في الطائرة من باريس إلى لشبونة سألني مجاوري الفرنسي لماذا ساراماغو وليس "بيسوا" طالما أنك شاعر؟ كان سؤاله وطريقة نظراته تلمح في طيّاتها "ولماذا هذه الشخصية البغيضة الداعية إلى انفصال البرتغال عن أوروبا العنصرية التي تقول إن حدودها تنتهي عند جبال البرانس"؟ فأجبته بجواب لم أضمره: "لأنه وصف الوضع في فلسطين بأنه محرقةٌ نازيةٌ يمارسها الجيش الصهيوني ضد الشعب الفلسطيني، ورأى في رام الله المحاصرة معسكر أوشفيتز النازي". كانت تلك آخر جملة بيني وبين هذا الفرنسي دون أدنى شك. 

نمت في لشبونة ليلةً أنتظرت فيها صديقي العراقي محمد منديل حيث اتفقنا مسبقاً على الذهاب بسيارته إلى مسقط رأس ساراماغو. 
وصلنا فجراً إلى قرية "أزينهاغا" في مقاطعة سانتاريم حيث ولد جوزيه وعانق أشجار التين يودعها عندما أجبروا على النزوح إلى لشبونة بسبب مرض جده. الطريق من لشبونة إلى أزينهاغا مليء بطيور الدرّاج والحقول الفسيحة وكروم العنب، ويمر نهر "الموندا" بالقرب من القرية ليمنحها منظراً بديعاً، لم نكن وحدنا نطلب البدايات في هذه القرية الجميلة، كل من تراهم يضعون حقائب على ظهورهم جاؤوا لساراماغو، إلى منحوتته التي تتوسط ساحة القرية، ومنزله المتواضع. ها أنا في "مسقط الرأس" مرةً أخرى، لقد ولد هنا ساراماغو إذاً.. لهذا يرشح كزيت زيتون ويضيء!
عدنا إلى لشبونة إلى متحف ساراماغو الذي يقع في المبنى التاريخي Casa dos Bicos بأربعة أدوار. وهو مكان لائق للاطلاع على أعمال هذا الرجل المرعب بكل معنى الكلمة. ولكن لأنه متاح للجميع لم أقض به نصف الوقت الذي قضيته عند شجرة الزيتون خارج المتحف، مكان ما نثر رماد ساراماغو حسب وصيته. 
إنها أجمل مقبرة زرتها في حياتي.



Share To: