(قطار حياة) 
قصة قصيرة بقلم الكاتب أ. تامر صَفَر 



جلست حياة على رصيف قطار محطة سيدي جابر في انتظار القطار القادم من القاهرة الي الاسكندريه ، اصوات القطارات والناس من حولها في كل مكان ، ولكن بين كل هذا هي بعيدة بتفكيرها وخيالها، بتذكرها لحسن الذي جمعهم لقاء منذ سنوات 
ذلك الشاب الذي تعرفت عليه من خلال إحدى الصفحات الخاصه بالكتابة والشعر ، فهي تملك تلك الموهبة في كتابة الشعر ووصف الكلمات والمشاعر كانت تكتب وتنال استحسان كل متابعيها
احساسها المرهف جعلها تمتلك أدوات فالكتابة تعبر به بطريقة سلسة ولها اسلوب مميز حتى القصص القصيرة التي تكتبها تحمل طابع ن مميز من الرومانسيه 
في إحدى المرات وجدت رسالة في بريد الفيس بوك من أحد الأشخاص ، فقد اعتادت ان يرسل لها البعض دون أن تعرفهم ولكنها لا تلتفت الي تلك الرسائل ماعدا تلك الرسالة التي وجدت ان فيها كلمات مما كتبتها من قبل، ويكمل صاحب الرسالة ان تلك الكلمات كانت سبب ان يتخذ قرار بالانسحاب من حياة من احبها لانه كان يشعر دائماً ان اصراره على حب انسانه لا تعرف سوي نفسها وان الحب وحده ليس كافي ان يستمر انسان في علاقة لاتعرف التكافؤ
ردت علي تلك الكلمات ان من يملك الحب في قلبه تجاة احد لا يري نفسه الا في عين من احبه وانها لا تريد أن تكون بكلماتها الغير مقصوده جعلته يتخذ قرار يشعره بأنه خسر من يحب
اجابها ان كلماتها كانت سبب في ان يزيل غشاوة حب اعمى، ولا يمكن أن تكون أثرت بالسلب
تعددت الرسائل فيما بعد بينهم ، كانت حين تكتب اي كلمات تشعر أن له تعليقا مميزا عن باقي التعليقات
ستة اشهر مرت وهم يتراسلون أصبحوا أقرب إلى الأصدقاء كان يخبرها كيف كان يومه وهي كذلك كانت ترسل له كلماتها التي تكتبها ليقرأها قبل أن تقوم بنشرها ويتبادلون الاراء وأحيانا يعطيها معاني جديده وافكار تكتب عنها
كانت حياة فتاة في منتصف العشرين لديها جمالاً مختبئ خلف جمال كلماتها لم تقوم بنشر صور شخصيه لنفسها من قبل ، لا أحد يعرف شكلها الحقيقي الا من يعرفونها بشكل شخصي ، انهت دراستها الجامعيه بكلية الحقوق ولكنها لم تمارس تلك المهنه
أما حسن هو شاب ثلاثيني يعمل محاسب في إحدى الشركات الكبرى فالقاهره
معلومات بسيطة عرفتها حياة عن حسن ولكنها لم تعرف يوما من الايام انها ستشعر انه سيكون أقرب الناس الي قلبها تنتظر دائماً رسائله تتطوق الي الحديث معه دوماً
ارسلت إليه في إحدى المرات صوره قد رسمتها له فهي تملك موهبة الرسم بجانب الشعر رسمتها من خلال إحدى الصور التي نشرها على صفحته الشخصيه 
استقبل حسن تلك الرساله التي غمرته بالسعاده حين وجد ان حياة قامت برسمه بتلك الطريقه الجميله 
كانت تشعر دائماً انه شخص مختلف عن باقي الأشخاص الذين تعرفهم 
مرت ثلاث ايام وحسن لم يرسل لها أي رساله او حتى آن يدخل الي حسابه الشخصي، حيث كانت تلك الأيام الثلاث اختبار غير مقصود لمشاعرها تجاه حسن الذي بات بالنسبه لها هو محور حياه بنهاره وليلاه 
لم يُقدم حسن مره على ان يطلب منها رقم هاتفها او حتى صوره لها مما جعلها تحترم شخصيته في احترمه لخصوصيتها 
ولكن بات القلق ينهشها وتندم على أنها لا تعرف أي وسيلة اتصال بينهم سوي الرسائل 
ظلت ترسل له عدة رسائل تخبره فيها انها تريد أن تطمئن عليه 
فاليوم الرابع اتتها رساله من حسن الذي أخبرها انه يعتذر عن اختفائه المفاجئ بسبب ان شقيقته الصغرى والتي يعتبرها أقرب انسانه إليه كانت في المستشفى وظلت ثلاث ايام في حالة حرجه مما جعله يزهد اي شئ او حتى آن يتابع اي وسيلة تواصل 
ولكن حين وجد كم الرسائل التي أرسلتها أدرك انه مخطئ في عدم معرفته ان هناك من يهتم لأمره بهذا الشكل 
مرت اسابيع طويله يتحدثون فيها وباتت علاقتهم اقوي حتى أتت تلك اللحظه التي حاولت حياة كثيرا ان تغفلها عن عمد ، حتى أخبرها حسن انه سيذهب الي الاسكندريه بعد اسبوع لانهاء بعض الأعمال وانه سيشعر بالسعادة اذا وافقت على أن يلتقيا 
صمتت يداه عن الرد وازرفت دموع لم يراها حسن وظلت تعاتب نفسها على أنها لم تخبره حقيقتها كامله 
فقد تعرضت حياة لحادث قبل خمس سنوات افقدها القدره على السير حيث دخلت بعدها في مرحلة من الاكتئاب وخضعت لعلاج نفسي وكان متنفسها وقتها القرائة والكتابة للشعر والقصص القصيرة وحين أنشأت تلك الصفحه التي تكتب فيها واغلقت صفحتها القديمه اعتبرت انها ولدت من جديد وتريد ان تعيش في عالم يخصها وحدها لا يقتحمه احد 
بات الرد على طلب حسن شبه مستحيل ولكن شعورها تجاهه واحساسها بأنه أقرب شخص الان لها جعلها تدخل في حيرة فهي أيضا تشتاق ان تراه وان تتحدث معه بشكل شخصي
ذلك الشعور الذي بات داخل حسن أيضا فقد شعر ان حياة أصبحت لها نصيب من يومه يكفي ان يجعلها تمتلك يومه بضحاه ومساه 
حين شعر ان حياة لم تعطيه إجابة على طلبه اعتذر لها وانه شعر ان رغبة قويه تملكته ان يراها وانه يتمنى ان يتحدث إليها 
مسحت دموعها وردت علي كلماته 
بأنها لو تمنت ان تلتقي بشخص فالحياه فسيكون هو ولا احد غيره
اثلجت تلك الكلمات صدره وشعر بسعاده غامرة واخبرها عن موعد قدومه 
كلما اقترب موعد لقائهما كان الخوف والقلق والحيرة تفرض سيطرتها عليها اكثر واكثر ، فاحيانا كانت تتخذ قرار بالعدول عن ملاقاته وأحيانا أخرى تريد أن تواجه الحقيقه ولا يهم مايحدث صراعا عاشته حياة حتى حسمت أمرها 
الاربعاء موعد اللقاء على رصيف محطة قطار سيدي جابر تنتظر حياة في مكان اتفقت عليه مع حسن واخبرته انها من ستتعرف عليه
دخل القطار رصيف المحطة وأعُلن عن قدومه ، تتسارع دقات قلبها خوفاً من تلك المواجهه 
حسن يسبقه شوقه الي لقاء حياة يحمل في يديه باقة من الزهور جلبها خصيصاً لها 
خطوات سريعة يمشيها الي المكان المتفق عليه 
يسيطر القلق والتوتر على حياة فماذا سيكون ردة فعله حين يراها 
وصل حسن الي مكان لقائه بحياة 
حسن
نطقتها حياة وهي تسيطر على دموعها ان تزرف منها 
صافرات القطارات اصوات كثيره من حولها اعادتها الي زمنها حتي توقفت ذكرياتها عند ذلك اللقاء لتأجل مراجعة ذكرياتها وتعود الي الوقت الحالي 
يُعلن عن وصول القطار القادم من القاهرة على رصيف محطة سيدي جابر تنتظر حياة وهي جالسة على كرسيها المتحرك في نفس المكان الذي التقت فيه مع حسن منذ سنوات فقد أصبح مكان مميز يحتل ذكراه داخل عقلها 
بأبتسامة تشرق الشمس لرؤياها استقبلت حياة حسن، الذي أصبح زوجها منذ سنوات قليله فقد اعتادت حين يسافر الي القاهرة لانهاء أعمال او لزيارة اهله ان تنتظره في نفس المكان، وهو ايضاً اعتاد أن يكون أول وجه يراه حين يعود هو وجه زوجته حياة وان يلاقيها في نفس المكان 
ولكن كانت تلك المره مختلفه لانه عاد وهو يحمل في يديه الزهور مثل لقائهما الأول ونسخة من رواية
زهرة دون ربيع 
والتي تحمل اسم كاتبتها حياة سالم ، كانت حياة كتبت عدة روايات ولكنها ترددت كثيرا في نشرها حتى شجعها حسن وقام بأخذ روايتها وقدمها لإحد أصدقائه الذي يمتلك دار للنشر وقد أعجب بالرواية وقام بطبعها 
في اثناء عودتهم الي المنزل عادت تتذكر حياة اول لقاء بينها وبين حسن ، حيث اعتقدت وقتها انه سيكون اللقاء الأول والأخير حيث وقف أمامها وهو يرى تلك الدموع في عينها حين أخبرته انها تمنت لو أن تظل مجرد صورة في مخيلته على أن يراها هكذا 
لم تدري انها تتعامل مع شخص متصالح النفس لا يعرف سوي ان الانسان المتعافي كاملا هو المتعافي في افكاره وروحه البعيده عن الضغينه والسوء والكراهية وان ما هي فيه لا يمكن أن يجعلها اقل من اي احد وقد تكون محنتها سر سعادتها 
كان لقائهما الأول هو شرارة الحب التي توهجت فيما بعد وعاد الي القاهره وهو يحمل في قلبه حب للعوده الي ابنة الاسكندريه التي اثرته واحبها ، ولم تمضي شهور حتي تقدم لخطبتها وقرر ان يعيش معها في الإسكندرية حيث تعلق بكل تفاصيل حياتها وقام بنقل عمله الي فرع الاسكندريه من أجل أن يظل معها 
ادركت حياة وقتها ان الحب رغم انه في احيان يجعلنا لانلتفت الي حقيقة من نحبهم باخطائهم في حقنا 
ولكنه أيضا يجعلنا نتغاضي عن تفاصيل قد نراها انها سبب في ان يتركنا من نحبهم ويحبونا ولكنها تكون لديهم لاشيء ولاتمنعهم ان يعشقونا 

Share To: