لقد كان الانفجار قويا حتى أن أعمدة السماء كادت تخر من هول الصدمة.. هرعت أتسلل كومة من البشر لا ألوي على شيء.. ووسط غيمة سوداء داكنة من الغبار المتطاير الذي حال دونما رؤية واضحة بعضنا البعض، هرولت في كل اتجاه لعلي أجد مخرجا لهذا النفق المسدود.. كانت الأشلاء التي سقطت من عل لا تزال تنبض..
" - لعل الانفجار قد أصاب الطوابق العليا من العمارة.."
- هنا - أسفل الدرج- لا يزال بصيص حياه.. " "
"- أين المنفذ؟ "
"- هل من مغيث ؟ "
أختنق ... إني أختنق ... " " -
لقد ألفت رائحة البارود.. ولم تعد الموت تهابني.. لم تعد رائحة الجثث تزكم أنفي.. عودت عيني على مشاهد بضعة أشياء من إنسان ممزقة.. وأشلاء تمشي على هذه البسيطة دونما استحياء ولا ضمير.. حتى قبل هذه الحرب القذرة كنت مجرد جسد بلا روح و حياة بلا جسد... فلمَ الخطب إذن ؟ ولمَ الفزع ؟
جئت إلى هذا العالم ليلة شتاء باردة مظلمة.. كانت أمي عشيتها، قبل أن يفاجئها المخاض، تغسل الصوف صحبة جاراتها، جوار ساقية القرية.. كان أخي الأصغر يلعب مع أحدهم.. وفي غفلة عن العيون، تسلقا ظهر ناقة كانت
ترتع بالجوار.. لم تستسغ المسكينة دعَبَ الطفلين، فهرولت لتسقط من أعلى جرف عال.
علمت النساء بالنبأ العظيم فهرولن يتفقدن الوضع.. انتشر الخبر في القرية كالنار في الهشيم.. وبعد دقائق معدودة، حضر شيخ يتوسط حشدا من رفاقه لمعاينة حال ناقته.. فوجدها قد فارقت الحياة.. استشاط غضبا.. أجحظ عينيه وانتفخت وجدتاه من الغيظ.. فرمى بكل ثقله بحزمة من الشتائم على أمي.. لم يتمالك أبي نفسه فانهال عليه بوابل من اللكمات أصابت بعضها وجهه المنتفخ.. سقط الشيخ أرضا كالمغشي عليه من الموت يتمرغ في بركة من الدماء.. فتحول النزاع إلى معركة حامية الوطيس.. تبادل الفريقان خلالها كل أنواع الأسلحة الفتاكة...
- " لقد خرج الوضع عن السيطرة يا بني .. انتقلت المعركة إلى باقي الفصائل فنشبت حرب بين القبيلتين طالت لأكثر من عشرين سنة".. تروي الجدة بألم وحسرة والدموع تتساقط على وجنتيها الذابلتين... "لقد ودعتَ أمك ليلتها وهي تلفظ أنفاسها الأخيرة من شدة الألم بابتسامة جارحة لم أراها على محياك من يومها أبدا..."
"- ماء... هواء... طفلي يختنق يا عالم..."
..." "- أمتي تحتضر يا سادة
" - أختنق.. إني أختنق..!"
" - أحترق.. نحترق!"
" - شيء من الحياء يا سادة !"
" - افتحوا الأبواب يا قادة !!!"
" - أحتضر ... نحن نحتضر..."
***
- يا إلهي !!! لقد خرج الوضع عن السيطرة ... فأين المفر ؟؟؟
****
ملحوظة كتبت هذه القصة قبل سنوات. الانفجارات تتوالى وتتكرر... هذا الانفجار كان عنيفا...
Post A Comment: