تعرف أن بعض الخذلان – إن لم يكن أكثره – يأتينا من أنفسنا، نحيكه بأناملنا، من خيوط الكذب على النفس وخداعها، رَغم أن الحقيقة أجلى من قرص الشمس، من حب التملك لما نعلم أنه ليس لنا باختيارنا، لعجزنا أو خوفنا أو جبننا، من الأنانية والإستئثار، تلك الشهوة الخفية للإبقاء على الأشياء حولك، لا تملكها ولا تتركها ولا تدري لم؟
من بقائك وحيدًا بين الجموع لا مرغما ولا مختارا، من إدامة الوقوف على العتبة والحافة لا عبور ولا نجاة، من التربع على الهامش مجدولا بالألم لا تبرح، من إدمان التشتت بالمتناقض والمختلف، والإلتفات عند كل مفرق ومنعطف، من ادعاءات المثالية والنبل لستر العيوب وتجميل القبيح!
من ظاهر لا يعكس الباطن، من الصمت حين الكلام فرض واجب، من الحروف المحشودة على طرف اللسان لا تخرج إلا نَكِدا، من المعنى المكتوم من الكلمة تقال بغير ما تريد وتقصد، من تجاهل الموجود وإهماله، من الزهد فيه والغفلة عن جماله، من التطلع للمفقود والرغبة في اقتنائه، من توهم كماله، واستنزاف الشعور في نِشدان وصله!
كأحمق يَحُل خيط ثوب جديد ليرقع به ثوبا رثا باليا، فلا هو أبقى على ما يملك وانتفع به واستمتع وأمتع، ولا هو أفلح في صنع بديل لائق، ومن الرضى بالدنية في شعور زائف لا يروي قليله ولا يشبع كثيره!
الخذلان الذي لا يأتينا من أنفسنا أهون لأنه يكون مغلفا باللطف دوما، تدرك اللطف فيه عاجلا أو آجلا، في طمأنينة القلب الموقِنِ أنك لم تظلم، في جفاف الدمع، في سرعة نسيان، في لا مبالاة، في قدرة تَخَطٍ، في رِضى بلا أسى، في عِوَض يخلفه الله عليك، يمحو الـ "كان" يجبرك أن تسأل نفسك: هل ذقت أو جربت خذلانا قط؟
Post A Comment: