صديق الآمال العظيمة الذي تصادف اليوم ذكرى رحيله:
مثل بطل المآسي الإغريقية كان يراهن على حياته ومصيره دفعة واحدة.. وشمته الحرب الضروس في واحدة من اعنف جولاتها، هناك على قمة جبل ماوت.. ولم يمنعه ذلك من ان يجهر بآماله العظام مثل بطل ديكنز، تماماً وكأبناء جيله العالقين بين زمنين.. أحلام وطموحات ومسيرة إبداعية استثنائية عقد عليها العزم ما ان نفض عنه غبار الحرب، ولم يكن يعرف ان (عجز كليتيه) بعد سنوات كان من اثارها هكذا قال له الطبيب.
في بداية التسعينيات كنا معاً كاتب السطور وحكيم جاسم وأديب كمال الدين وهو في حدائق كلية اللغات نسعى لتعلم الإنكليزية انا لاستزيد من السينما في أصل ما تصنع وأديب ليقرأ اليوت بلغته،
اما هو وحكيم فاقتحام برودواي والمسرح الملكي... هكذا شاركته بعض أحلامه مثلما شاركني ثمن استئجار منزل على أمل ان يكوّن أسرة، ولم أكن اعرف الا بعد زمن انه فعل ذلك ليعينني في احتمال ثمن (الإيجار) من غير ان اعرف.
صديقي المختار الذي طالما سكنته طيبة البدوي وبسالته أكثر من النجومية التي كان جديراً بها.. وليس غريباً ان يكون أنموذجه في حرفة التمثيل جنرال يقف منتصباً في مشهد تحت قصف الطائرات في قيامة كوبولا او جحيم كونراد.. او رغبة آل باتشينو في الحياة في عطر امرأة.. أليس غريباً ان تكون الشخصيتان مثله تماماً عندما خرج من اتون الحرب يحمل اثارها.
كان متحمساً جداً لدور حسين مردان في (خمسة أصوات) ومثل طفل كان يردد (هذا أول الغيث) وكان يعني تحقيق حلمه في تجسيد شخصيات بعينها.. عطيل شكسبير، مصطفى الدلال كما رسمه فرمان، البياتي شاعراً.
ومثل المؤدين الكبار كان يحرص على ان يلم بكل أبعاد الشخصية التي يسند اليه تجسيدها، مستبطناً أغوارها وسلوكها وتفاصيل حياتها.. هكذا فعل مع شخصية محمود العبطة الأديب العراقي في مسلسل السياب الذي لم يأخذ طريقه الى العرض، ومع شخصية حسين مردان في (خمسة أصوات) وأيضاً مع شخصية نوري سعيد في (الباشا)، وعندما كتبت عن هذه الميزة فيه مرة مشبهاً إياه بالممثل الايرلندي دانيال دي لويس قال لي: علاء أنك تبالغ.
لم أكن أبالغ ذلك اني كنت متيقناً من ثقافته والتي طالما أرى الممثل دونها مجرد ممثل.
اختار عبد الخالق منفاه مضطراً أمام رغبة الرعاع في ان يغادر مرتع طفولته عن المدينة التي يحب.. (مدينة الحرية) التي زرعت في جسده قطعة منها وتولت رعايته بشخص أحد أبنائها رفيق طفولته الذي سيتربع مثله فيما بعد على عرش النجومية كاظم الساهر، وان كان ذلك لم يمنعه وكعادته من التشبث بالأمل.. الأمل في ان يتعافى ويعود لعراق معافى.
يا صديق الآمال العظيمة لك مني أخر دمعة.. لك مني أن اعمل بالوصية بأن لا نستعمل القدح الذي أهديته الى نادين في عيد ميلادها لغير شرب الماء.
الصور معا عام 1994 في معهد الفنون الجميله يوم كان مدرسا هناك، والثانية عام 2006 في اربيل.
Post A Comment: