في السوق المركزي الضخم القريب من مكان عملي، بنهاية يوم عمل طويل ولكن لابد من بعض التّسوق الضروري، لمحتها من بعيد، امرأة تشبه أمّي ( كانت أمّي وقتها مازالت على قيد الحياة )، وكانت الحياة نفسها تشبه الحياة، نتجوّل بكامل وجوهنا وابتساماتنا بدون  نقصان أو خوف،  مرّت من بعيد بشكل خاطف وسريع، في الحقيقة أنا لمحت طولها ولون شعرها وتسريحتها، يعني طلّتها " لو كان للعذوبة لون، لكان لونها "، وكانت كطلّة أمي تماماً، خيّل لي أنّنا ماأن تبادلنا النظرات والابتسامات حتى اختفت خلف الرفوف الكثيرة العالية.
بعد دقائق انتبهت إلى سيدتين تقتربان مني وكانت شبيهة أمي إحداهما، تحدّق بي بنظرات حنونة، لاأحد يخطئ نظرات الحب، بدت عن قرب أقل شبهاً بأمي ولكن نظراتها الفاحصة الغامرة الدافئة كانت تفيض من عينيهاكما تفيض عينا أم لابنتها، لم أستغرب عندما  أخبرتني السيدة الأخرى ( كنّتها ) أنّ حماتها قالت لها: لمحت امرأة في السوق تشبه ابنتي وابتسمت لي،  لم تهتم كثيراً وظنّت أنّه الشوق( ابنتها أيضاً بعيدة عنها ) يفعل بِنَا ماهو أكثر من ذلك. وقفنا في زاوية من السوق نتبادل حديثاً غريباً بينما أرتني السيدة صورة ابنتها التي لم تكن تشبهني كما رأيت ولكنها الطلًة ربما والشوق أيضاً .

السيدة التي حدّثتني اليوم على التليفون، كانت تسأل كثيراً وتنتظر إجابات تفصيلية عن أمور فنية، في العادة يضيق خلقي من الأسئلة الكثيرة ولكن صوتها الذي يشبه صوتاً أعرفه وأحبّه كان بعضاً من هدايا الحياة في يوم ثقيل، كنت أجيبها وأنا أبتسم كأنها تراني ولما قلت لها اذا بتحبي تعرفي تفاصيل أكتر لازم تشرفي عنا في الشركة، مابعرف شو ردت، بس كأنّي سمعتها عم تقول : وصّيت أبو محمد على بيتنجان حمصي وفليفلة حدّة، ورح أعملك المكدوسات حدّين هالمرّة . 
أحب من الأصوات ماشابه صوتها / ووافقه أو كان منه مدانيا ..



Share To: