تناول هذا الكتاب مختارات نثرية نقلها المؤلف من الروسية إلى العربية، وهذا من الأعمال الرائدة في الترجمة إذ القليل من يحسن اللغة الروسية، وأقل منهم من يحسن صياغتها في قالب عربي مبين، وإذا كان الأدب الروسي، قبل بوشكين، قد اغتنى عند شاعر أو آخر من شعراء روسيا فهو مع بوشكين انفتاح على الأدب الإنساني كله وهو الوقت نفسه نفثات قومية تركت بصماتها قوية على صفحات الأدب الروسي نثره وشعره.وقد قام بوشكين بتشذيب تلك اللغة وتبسيطها لتصبح سهلة مفهومة، لذلك فهو يعتبر واضع أسس اللغة الأدبية الروسية الحديثة، ولعل هذه النقطة هي احد الدوافع التي حدت به الى طرح مواضيع القرآن الكريم التي أخذها عن الترجمة القديمة فيقدمها شعراً الى عامة الناس ليتسنى لهم فهمها والاستفادة منها.
القارئ، وهو يطالع بوشكين، يحس بإنسانيته وبساطته وعبقريته الوضاءة . قال عنه دوستويفسكي.(ان جميع الاشياء الموجودة لدينا الآن إنما تنبع من ينابيع بوشكين المستديمة ..فليس هناك شاعر روسي كان متعلقاً ومرتبطاً بالشعب الروسي كالشاعر بوشكين)
وصف قصير ترجمة غائب طعمة فرمان
(يبدو إن الكتابة عنه تصعب، أكثر ما تصعب، على إنسان يسهم، ولو بقدر متواضع، في الفن الذي جعل له بعبقريته قوة سلطان على قلوب الناس لا تفنى حقاً.إذ ما أرهب أنْ تقال هنا ولو كلمة واحدة غير صحيحة، لا سيما وأن كثرة من الكلمات الرائعة قد قيلت عنه جديرة باسمه وبمآثرته من قبل جميع أولئك الذين يشكلون معه الصيت العالمي للأدب الروسي. إلا أن لكل واحد منا بوشكينه الذي يظل واحداً للجميع.إنه يدخل حياتنا منذ بدايتها ولا يفارقناحتى النهاية. لقد عرفت بوشكين في تلك السن التي يلذ لك فيها أنْ تسمع أكثر مما يلذ لك أنْ تقرأ بنفسك.وبالسماع عرفت قصيدته «حكاية عن القيصر سلطان» و «موقعة بولتافا» من قصيدته «بولتافا»، و «حلم تاتيانا» من الرواية الشعرية « يفغيني أونيغين»، و «العريس». إلا أن «ابنة الآمر» كانت أول كتاب قرأته في حياتي.وأنا أتذكر شكل الكتاب، ورائحته، وأتذكر مبلغ سعادتي من اكتشافي لهذه القصة بنفسي، ولم أكن أعرفها بالسماع. لقد استولت عليَّ، فكنت أطيل الجلوس عند نافذة البيت حتى حلول الظلام، وعندما وصلت إلى وصف زوبعة الثلج في سهب اورنبورغ تراءى لي أن الثلج راح يتساقط وراء النافذة، وقد صار ذلك انطباعاً لم ينمح حتى الآن، وكأنه قوة سحرية منبعثة من صفحة بوشكين هذه.ومنذ ذلك المساء صرت قارئ كتب، وأنا أعتز اعتزازاً لا حد له من أنني مدين بذلك لبوشكين.ومن ذا الذي لا يدين له بفرحة الاهتداء، منذ فجر حياته، إلى الينبوع الذي يرشف منه فيما بعد طوال الحياة ! ولكن إذا كان بوشكين يأتي إلينا منذ الطفولة، فنحن لا نصل إليه، بصورة حقيقية، إلا من مرور الزمن .)
تاثر الشاعر بوشكين بالقرآن الكريم وسيرة الرسول تأثراً حضارياً وروحياً .
قصيدة يستهل باقتباس القسم القرآني للعديد من الآيات القرآنية الكريمة ( والشفع والنجم ) ثم يأتي هذا القسم مقطع يستلهم من سورة الضحى وصف معانٍ الرسول حين فتر الوحي وأحزنه ذلك كما في الآيات (والضحى والليل اذا سجى ماودعك ربك وما قلى )
— اقسم بالشفع والوتر
وأقسم بالسيف وبمعركة الحق
وأقسم بالنجم والصباح وأقسم بصلاة العشاء
لا، لم أودعك
ثم يصور بوشكين في المقطع الثاني قصة خروج الرسول مهاجراً الى المدينة وقد وردت القصة في الآية (٤٠) من سورة التوبة ثم يعود لاستلهام سورة الضحى في ختام القصيدة .
(فإما اليتيم فلا تقهر )
احب اليتامى وقرآني
وبشر المخلوقات المهتزة
بوشكين قد تجاوزا منذ زمن بعيد حدود وطنه... تطوره التاريخي وتناميه مرتبطان ارتباطاً متلاحماً بأعظم اللحظات التاريخية في حياة الشعب.
Post A Comment: