(الشخص المميز و المجتمع الغربي) 
بقلم الكاتب و المفكر أ. رامي محمد 



من أكبر الأسباب الجالبة للراحة النفسية عموما في المجتمع الغربي، والتي تساعد الفرد نوعًا ما على تهذيب نبتة الحسد وأمراض الحقد بداخله -على الأقل في النطاق الذي أعيش فيه- غياب فكرة (الشخص المتميز) والتقارب الملفت في الملبس ومكان العلاج ووسيلة النقل وأماكن التعليم وطريقة العيش وأسلوب الحياة؛ وانعدام فكرة الإنبهار بالآخر. كما يحكون بالعامية (محدش أحسن من حد)!

لا أتحدث عن الاستثناءات الطبقية؛ أن ترى متسولًا في شارع، أو sdf بلا مأوى، أو برجوازي ينفخ في سيجاره بمقهى في حي سان چيرمان؛ لأن تلك ظاهرة عالمية لا يخلو منها مجتمع؛ ولها أبعاد نوعا ما مختلفة، أتحدث هنا عن النمط العام وسلوك الأفراد.

حين أتواجد في محيط شرقي؛ ألاحظ أن طريقة تقديمي لنفسي، يتوقف عليها طريقة تعامل الآخر معي؛ فإن قلت فنان يُغني، أو تنعم بوظيفة ذا مكانة مثلا، فهذا يعطي وجاهة خاصة وطريقة في التعامل مختلفة ومتميزة، لا تخلو أحيانا من نظرات الإنبهار الملحوظ وردات الفعل المبالغة؛ فنحن قومٌ نبالغ بالفطرة!

بينما حين أتواجد في محيط غربي، أتحاشا بأي شكل أن أذكر شيئًا يوحي بأفضلية أو أن أقدم نفسي لأصدقاء جدد أو شخص التقي به حديثا؛ بذكر ماله علاقة بسجل مواهبي العظيمة وتاريخ حياتي الحافل! لأن هذا غالبا سيجعل من أمامي ينتقصني، ونظرته لي غالبا ستكون سلبية، ولأن التركيبة النفسية للفرد، تملك حالة من النرجسية على أي شخص يريد أن يلفت الانتباه؛ فـأنا احترمك لأنك إنسان فقط!

قبل سنوات تصدرت لإلقاء كلمة في مدينة سترسبورغ، وبخلفيتي الثقافية العربية، تقدمت بالشكر لمحافظ المدينة الحاضر ولرئيس الدولة؛ كما يحدث في الطقوس المشابهة والديباچات التي كبرنا عليها، تفاجئت بعد شهر؛ ببريد وصلني من البلدية على عنوان البيت وبتوقيع المحافظ؛ يشكرني فيه على الكلمة، ويخبرني أنني ارتكتبت خطأً كبيرًا حين توجهت بالشكر لشخصه ولرئيس الدولة؛ ثم قال إن أردت أن تشكر أحدًا فليكن الدستور والدولة التي تجمعنا، أما الأشخاص فمثلك مثلهم؛ مجرد موظفين يتقاضون راتبًا مقابل خدمتهم للشعب!

مع الوقت تشربت الحالة، وصرت أميل لمعرفة الأشخاص المحفوفين بالهدوء في محيطهم وأجد قلبي معهم، صرت أنفر من فكرة الشهرة واستثقل كل مشهور بصفة خاصة، لا سيما من يمارس أفعالًا يريد بها التميز عن النمط العام لمحيطه؛ لما أراه من ابتذال وخفة، وحياة لا تخلو من البساطة والوداعة!

فكرة الرغبة في -التميز- والبحث عنه دائما من قبل الفرد أو من قبل الجماهير في الأشخاص، والتفاوت في الحسابات على وسائل التواصل الاجتماعي، كل بحسب قدرته المادية على التسويق لذاته والتفافه حول دائرته التي تشبهه أو مكانته المهنية، ظاهرة الالتفاف حول من يحيطون أنفسهم بهالة في المؤتمرات والشوارع، كلها معاني مستفزة وأمراص خطيرة؛ تعبر عن خلل في المجتمع، ونقص داخل الفرد يريد تعويضه بشخص آخر، وما هي سوى حالة تفتك بالمجتمعات وتغذي لفكرة الحقد والحسد والتنافس الغير شريف لا أكثر!
Share To: