اليوم أشعر بعودة الروح للحياة..
بقلم الكاتب و المفكر أ. رامي محمد
فالمقهى فيها ليس مجرد مكان للجلسة واللقاء والحديث، بل هو أبرز التعبيرات العبقرية في المدينة، وهو من الأمور التي تستحق الاستفاضة في الحديث عنها، لتباين الفرق والنظرة إلى (القهوة) بين الشعوب!
.
تعتبر باريس مدينة المقاهي بلا منازع، منها خرجت التيارات الأدبية والفنية والفكرية واندلعت الانتفاضات والثورات، وكتبت دساتير دول، فقط خُط أول سطر في دستور أمريكا على يد -ابراهام لنكولن- في مقهى (لو بوركوب) بسان ميشيل.
بالمقهى وحده تميزت باريس بين عواصم العالم كمدينة للثقافة العالمية، حيث برز دور المقاهي في أواخر القرن الثامن عشر، وتحولت إلى مؤسسات ثقافية ومنتديات سياسية وحزبية وثورية، يجتمع فيها الأدباء والشعراء والسياسيون الذين شكلوا وجه الغرب الحديث، كل نخبة في مجال ما، لها مقاهيها التي تعرف بها.
وهذا جعل الاهتمام بتصميم المقهى وزخرفته ومقتنياته الفخمة أمرًا ملحًا، حتى أصبحت بعض المقاهي متحفًا تاريخيًا ومقصدًا سياحيًا مميزًا يسترشد به السياح إلى الآن؛ لا سيما مقاهي سانجيرمان ومومبارناس.
خرج من تلك المقاهي أهم رسامي العالم، وبعضها ما زالت تعلق لوحات بملايين الدولارات، كان رساما كڤان جوخ يمنحها للمقهى مقابل القهوة التي يرتشفها.
وقد عرف منذ عصر النهضة ما يعرف بالمقاهي الأدبية، والتي شهدت ولادة أعمال أدبية خالدة لكونديرا، وكامو، وارنست همنجواي والعشرات من الأدباء بما فيهم عرب. كرواية نجيب محفوظ (ثرثرة في مقهى كلوني) أو شرق وغرب لهيكل أو كتابات أمين معلوف..
.
كان -تلوز لوتريك- قد رسم العديد من لوحاته وهو يشاهد الفتيات اللواتي يقدمن فقراتهم الترفيهية في المقاهي التي يتردد عليها، وزبونات المقهى من الفتيات الحسناوات أو حتى للعاملات في هذه المقاهي.
.
كانت مقاهي الحي اللاتيني وحي الرسامين ومونمارتر، شاهدة على الكثير من العروض الفنية والمسرحية والهزلية الساخرة في القرن السابع عشر، ففيه ازدهر المسرح الكلاسيكي ازدهاراً عظيماً مع كورنيي وراسين وموليير، وبرزت نخبة من ألمع الأسماء في تاريخ الأدب الكلاسيكي من أمثال لافونتين وباسكال وبوالو وفينيلون ولا برويير.
أما القرن الثامن عشر فكان عصر -التنوير- وفيه وُضع التأكيد وعلى التفكير العقلاني في المقام الأول وهيمن على الحياة الأدبية فولتير وجان جاك روسّو من خلال مقهى -دي فلور- وكان مقر مجلته الأسبوعية واجتماعه بزوجته سيمون دي بوفوار حي كانا يتشاركا الكتابة معا؛ ثحتى بداية القرن العشرين وبروز المدرسة الرومانتيكية.
Post A Comment: