يمشي ببطء على السلالم، يعتمد على العصى،هو خارج ليشم الهواء لم يخلق ليعيش بين جدران الحجرة لقد مل المكان الذي التصق به طويلا ،كان يصيح مرارا الموت واحدة وانا لا أخاف منها ،ومتى قدمت أهلا بها ،وهو يمشي في الحي توقف أمام جاره الذي كان يشتري الحليب ،هذا الأخير لم يلتفت إليه ،وتجنب نظرته ،مهتما بمشترياته،تجنبه لأنه لصقة لاينجو ولايتملص منه إلا من وافقه على رأيه ،طاحونة كلام تعجن المفردات وتخلطها وتعيد عجنها،ازداد شراسة مع ظهور وباء كورونا،تفطن الجيران لسلوكه الجديد،يشبع ضحكا حينما يرى واحدا يحمل القناع ،آه تحول الناس إلى بط ،حبس الأنف والفم ،فمن أين التنفس والأكل،كمامة الجدي حتى لايرضع أمه، الخوف من الموت،إن الموت واحد،يدرككم ولو كنتم في بروج مشيدة، وكيف هذه القصة ،كورونا صغير ولايرى حسب الأطباء،هذه نكتة ،بل شائعة صدقها الجميع، مادام هذا المرض لايرى فكيف أخاف منه، لم يخفني الاستعمار الفرنسي وتخيفني المعكرونه أو كورونا، الحمدلله أنا لا أعطس ولا أسعل ولست مصابا بالحمى،وإذا حدث ذلك علي بالعسل والليمون، هههههه، أما في الدار تقف زوجته وأولاده لمنعه من الخروج وحثه على البقاء حتى لا يصاب وهو كبير وليس له المناعة الكافية، فهو مسؤول عن نفسه وعن الآخرين،أحيانا يسكت ويمكث مدة في الدار ،فتفرح العائلة،ومن بينهن ابنته الكبرى فاطمه حيث ترغبه في تحضير طبيخ وكسرة زمان وتبتهج حينما تشده ولو بخيط رقيق كرباط خوفا من خروجه،تجتهد فاطمة المسكينة وتنفنن في تحضير ما لذ وطاب حتى تنسيه الشارع ولومؤقتا،وفي أغلب الأحيان تنجح في إرضاء بطنه،وجنونه لأكل زمان خاصة خاصة مع الفلفل الحار، وتفطنت الأسرة لهذة الحيلة،فكلما هم بالخروج أو بحث عن عصاه قيل لفاطمة بصوت عال : ياالله طيبي الشخشوخة بالحار توحشناها ،وهي أكلة شعبية مشهورة ،تحضر من دقيق السميد وهي لفائف رقيقة تقطع وترمى في مرق يحضر لذلك ويكون باللحم والخضر،اوخليط من لحم الدجاج،ولحم الخروف وتارة لحم الأرانب ، وتقول فاطمة في الحال لأبي العزيز الذي ربانا أحسن تربية والشخشوخة ليست خسارة فيه، يبتهج لهذا الكلام المفخخ والهادف ، وينسى الخروج ،وتفرح العائلة آه لقد انتصرت العائلة على الرأس اليابس،وبقي في المطبخ مع فاطمه ،كانت تعد الأكل وتتجاذب أطراف الحديث معه حتى تلهيه وتشرح له المرض،في أحيان كثيرة يوافق ابنته ويهز رأسه، فتهتز نفسها تيها وابتهاجا ،تؤثر فيه كثيرا وكثيرا مااعلمها ببعض الأسرار،مثل مبالغه المالية الموفرة وراتبه الشهري للمعاش،فكانت صندوق أسراره، وتمضي الأيام وفي صباح باكر ،تسمع العائلة بكاء  في العمارة ،فتجري فاطمه وتفتح الباب وتسمع : سي رابح مات الله يرحمه ،أخذته كورونا ، وأهله يبكون ولا يتركونهم يذهبون معه ، وتحمله سيارة الإسعاف وتقوم فرقة طبية بتطهير المكان في الحال، وتعقيمه ،ويقام الحجر الصحي على كل سكان العمارة خوفا من انتشار الوباء، سمع الشيخ كل شيئ ،دخلت عليه ابنته وهو يرتعد ووجهه مصفر كالزعفران هربت الدماء منه وهو يقول : لاإله إلا الله  ربي يرحم سي رابح ،كورونا الذي لا يرى يقتل ! يقتل! لا حول ولا قوة إلا بالله، اليوم فقط عرف لماذا تنكر له الناس والجيران ولم يصافحوه كالعادة وهو الطيب الذي أعان كل الجيران ولم يبخل عنهم شيئا لكنه أدرك السبب ،لقد حافظوا عليه وعلى أنفسهم ،آه كدت أموت وسترني ربي،ونهض وهو يبكي وارتمى في احضان ابنته التي ضمته وبدورها بدت باكية لأمور كثيرة حبها لأبيها ورجوعه لفهم الوضعية،وخوفا على ففدانه،وخوفامن كورونا،كان الأب في نظر فاطمة طفلا صغيرا يحتاج لأن ترعاه وهاهو قد وجدها وتوجهت فاطمه بدعاء لربنا الكريم صاحب العرش العظيم أن يسترهم من هذا الوباء وانضمت كل العائلة مرددة: يارب غطنا بسترك الجميل،أما فاطمة فدعت الجميع لتناول الشخشوخة الحارة وهذه المرة بخليط من لحم الدجاج والأرانب،وداعبت فاطمه أباها: هل تخرج للشارع !؟: أبدا، أبدا،كيف أخرج تريدني أن التحق بجارنا رابح! مازلت صغيرا وأحب الحياة وأحبكم جميعا، وتضحك كل العائلة: ربي يطول في عمرك إن شاءالله.   



Share To: