يركض ويركض يسابق الريح،ويقف فجأة ويثبت حوافره في الأرض ويغرزها،ويعلو غبار كثيف يغطيه عن الأنظار،يصهل ويرفع قائمتيه الأماميتين ويثبت الخلفية ويرتكز عليها،ويعلو رأسه نحو السماء يقول لها ها أنا مهما علوت وتعاليت فإنك في متناولي،متى شئت وأينما حللت فالبراري كلها لي بوديانها ومروجها،أطويها طيا كصفحة كبيرة ألفها لتصبح في قبضتي ،ويصهل مرة أخرى فتردد الوديان صوتة وتقول له لبيك أنا أذن صاغية لما تامر اوتفكر فيه، ويضرب مرة أخرى الأرض وتحتك حوافره بها فيلمع البرق،وكأنه يقول للبشرية أنا مكتشف النار،والفكرة نبعت من قوتي قبل فكري،ويسود هدوء وسكينة ويحط رأسه ويشرع في الأكل ،برسيم وحشايش غضة أينعت لتكون هدية حصاني البني يعرفني ويفهم لغة الجسد أتكلم معه وكأنني أخاطب شخصا ،يفهم ما اقول حينما أردف كلامي بالإشارات والحركات ،ذكي يربط بين الكلمة والإشارة،وأحيانا أعزل الإشارة عن الكلمة فيفهم وأحيانا أعزل الكلمة وأبقي الإشارة فيفهم ويؤدي الحركة بنباهة ،واتحسس جيبي وأخرج قطعة السكر وأضعها في فمه فأحس بسعادته ويشكرني حينما يتحكك برأسه على كتفي وأرد عليه بأن أضرب بخفة على عنقه فيرفع رأسه عاليا ويصهل جذلا مبتهجا في تيه وكبرياء،إنه حصاني البني الذي يحبني فلا يعرف الحقد ولا الكراهية،فكلما أدنو منه يذوب عطفا ورقة،ويعاملني معاملة القلب الأبيض لحصان لا يعرف إلا الحب الذي ينقص عند البشر،ولايعرفون الصداقة مثله ،ولا الوفاء ولا رد الجميل ،إنهم عبيد نزواتهم ،يميلون ميل المصلحة واتجاه اللذة، فيخوصون بحرا من الدماء إذا لمع من ورائه دينار، أما حصاني فلا يعرف إلا حفنة شعير أو قبضة حشيش. كبر الشاب مع الحصان الذي كان مهرا صغيرا كأنه ريم الفلاة فقط بدون قرون ،كان يلعب والفتى يلعب معه،فاكتسب كل واحد حب الآخر وثقته ولم يفرق بينهما إلا المبيت،وأصبح المهر الصغير حصانا وتحول الفتى بدوره إلى شاب قوي يافع ،يتمتع بصحة جيدة ،وكان عندما يسأل عن صحته يقول انظروا إلى حصاني تعرفون النبأ، كان الشاب أحيانا يقلق ولاينام، عندما يوجه لنفسه هذا السؤال هل يكبر حصاني ويهرم وتصيبه الشيخوخة مثل البشر فمن يحمل الآخر وأنا اعتمد عليه فهو مركبي وعربتي وركبتي التي أعتمد عليها وعصاي !أحقيقة يكبر مثل البشر وربما! وربما ،،،لا اقدر أن أصرح بها أيمكن أن ي. م.و.ت ! ماذا قلت أعد يموت،،،يموت مستحيل ،،مستحيل! يالها من أفكار شيطانية وينهض في الظلام الدامس يتحسس الطريق ليتفقد حصانه ، كان خائفا يتخيل حصانه ممدودا على الأرض وهو مغمض العينين! أيحصل هذا لحصاني ويتركني، إنه فخري واعتزازي ورجولتي ،يقرب لي المسافات ،ويجعلني اعيش في السماء أعانق الريح تضرب صدري فأضمها إلي،وأنا اغني أغاني الرعاة والطبيعة وخرير المياه،فإذا غاب عني تغيب الحياة وتتحجب الشمس وتجف العيون والسواقي ويرجع لنفسه ويفيق من تشاؤمه،ويرى حصانه آه إنه هنا كالطود الأشم شامخ الأذنين، الحمد لله،الحمد لله،مازال واقفا، نظر الحصان إليه وكأنه يقول له: ألم تنم بعد إنها ساعة متأخرة من الليل ،أخفت علي !!
Post A Comment: