(طبيعة الحياة)
بقلم الكاتب و المفكر أ. رامي محمد
تلك الفترة التي نمر بها جميعًا وتجعلنا نريد السيطرة التامة والتحكم في مجرى حياتنا، حالة التمسك والتشبث والتفكير طوال الوقت، وتحليل الماضي بكل تفاصيله والوقوف على كل حدث لم يتحقق، بل وتصور المستقبل من أجل الرغبة في السيطرة عليه!
لكن الحياة يا صديقي بطبيعتها عشوائية، تتفنن سنواتها في تكسيرنا وتدمير كل خططنا، ولا تمنحنا مجرد التعديل لمجرى الأحداث! إنها تنهك قدرتنا على المقاومة وتعبث بقوانا، فتحولنا من الإرادة الصلبة التي تتوهم الحفر في الصخر، إلى طيور مقصوصة الأجنحة! لأننا بالطبع نعيش في عالم متدفق، تسكنه الفوضى والحركة واللايقين؛ وأحداثه لا تتوقف علينا، فما جدوى المقاومة؟
الغريب أن هذا الإنهاك بالنهاية كان له أثرًا إيجابيا على نفسي، لأنه أهداني فكرة الاستسلام وقبول الحياة والميل إلى محاكاة حركتها وملازمة إيقاعها اليومي وصيغها المفاجئة وغير المفهومة أحيانا بدلاً من المعافرة والمعاندة القديمة ككلب تجره عربة!
شيء تعلمته يشبه فلسفة السباحة -كل ما ازداد التيار شدة تعين عدم مقاومته- فلازم تدفق التيار ودعه يحملك حتى تعبر النهر بسلام، فكل من يتعب قواه ويستنفذ طاقته سيغرق نفسه بلا طائل!
نعم قد تربكك خسارة عملٍ وتغلق في وجهك الأبواب لينفتح لك سبيلا أكثر أمانًا للعيش، قد تتوتر بلا جدوى وتضاعف معاناتك على أمر تكتشف لاحقا أنه لم يكن بالأهمية التي كنت تظن.
قد تفقد علاقة تعتقد أن حياتك ستتوقف عليها فتلقى أخرى أكثر ملاءمة لظروفك، قد تكون أحلامك ذاتها سببًا في تضخيم مصائب افتراضية، تملأ أيامك بالفزع ويتولى الواقع نفسه تكذيبها!
بالنهاية أنت هنا في عبث وفوضى، وحيثما قادتك الحياة وافق حركتها وتدفقها، وإن وضعتك الأحداث في مكان فكيّف نفسك معه، إن كنت لا تملك قدرة تغييره بدلا من لعنه وتأكد أن ثمة طريق مفتوح وراء كل ما لا تفهم!
هذا المجارة للتدفق، تحول الشعور بالإحباط إلى فعل إيجابي تستخلص منه الفرح، وابتسامة باردة تسخر بها من عبث الحياة وقسوتها، حيث تستقبل كل مصيبة وخذلان ومكرىه ببسمة هادئة وباردة تحررك من هموم الأيام وغرابة الحياة.
Post A Comment: