الباحث الجزائري / محمد بصري يكتب : الصفح والاعتراف وفرنسا العجوز.


 


الصفح كثيمة Thémeمفاهيمية مطاطي غير ثابت يتحرك د اخل فقاعة من الدلالات، لأنه كمصطلح أخلاقي عفيف وخجول يرفض أن يستقر على معنى معين فهو يفيض بالمعاني مما يجعل من المستحيل القبض عليه وتفسيره، بل بالأحرى تأويله وفي هذا مغامرة برومثيوسية غير محمودة العواقب.

صفح ( صفح /يصافح/ صفوح /مصحف/صّفح/التصحيف).وقديما قالت العرب صَفَحه بالسيف أي ضربه بعرضه وتجنبه بحده.وقال شاعرالعرب بن نباتة:

والصفحُ لا يحسنُ عن محسن * وإِنما يَحْسُنُ عن جاني

قال صفي الدين الحلي :

العَفوُ منك من اعتذاري أقرَبُ * والصفحُ عن زللي بحلمكَ أنسبُ

عذري صريحٌ غيرَ أني مقسمٌ * لا قُلتُ عذراً غيرَ أنّي مُذنبُ

يا من نمتُّ إلى علاهُ بأننا * في طَيّ نِعمَة ِ مُلكِهِ نَتَقَلّبُ

إني لأعجبُ من وقوعِ خطيتي * ولَئِنْ جُزيتُ بها، فذلك أعجَبُ.

في الثقافة الغربية والمركزيات الثقافية المخالفة والمختلفة عن الأفق العربي الصفح يعني "الهـــــــــــِبَة" LE par—Don وهنا يهتز كمفهوم قيمي أخلاقي ويغدو قابلا للتفكيك والزحزحة والخلخلة .وهو ما ورد في كتاب جاك دريدا "الصفح ومالا يقبل التقادم" بل بالأحرى دراسة تفكيكية نابعة من منهج هذا الفيلسوف المطرقة.

الصفح أو ما نسميه لغوا وتحريفا التسامح يقتضي حسب جاكي دريدا اللقاء بين وجيهين أو " وجها لوجه" face to face "الضحايا والمجرمين" على الطريقة اليسوعية المسيحية. وقد يجد له مكانا في أعرافنا القبلية العربية إحتفائية دفع الدِّيـــــــــَة من قبيل حضور أهل الجاني وأهل المقتول المعتدى عليه.

الفظائع والآثام القصوى التي تسببت فيها الحروب والقتل الهمجي والمجازر في التاريخ البشري عبر القرن العشرين وهي مهولة وغير مبررة وقاتلة للضمير الأخلاقي الإنساني .ومنهكة لأي تحليل وتقعيد وتفكير فلسفي انساني. ويمكن القول أن ما تعرضت له البشرية في قرن واحد لحق بالجزائريين على مدار قرنين أي التاسع عشر والعشرون .أذى لا يمكن محوه بجرة قلم أو جلوس حول مائدة صغيرة لإتفاقيات لا تستطيع إضفاء شرعية على العنف أو تبرير مسارح الاجرام.إنها قضايا لا تقبل التقادم مطلقا. وفي هذا يقيم دريدا قراءة لرسالة جانكليفيتش في دعابة "الوعي المذنب" حيث لا يمكن لألمانيا أن تعتذر عن فظائعها التاريخية في الحرب .ع2 وهي في أوج شراستها الاقتصادية ولهيبها المادي التقدمي .وهو ذاته ينطبق على فرنسا القوية اقتصاديا وسياسيا فهي تكرر نفس النكتة السخيفة "دعابة الوعي المذنب" عبر وسائلها الاعلامية وقنواتها السياسية حتى بات مفهوم "طلب العفو والمغفرة والصفح" العفوي والمغلوط من الجزائريين مناسبة انتخابية الغرض منها استعطاف أصوات الحيارى من المنتخبين الفرنسيين مزدوجي الجنسية والذي يعدون بالملايين في بلاد القوط والغال.وهو الاستثمار في الغباء السياسي ثانيا بحبكة البروباغاندا اللعوب والغواية السياسية.حين تصبح السياسة شبيه بمومس غجرية تبدي مفاتنها عند الضرورة..


الذين أبيدو في سجن Auschwitz أوشفبتز الألماني .الكئيب الممقوت إلى غاية 1945 لا يتجاوزون 200.000 يهودي وهذا حسب الرواية الصهيونية . وناضل اليهود لانتزاع حق الاعتراف بالهولوكست . وأصبحت كل نزعة عنصرية جريمة دولية وقانونية صادمة ونزعة ضد السامية أو عداء ضدها وهنا يمكن القول أن الذكاء اليهودي استثمر في الغباء السياسي الجرماني الآري بكل ما تحمله العبارة من حمولة قاسية. عدد الهنود الذين قتلهم الامريكان في غزوهم العالم الجديد 18 مليون ولازالت المأساة عالقة بالعقل الامريكي تُؤرق الضمير الجمعي لحفدة الايرلنديين والقوطيين والفايكينغ وخير مكافأة كانت ادماجهم واختلاطهم وامتزاجهم بالعنصر الانجلوساكسوني. نكون نحن سكان شمال افريقيا اللعينة من الجزائريين بمختلف أطيافهم وطبقاتهم الإجتماعية ثاني عنصر في التاريخ الحديث وفي كل التواريخ بعد الهنود الحمر من تعرضوا للإبادة القاسية بدون رحمة من فرنسا فالإحصائيات تؤكد أن الأعداد تترواح 5 ملايين وبعضها يذهب إلى 11 و12 مليون بين شهيد ومفقود وقتيل.جرائم كارثية لا نطلب فيها إلا العدالة الالهية من فرنسا ومن الذين صمتوا طويلا عنها.من يعتقدون أن فرنسا ستعترف أو تثبت ذلك هم واهمون . المهزلة و الهم هذا يحتاج إلى ضغط وحراك وصمود وكتابة ونخب حقيقية وشعب يعي ما حدث لأسلافه وأجداده وجيل يقرأ يوميا هموم من تكبدوا الشقاء . المطلوب ليس الاغتراف بل أن تقبل هذه الدولة العجوز المتعجرفة "فافا" مبدأ الصفح . كما يقول جاك دريدا الفيلسوف الجزائري اليهودي الفرنسي " لقد لهَتَ الألمان طويلا من أجل الصفح بعد ممانعة واستكبار يهودي". والآن يطلب من الجزائريين أن يطالبوا فرنسا بالاعتراف عبر أقساط بشكل سوداوي وكوميدي هزلي وكأننا نريد أن نشتري سيارة رديئة من الدرجة الثالثة لصناعة التايوانية ..

هوامش :

*مراجع مصادر الشعر جمعها مجمع الحكم والأمثال في الشعر العربي ( أحمد قبش..

* جاك دريدا " الصفح مالايقبل الصفح وما لا يتقادم"ترجمة مصطفى عارف و نورالدين عارف دراسة



الباحث الجزائري / محمد بصري يكتب : الصفح والاعتراف وفرنسا العجوز.





الباحث الجزائري / محمد بصري يكتب : الصفح والاعتراف وفرنسا العجوز. 



Share To: