تسع الأرض كل جبروت الأزمنة المتعاقبة والمتسيدون يعيدون تكييف نفس الإنتاج بطرق ماكرة، ولا تسع العقول المتنورة المشرئبة إلى التغيير الفعلي، القادر على تحرير الإنسان من جبروت أخيه الإنسان…في كل يوم فكرة أخرى لطبخة جديدة قديمة.. هي طبخة واحدة بتوابل وبهارات مختلفة، كما يحدث لربة البيت، على مدار الأسبوع.. في كل يوم تجد نفسها أمام نفس السؤال .. ماذا يمكن أن يطبخ اليوم.. تحاول أن ترضي جميع أفراد أسرتها، وبتكلفة على قدر المستطاع. .فكيف لمن لا حول له ولا حيلة بمجاراة جبروت الزمن، ومتطلباته التي لا تكاد تنتهي إلا لتبدأ مع مطلع اليوم الموالي.. كيف من ينتظر يومية معلقة لتأمين لقمة العيش، قد تأتي وقد لا تأتي .. مياومو كسرة الخبز الحار يتعايشون مع الوقت بالوقت بدون تأمين ولا ضمانات تؤمن مستقبلهم المجهول يوم سقوطهم في العجز، وعدم القدرة على مواصلة رحلة الألف ميل للعيش بكرامة.. ويتعايش مع نفس الداء بشجاعة.. كمن يغدي الألم بأعشاب ومسكنات العطار...
………
لا حديث في المدن والقرى في الوطن  اليوم إلا على الكمامة واللامسؤولية للمواطن في الالتزام بإجراءات الوقاية الصحية والسلامة.. وكأن همه غسل يده بالصابون المعقم القادر على قتل الفيروسات والتصدي لـكوفيد 19، وهو الذي يبحث عن غسل كسرة خبز لتلبية نداء عصافير المعدة الفارغة وتأمينها لأفواه تستغيث من الجوع.. هذه الفئات المسالمة القنوع لديها قدرة فائقة للتعايش مع كل شيء ومع كل الحالات والأحوال.. رغم ضنك العيش وقلة الحيلة… يحفرون على سبل العيش من تحت الأرض، بكد وصبر وأناة، رغم أن ذلك لا يجلب لهم حتى مقدار همه ومعاناته، يقلبون أرض الأرض وأزقته ودروبه بحثا عن لقمة عيش ويتركون للطبيعة إعادة التشكل كل يوم في ثوب جديد، لتنحت من أيامهم معلقات قد لا تجد حتى جدرانا لتعلق عليها.
……….
موت لمصير عايش سياسات وتخبط مع منظومات وفي كل مرة كان يحلم بالتغيير ..بالغد الأفضل... كان رهين أسلوب الاستسلام ..لكنه لا يجيد فن التغيير... ولا من أين تؤكل الكتف.. كان يرى أن الارزاق مقسمة والغنى قسمة ..والحياة أقسام... والدنيا حظوظ.. في التعليم والصحة والسكن وحتى في التعبير عن التغيير… كان يرضخ لواقع الحال والجزم في النهاية بأن لا أمل في تغيير الحال...

الى ان جاء ضيف غير مرتقب..عابر سبيل ..أحب المكان واستقر ..فيروس عابر للخرائط لا يفرق بين وزير وغفير... زرع الهلع..وطمس الأكاذيب...اسكت القديس والراهب والمعتكف والداعي.. فيروس تاجي تربع على عرش الدول بحكوماتها وشعوبها.. خلخل مفاهيم وأطروحات عديدة، واستوطن بلاد الدنيا، و
زرع الرعب في النفوس، وخلق نظامه الخاص في التعامل بين الناس، أقفل الموانئ والمطارات.. وأصبح سيد الحدود بدون منازع…
فيروس أسكت ابواق الدعاة والساسة واصحاب الخطب العقيمة..كسر أقلام المنتحلين واصاب الخيال بوقفة تراجيدية...داهم الحلم ..وايقظ كل نائم من فراش الراحة...
لجم الثرثرة الكاذبة...وافسد خطط تجار الدمار...
ليظل حلم الانسان البسيط ..في يقظة..كيف يجد رغيف يومه...؟!
ليظل الغد مجهولا ..ويظل الضيف يستنزف مصاريفه من خبز اسود ..وتظل المسؤولية تتبع طقوس الحجر كدريعة احتياطية للخروج من الزمن بأقل خسائر....



Share To: