إذا كانت القصة القصيرة نصاً أدبياً يتعامل مع الحياة، وما زالت تتأبى على التعريف الدقيق، وإذا كنا جدلاً نرضى بتعريف القصة القصيرة بـ "نص أدبي نثري يصور موقفاً أو شعوراً إنسانياً تصويراً مكثفاً له أثر أو مغزى" بما تمتلك من عناصر وخصائص فنية.
قبل القرن التاسع عشر، جاءت القصة في "مصنع الأكاذيب" ومن رواده "بوتشيو"، و"قصص الديكامرون" لـ "جيوفاني بوكاتشيو".
والقصة هي لون "نوع" من ألوان الأدب الحديث ظهر أواخر القرن التاسع عشر وله خصائص ومميزات شكلية.
ثم جاء موباسان، الذي كان يرى في الحياة لحظات عابرة، لكنها تحوي من المعاني قدراً كبيراً.
ثم تشيخوف، وهمنجواي، وإدغار إلن بو، ونجيب محفوظ، ويوسف ادريس، ومهدي عيسى الصقر، .... والقائمة تطول.
إن القصة القصيرة يحكمها قانون متطور، وكما يكتب محمد خضير في "الحكاية الجديدة".
"إنّ الحكاية البليغة وسيلة لتفكيك الأشياء والعلاقات في الواقع، ثم إعادة تركيبها بطريقة تخالف توقعاتنا. وإنّ لكل حكاية قانونها الخاص، كما لكل لعبة قاعدتها الخاصة. وعن ذلك القانون تطوّر قانون القصة القصيرة."
من له موهبة، أو اهتمام في كتابة القصة القصيرة، عليه أن يقرأ الكثير ويقرأ لمهدي عيسى الصقر وفؤاد التكرلي، وشاكر خصباك، وغائب طعمة فرمان، وأن لا يغادر قراءة منجز كل من، "محمود عبد الوهاب، محمد خضير، عبد الملك نوري، محمود جنداري" مع تقديري واحترامي للآخرين.
هذا الرأي تبلور لدي من خلال قراءتي لمنجزهم القصصي، وليس إلزاماً للآخرين، وسوف اوجز الأسباب التي دعتني لهذا القول:
- محمود عبد الوهاب:
بالرغم من قلة الكم للمنجز الإبداعي لمحمود عبد الوهاب ومحاولاته المتباعدة قياساً بمعاصريه. إلا أنه كان متمكناً جداً من اشتراطات السرد في فن القصة القصيرة. نساج ماهر، أو كأنه عندما يكتب قصة قصيرة يعمل مثل نحات ماهر، يشغل ازميله بدقة لتأتي القصة ملؤها الجمال.
ويقول عنه الاستاذ محمد خضير: "... وعي نقدي متقدم ونفسية متكتمة منطوية على برهانها."
- محمد خضير:
قصص محمد خضير تشكل، ما يمكن تسميته "حقلاً سردياً جاذباً" لا في العراق، بل في الوطن العربي: ينطوي على قوى أدبية فاعلة، بكرت في إنجاز الغرائبية والملحمية عبر السرد القصير. "مرآة السرد عبد الرحمن طهمازي ود. مالك المطلبي."
لا يوجد شك بأن محمد خضير "يتربع على عرش السرد" متمكن من أدواته، وله مرجعياته الغنية، ولديه تجربة ثقافية واسعة ونوعية. اسلوبه متفرد ومتجدد، يكتب بلغة راقية بما يمتلك من قوة العبارة واحالاتها. وقد أغنى السرد، ليس على مستوى العراق، بل على مستوى العالم العربي.
- عبد الملك نوري:
اشد ما يعجب المرء في عبد الملك نوري هو الإخلاص في كتابة القصة القصيرة، وقد بذل جهداً ووقتاً في كتابة كل قصة من قصصه. ويعد من الذين اسهموا في ترسيخ تقاليد فنية استفادت من تقنيات القص العالمي. وكما كتب سليم عبد القادر في قصاصون من العراق: "ويتميز عن قصاصي جيله بأنه قاص سلوكي، يهتم بمشكلات الواقع السياسي والاجتماعي من خلال ما يتركه هذا الواقع من تأثيرات على سلوك الفرد الانساني."
- محمود جنداري:
كان مشروعه ثقافياً "قصصياً" من خلال استعماله "للأسطورة" واختراق "التاريخ"، وكان سرده باهراً ليس مألوفاً من أجل "التعامل بوعي مع الواقع، وتحقيق رؤية ناجزة للعالم." فقد ابتعد عن النمطية في السرد. فهو فنان ماهر في فن القصة القصيرة."
Post A Comment: