---------------------------------
القرآن الكريم يؤكد أن التجربة الشعرية ، هي تجربة هيمان غير عقلاني يتحول دونما ضابط او مبرر ، من مكان الى مكان ، ومن موقف الى موقف ، فهو غير ملتزم ابدا ، إلا أن يأوي الى ساحة الايمان ، والا أن يكون مجاهدا أو مقاتلا .
لان الشعر حسب المفهوم الايماني الاسلامي ، هو الشعر ذو الشخصية الذي يحمل وظيفة كبيرة   ويدعو الى فكرة كبيرة ، ويدافع عن عقيدة كبيرة ، والا فإنه التفكك ، والتبذل ، والانحلال ...
ويستطيع المرء ، بمجرد إلقاء نظرة على حشود الشعراء عبر تاريخ البشرية ، ان يلتقي بعدد جم منهم ماكان شعرهم بأكثر من نزوة عابرة ، وصدور عن رؤية موقوتة ، وامتداد لمصلحة قريبة ، ولقد هز كثير من هؤلاء مستمعيهم واطربوهم ولكنهم فقدوا بمرور الوقت قدرتهم على التأثير ، لان الشعر القدير على التأثير الدائم والحضور المتواصل ، هو الشعر الذي يحمل الأفكار الكبيرة .
وهكذا توجه الآيات القرآنية حملتها ضد الشعراء ، ولكنها ما تلبث ان تستثني منهم اولئك الشعراء الملتزمين * الذين امنوا وانتصروا من بعد ما ظلموا * ، هناك حيث تتحول الكلمة المبدعة الى سلاح يقاتل به المؤمنون ، وحيث يغدو الابداع فعلا وممارسة وسلوكا .
انه من هندسة الشاعر المؤمن ، المرسومة ، لكلماته وتعابيره وافكاره ومضامينه وصوره واخيلته وتراكيبه ، من قدرته على تطويع التجربة المتدفقة من وراء الوعي والشعور والتعقل ، من تمكنه من لي عنقها واستخدامها لما هو اكبر : رؤيته العقدية الشاملة ، وايمانه العميق ، ومن هنا يبدو تألق الدور الذي يؤديه ليس على مستوى الشعر الاسلامي وحده ، بل على مستوى الشعر العالمي كله .
ليس ثمة فوضى ، ليس ثمة تخبط ، ليس ثمة ضرب في غير هدف على الاطلاق ، ان الشاعر المؤمن يعرف كيف ينظر الى العالم وهو يكتوي بحر التجربة الملتهبة ، فلا ينصهر ويخرج عن دائرة الالتزام ، يعرف كيف ينظر من نافذة العقيدة التي انتمى اليها ، كيف يطل على العالم من فوق ، من المكان العالي الذي رفعه اليه الايمان ، هناك حيث يرى جيدا المسالك والمنعرحات والدروب ، حيث يرى مساحات الضوء وبقع الظلام ، حيث يعرف خارطة الأشياء فلا يتردد ، ولا يتأرجح ، ولا يهيم .



Share To: