كي نصحح الكلام ...
.. والجروح أيضا .. !!
توثيق الباحث الفلسطيني فادي عبد الهادي


كي نصحح الكلام ...
.. والجروح أيضا .. !!
بقلم / الشاعر الكبير الراحل محمد حسيب القاضي
نشرت في مجلة الوطن – غزة 1994م

لم اكن يوما أقرب اليك في هذه اللحظة

لحظة أن نظرنا معا خلفنا ووجدنا المسافات تبتعد خلفنا سريعة ومتلاشية ونحن نقطع الطريق الطويل قبل أن نصل الى هذا المكان محملين بحزن واحد وذكريات مشتركة وآلام واحدة .. هل كنا .. أنا وأنت قادرين على وصف هذه اللحظة قبل أن نطأ أول التراب .. لا أعتقد ذلك
فقد كان الوصف نوعا من الاستيهامات المبتورة التي لم تكتمل إلا حالأولى.نا وتعانقنا وبكينا من فرط الحنين ..
لم نلتفت الى الخلف لأن الذي أمامنا هو بلاد لا تزال تحتفظ برائحة طفولة .. وظل حبيب وذكرى وجوه مرت عليها آثار الغياب دون أن تفقد ملامحها الأولى ..
لم نكن في حاجة لأن وأعمق.ثيرا فاللحظة كافية .. كانت أبلغ من أي كلام وأعمق .
ما أكثر السنوات التي ضاعت من أعمارنا .. وتساقطت كالأوراق على أرصفة المدن وفي متاهات العالم .. أوراق الروزنامة المعلقة على جدار الهواء .. ظلالنا التي اهتزت من المشي .. صمتنا الذي تجوف وابتلع كل الكلام وأشياء كثيرة كانت تنتظر هذه اللحظة النادرة المتوهجة باللمسة والنظرة والصمت أيضا .. نحن الذين ننظر بوجه واحد وعيون واحدة ، كيف لنا أن ننظر بوجه واحد وعيون مختلفة ..
أن ينقسم الوجه الى عدة وجوه وأن تتحول العيون الى عدة نظرات وعيون يعني ان لا نرى شيئا ولا نلمس شيئا سوى الفراغ والرماد وان تنقسم الشفة الى شفاه متعددة ويصبح الكلام الى جسر مكسور !
وما أكثر الذين يراهنون على غياب العقل .. ويحلوا لهم أن يوقعوا الآخرين في اختبار الجنون !
هل لنا إلا ان نمتلك معا بطش الحكمة كي نصحح الكلام والجروح الغلط ؟!
في مقدورنا ان نفعل ذلك .. وفي مقدورنا ايضا ان نتذرع بمشيئة الحلم الذي يملأ عيوننا حتى لا يخطفنا الضياع ، وتتفرق بنا السبل .. المشيئة وليس الرغبة لأن الرغبة هوى .. والمشيئة حكمة .. بين الرغبة والمشيئة مسافة ما بين القلب والعقل . . ليس لنا إلا أن نقطع المسافة وأن نلتقي.
لا بد من أن نفعل ذلك حتى لا نضل في المنتصف ، ونتوه قبل أن نبلغ أخذلك.لم
حلمنا المشترك .. كثيرون الذين يريدون أن نعلن هزيمة تصوراتنا أمام فداحة المستقبل .. وأن نكسر المرآة الوحيدة التي نرى فيها وجهنا كاملا دون نقصان وبعد ذلك .. ما أكثر الغياب الذي ينتظر الجميع على العتبة !
هل في امكان أحد ان يجاذف بكل تصوراته وأحلامه في مقابل ان يقتني السراب ويملأ نه أباريقه المهشمة ؟!
أو بالمعنى الشعبي الدارج أن يسكب ما في القرية في انتظار السحاب بعد ذلك أيضا ..
لا يستطيع أحد أن يبرئ يده من صخرة قابيل ، وغرابه المتواطئ على دفن آثار الجنون والندم ..
هل نحن في حاجة لأن نمتحن حصارنا بحصار أشد قسوة كي نعلن هزيمة أنفسنا أمام أنفسنا ؟
ما اكثر الاسئلة وما اثل الاجابات الشافية .. وعندها. عندما تخمد حرارة الايدي ويسقط الحجر فوق ارجلنا جميعا أثقل من رحى الطاحون
وعندها .. عندها فقط قد نتذكر أو لا نتذكر أن علينا أن ننظر بوجه واحد ، وعيون واحدة في اتجاه واحد .. ولا تقف في المفارق نبحث عن طرق النجاة ولا نجاة
المشتغلون في حفر السراديب هم الذين يكرهون النور .. ولكن دائما تحت طبقات الوعي يوجد ذلك النور الساطع الذي يكشف عن الايدي وآلات الحفر وغبار الكلام
ولذا يكون على الحافرين أن يتمهلوا قبل الدعوة الى الجدار الاخير . !
مرة أخرى
لم أكن أقرب منك اليك أكثر من هذه اللحظة .. لا شيئ يمكنه أن يسلبنا حرارة اللقاء .. لأالسماء.نا في شريان واحد .. ونفس واحد وتحت سماء واحدة
نحن الذين كنا نبحث عن بعضنا في مدن العالم وتحت قناطر وأمطار حالكة السواد وبعد أن مدننا أيدينا الى قمر غزة يشاء البعض ان لا يتكامل وينضج كي يغمر كل العيون الساهرة على الضفة الاخرى .. القمر هو تلك البرتقالة المعلقة على أغصان السماء .. أي ريح تقدر أن تهز الأغصان .. وتسقط قمر الله من مكانه ؟!
لم يعد أمامنا .. أن ننظر بعيون واحدة فوق الحواجز والمعابر الضيقة نحو ما نريد
وما نريده من أفق أوسع وقمر أكبر ، وظل أعمق وزيتون أكثر ، ونهار أجمل ..




Share To: