خيم الليلُ غرفتي وقلبي فارغُ وحزين مملكة كاملة من الأحلام تنهار من حولي، تنهار دون أثر..، بلا ضجيج ولا ضوضاء، لا أستطيعٌ الخروج من هذه الحفرة إنها عميقة وكثيرة الندوب يخيلُ لي دائماً بأنها تمدُ أصابعها حول رقبتي وتخنقُني حتي ألفظ الشهيق الأخير، وبعدها تعودُ إلي مكانها الخفي .
أستيقظتُ من غفوة الإختناق مُجردة من الزمن، تقدمتٌ خطوة لأكملَ حلمي و أقدمُ لعمل في منظمة رصدِ الأجسام الفضائيّة، بينما كنت أقف علي طابور الطلبات، مضت سنه.. خمس.. تسع.. مضي العمر وأنا أقف في الطابور، جاء دوري أخيراً وتقدمتٌ بالطلب وحروف التفاؤل تصرخ في وجهي مالة مُنهكة، ثرثرتٌ بكلمات غير مفهومة وحركتٌ يدي يمنة ويسرة بعصبية واضحة ورجعت للمنزل، وبعد دهراً من الإنتظار.. جائني إتصال مفاجئ متقطعٌ الرنين مع بداية المطر، رنّتان.. ثم رنة واحدة وبعد ذلك فتحت الخط وسمعت أحداً يخفتٌ في همس... لقد تم قبولكِ لمنظمة رصدِ الأجسام الفضائيّة وأنتي المسؤول عن شاشة الرصد، وأنقطع الخط... كقطار يجتاز السِكة لأول مرة، حباتٌ المطر عادت لتمارس المشاغبة علي حبال التيار الكهربي، وتجعل من إنارة المنزل حفلاً راقصاً كالعرض الأول لفيلم رعب.
لا أدري... فأنا لا أتٌقن شرح المُعجزات، لم أعد أشعر بشئ إطلاقاً، فتلك المكالمة أدخلت علي قلبي السرور، وعاد المساء ليشن حرب أمل مع النجوم وهدنة الليل مع القمر، فتحضن الفضاء بسعته، ما يزال الصباح السبيل الوحيد لينٌقذ النوتات التي بدأت بالزوال عندما بتر منها الإحساس وشذ لحنها عن أوتار الألة.
وأول الفجر يجذبها لإحتساء ضوء الشمس الناعم مع فُنجان الشاي المحلي، وبعدها جلستٌ علي الأريكة وأتقاسم الهدوء مع أفراد عائلتي وأبتلعٌ الفراغ بقراءة صحيفه مملة حتي باشر الصباح بالإنسلاخ ليدق عقرب العاصفه الليله وأنا أنوي الرحيل لحلمي، فتمُر علي الذكريات متسلسلة كشريط فيلم من الصور.. وبدأت عروقي بالإنقباض وتتحول إلي إعصار يدور كنوبة صراع حادة فتهدأ بذرف دمعتين موجعتين توقظ خلايا الحب النائمة وتٌربك الحنين في قلبي من جديد، تحكمني عائلتي وأحزانهم علي رحيلي..
أحزم تارة...
وأشفق تارة...
أبكي، أكفكف، وأربت تارة
وأخلق لهم كلمات بلاسم تخيط الجرح خياطاً وتختنق أنفاس أحزاني، وتقف في الزاوية تٌحملق لي بعينين محمرتين قهراً من كبتها، ودعتٌ الجميع وأشحتٌ بوجهي عنهم..
وها أنا أنظر إلي بلادي من نافذة المركبة الفضائيّة المتوجهه إلي المريخ، يبدو أن ساعات الفُراق أختلقت من جديد والبعد أفضل مما أنا عليه، ذهبت بعيداً وتركت طيف روحي في بلادي فصوت رحيلي القاسي عن أحبتي يؤلمني وينهش عظام قلبي واحداً تلو الأخر.
جلستٌ في مقعدي وأنظر خلفي وأمامي بحنكة، وأنطلقت المركبة وأنا لستُ في عالمي المعتاد، وحين وصولنا للمريخ خرجتٌ من قوقعة السكينة لأري نفسي داخلة إلي عالم هادئ بحت، ترددتٌ حين حانت لحظة خروجي إلي سطح المريخ فعٌدت إلي قوقعتي لأنظم حفل وداعي بسرعة لتخرج الصيحات وتناديني : أين أنتي من كل هذا...؟
أنا علي سطح كوكب مهجور، منسية بين قطبان الرثاء.
خرجتٌ من قوقعتي الصغيرة وأنا في رحلة الرصد عن أجسام فضائية وأنا المسؤول عن شاشة الرصد.
نجوم ليلية في سماء المريخ، محفورة بشكل بارز وكأن عيون قد نحتتها بنظرات من حجر البازلت.. نجوم مُشعة وكأن لهيبها في أوج أحتراقه، تتبعتٌ ذلك المسار كجندي يترصد لسارق ليتفاجئ بؤبؤ العين بتوسع شاذ، وكأنه يتأهب لإستقبال الشمس بكفتيها، مكثتٌ شهرين علي كوكب المريخ وكان المكان خافت ك بيت مهجور لم تفارقه روح بانيه...، وكنتٌ أرتعد خوفاً كشجرة عارية في مهب الريح، وأترقب الثواني والدقائق التي قد أستغرقها في هذا الكوكب المهجور، وتذهب مخيلتي بعيداً بعيداً...، مررت بأشيائي المؤلمة وحدي وهمي الوحيد أن أجد أجسام فضائية حية علي المريخ وأثبت للجميع مدي جدارتي وقوتي، نعم بهذه الحالة أستطعت أن أرصد حياة شئ ما علي سطح المريخ، في اليوم الرابع والخمسين وأنا أرصد بالمنظار رأيت شيئًا غريباً..!، يا للهول إنه كائن فضائي علي متن سطح المريخ أرجله كالعنكبوت وعيناه شديدتا الإحمرار وكأن شرارة ستخرج منهما، لم أري في حياتي كائن غريباً كهذا، يتغير لونه كالحرباء في كل مرة، وإن جاز الحديث عن المعجزات فإنها أول معجزة تراها عيناي، نعم فزتٌ... وأثبتٌ لنفسي أنني أستطيع فعلها، مسحتٌ دموعي بيدي ونطقت النجوم أنني حقاً رائعة وأستحق أن تتغلغل دموع الفرح في عيناي وتهديني بريقها الأبدي...
لبرهة ما شعرت بصفعة قوية علي خدي لقد كان صوت والدتي العزيزة تقول: أنهضي أيتها الكسولة لقد حان موعد عملك إنها الساعه العاشرة صباحا...
ياللهول لقد كان حلما جميلا وغريبا. ً


Post A Comment: