من بين الأصوات الصارخة الغارقة ، مايتخذ لهجة الشاكي ، وما يقف موقف المتدبر ، وما يثور ثورة المتدمر ، و الذي عبر بدقة عن تدهور الروح والحضارة في الغرب ، هو الشاعر الفيلسوف الفرنسي " فاليري " في قطعة فنية ، أصبحت مدرسة " كلاسيكية " في الأدب الفرنسي ، حيث يصرح ويعترف ، أن كل حضارة ذائقة الموت بحسب التعبير الفرقاني " كل نفس ذائقة الموت " ، وحيث يرى احتضار المدنية الغربية ، وانهيار تلك الثقة ، وتلك النفس المعجبة المغرورة ، بانجازاتها وبنفسها يندر بأفول نجمها . يقول : " نحن الحضارات نعلم الآن أننا من قبيل الاموات ، لقد طرق سمعنا خبر عوالم زالت بأكملها ، وامبراطوريات انهارت انهيارا واحدا ، وذهبت بجميع رجالاتها ومعداتها ، وغرقت في أعماق العصور مع آلهتها وشرائعها ومجامعها الأدبية ، وقواميسها وآدابها الكلاسيكية والرومانطيقية والرمزية ، ومع نقذها ونقذ نقذها.
كنا نعلم جيدا ، ان كل الارض الظاهرة مصنوعة من رماد ، وان الرماد لامعنى له ، كنا نلمح عبر كثافة التاريخ ، اشباح سفن ضخمة كانت مشحونة بالكنوز وبالأفهام ، ولم يكن بالامكان حصر عددها .
غير أن غرق هذه الحضارات ، لم يكن يعنينا في نهاية الأمر ، لقد كانت لنينوى وبابل إسما جميلا ومبهما ، وان اندثار هذه العوالم اندثارا كاملا لم يكن له معنى بالنسبة لنا ، كما لم يكن وجودها نفسه له معنى.
اننا نرى ان كهف التاريخ يتسع للجميع ، ونشعر ان كل حضارة ضعيفة البنية سريعة الزوال ، شأن كل حياة....، ولا بأس من التذكير بهذه الصيحة الآتية التي ارتفعت من أفواه الشبان من كلية " السوربون " ففي سنة 1968م ، ابان ثورة الشبان في فرنسا ، كانت هذه العبارة البليغة مكتوبة على جدران السوربون في باريز وترجمتها بالعربي هي : " اننا نرفض عالما يضمن لنا ان لانموت جوعا مقابل المخاطر بان نموت غما وهما وقلقا ".
وهده شهادة يجب تكرارها ، والتنيه اليها في كل مناسبة ، بل ذهب بعضهم الى القول : ان الانسان المعاصر لايفكر او انه لم يفكر بعد ، ولكنه يعلم كثيرا ، واغراقه في التكنولوجيات وهي ضرورية ، صرفه عن التأمل .



Share To: