحقيقة، بين حبات المطر وأريج الصبا يمتد دفء الروح المتموجة شوقا للقاء ذاتها، 

في فصل الشتاء وعلى نغم حبات المطر روحي تعزف على القيثارة لحن الوجود والحقيقة، سلسبيل من الأشعار الحزينة يستحم تحت ضوء القمر  والغيوم المكبدة في صدر السماء تغزل  نسيج الحقيقة في عالم يعج بالتناقضات وحياة ترتدي ألف قناع. 

في هذا الفصل تغتسل الأحلام من سذاجتها، تتخلص  من اللاشعور وأجنحة الرغبة، من تموجات جدار الحلم الذي لا يستقيم واقعيا ولا يترجل أبدا، قطرات المطر الدافئ تسقط لحاف الحقيقة عن مازوشية الحلم فتنكسر خواطر اللاشعور وتستفيق الذات على وقع  دقات الحقيقة التي يتردد صداها من قطرات المطر المنهمر من جوف الغيوم..

إنه فصل نثرات البرودة وصقيع الحقيقة، الفصل الذي تسقط فيه الأقنعة البهلوانية وترتوي فيه الروح قبسا من الجنون، تتعالى عن المألوف اليومي حيث تتشابه فيه كل الأقنعة كما تتشابه الحروف على الآلة الكاتبة، في هذا الفصل نتصالح مع ذاتنا التي فقدناها، نحبها بشغف حبنا للجوهر، نعانقها بمازوشية الحياة  ونحن نستجمع خيوط المطر  لننسج وشاح  هويتنا الحقيقية نرتديه مع أولى إشراقة يوم جديد، يكون  بداية فصل لا تتغير فيه الألوان ولا أريج الأزهار وتموجات شدى البلابل، فصل نقيم فيه للأبد في حضن حبات المطر الدافئ وعوالم الحقيقة..