التاريخ نهايات ثمانينات القرن الماضي ،المدينه تعج بالمصطافين  ،الصخب والضجيج والحياة في أعلى ذروته،شلال هادر من جنون الحياة ، وكأنها  لم تعرف فضيلة الصمت ،والهدوء من قبل  ، شئ صارخ ولكنه صخب وصراخ  في وقار الطبقة الاجتماعية والثقافية ؛ للمصطافين ، تتلألأ عاكسة ضوءها علي صفحة النيل كقطعة كريستال انعكس عليه نور النيون فزاده  بهاءا، وسحرا، وجمالا ..حتي حوت بداخلها علي  كثيرا من أحلام المساء ، هي بلا شك من: أجمل مدن مصر ، إن لم تكن أجملها  علي الإطلاق ،كنت أذهب إليها  أكثر الليالي ليس للاستمتاع بكل ما سبق؟!فالاستمتاع والترفيه ليس شئ فيه ،ولكني كنت أذهب إليها خلسة وحدي، وكنت أتمني أن لا يراني أحد يعرفني ؟، حتي لا يضيع من وقتي معه شيئا..... ،وأصل الحكايه أنه كان هناك كشك علي النيل ،والمكان مهجور بعض الشئ  الكشك هو معرض دار المعارف للكتب...... كنت أنتهي من عملي بالنهار، وأدخل إليه  بعد المغرب مباشرة ، ولا أعود للبيت إلا بعد أن يستأذن الموظف المسؤل عنه  مني فهو يريد أن يغلق الكشك لأن موعد عمله أنتهي منذ فترة، وهو محرج أن يطلب مني الانصراف ! وكأني أصبحت مالك الكشك !  وكان ذلك بعد الواحده صباحا..الغريب أنه كيف كان يمر الوقت بهذه السرعة ،لا أدرى فأنا بين العقاد، وزكى نجيب محمود، وشوفي ضيف ، وتوفيق الحكيم ،ويحي حقي،عبد الرحمن الشرقاوي  ،وزكريا إبراهيم ،ونجيب محفوظ ،وطه حسين، وأنيس منصور ،وعلي أحمد باكثير ،وعبد الحميد جوده السحار ،وعبد الرحمن بدوى ،ومحمد الغزالى ،والشيخ عبد الحليم محمود  وغيرهم وغيرهم الكثير والكثير، حتي كنت أشعر أنني سوف أصاب بدوار. دوار الأفكار التي تجمعت في ذلك الكشك كان إكتظاظ و زحام الأفكار في؛ رأسي يعادل اكتظاظها  ،وزحامها  في رأس البر، أو أكثر دنيا من الأفكار والارتحال في الكون الفسيح  كله في الفلسفه، التاريخ ،الأدب ،علم النفس ،الإجتماع الفكر الديني ،الشعر ،القصه الروايه كل ما قال الأولون استحضرت كل ذلك، وتوحدت معه  في ؛لحظات كدت أفقد توازني، وكأني أحمل تراث الإنسانيه كله ،وأنا الضعيف الذي لا يستطيع ....،كنت أنظر للناس التي علي النيل،والتى تعد  بعشرات الألوف،؟ ولا يأتي أحد يشاركنى ما أفعل  إلا قليل فهم يصخبون، ويمرحون، ويستمتعون وأنا الذي ينفق نقوده في شراء الكتب ،كنت مقتنع تماما أنني من ربحت .. مع إنني لم أتناول كوبا من الماء...... وأحمل كتبي في نهاية الليل التي قمت بتبديلها أكثر من مرة بعد أن أكتشف أن هناك عناوين تستهويني أكثر من الذي اخترتها، وهكذا في كل مرة أبدل روايه لأشتري دراسه وأبدل ديوان شعر بكتاب فلسفة ، وهكذا لا أعرف لماذا ؟ في كل مرة بعد أدفع كل نقودي للموظف ولا يتبقي معي إلا أجرة الميكروباص أني من ربحت وأنني  الفائز.!؟






Share To: