Articles by "نقد"
‏إظهار الرسائل ذات التسميات نقد. إظهار كافة الرسائل


فلسفة الألوان ومآرب أخرى في ديوان ( لحن بأصابع مبتورة ) للشاعرة سميرة عبيد | بقلم الأديب المصري محمد فؤاد محمد


فلسفة الألوان ومآرب أخرى في ديوان ( لحن بأصابع مبتورة ) للشاعرة سميرة عبيد | بقلم الأديب المصري محمد فؤاد محمد


الشاعرة سميرة عبيد شاعرة قطرية متميزة نشطة أثرت الحركة الأدبية بدولة قطر بإنتاجها الغزير ونشاطها المتميز ودواوينها الشعرية وسفرياتها الأدبية في معظم الدول العربية فعلى مستوى الإبداع قدمت للحياة الأدبية  خمس مجموعات شعرية هي : ( أساور البنفسج ) آكد للترجمة والنشر لندن /القاهرة 2013م (ولحن بأصابع مبتورة ) فضاءات للنشر والتوزيع عمان 2015م و ديوان ( شجرة في جذع غيمة) مؤسسة أروقة للدراسات والترجمة والنشر القاهرة 2015م  وديوان ( كأنَّه صوتي ) منشورات ضفاف البيروتية 2016م . والديوان الذي بين أيدينا هو ( لحن بأصابع مبتورة ) وقد راق لي أن أتحدث عن فلسفة الألوان في الديوان حيث تكررت كثيراً مما دفعني لترصدها وتتبعها في الديوان   لتكون أساس نظري في هذه المجموعة كما لم أغفل بعض الجزئيات الأخرى المتفرقة  التي استرعت انتباهي في الديوان  الذي تبلغ عدد صفحاته 102 صفحة من القطع المتوسط واحتوى على ثمان عشرة قصيدة متنوعة الطرح  تنوع ثقافة الشاعرة التي جال خيالها في ابتكار عناوين مدهشة للقصائد مابين المعنوي والوقعي وبين التاريخ والجغرافيا وتنوعت العناوين حتى استوعبت أسماء بلدان  ومدن "سوريا "بغداد" ونيل مصر و"المورسكي " آخر حصون الأندلس وكذلك مما يدلل على سعة اطلاع الشاعرة وثقافاتها المتنوعة  والنصوص التي نقلتها لتفتتح بها قصائد الديوان تدل على ذلك أيضاً فقد افتتحت  بعض القصائد بأسماء مثل : "فرناندوبيسو" ، "أندريه بروتون" ،فريد الدين العطار "، "محمود درويش " "أنسي الحاج "،" رابيندرانات طاغور" ..

وبعد هذا الاستطراد الذي ألقى بظلاله على عنوان  مقالتي التي أردت كتابتها وهي "فلسفة الألوان .." في ديوان الشاعرة سميرة  وأول قصيدة "بورتريه لآخر العنقود"1  القصيدة كتبتها لابنتها "بدرية" وقد نسجت الشاعرة على كل حرف من اسم ابنتها مقطعاً شعرياً فعن حرف الراء  جاء  قولها " رقصة الخيمة وارفة الظلال تبتسم للعابرين في مواسم البنفسج " فهنا نقف أمام صورة صورة شعرية ضاحكة مستبشرة صبوحة مبتسمة في موسم البنفسج  وعبارة مواسم  البنفسج تبهرنا بمنظر جميل عجيب فالبنفسج يتشكل من عدة ألوان كما ينبعث من العبارة عبق البنفسج وهكذا لكل حرف من أحرف اسم ابنتها له تشكيله الخاص به الذي يصب في شغف الشاعرة بآخر العنقود أما قصيدة "نوتة"2  فتبدوالقصيدة كأنّها كرنفال ألوان فيها الأخضر والأزرق والبنفسجي   وتنتشر في القصيدة  روائحة العطر كما تنبعث الموسيقى في جو خلاب وتصوير شعري رائع يكشف عن تنوع ميول ومواهب الشاعرة وقدراتها إذ تقول الشاعرة " دمعة تحكي لون الأخضر في صخب البحر لون بحر أزرق لدمي بين روحي وقلبي " ثم تسترسل لتضفي على الألوان عبقاً من البنفسج " هذا المهد المستوحش حالماً بعين البنفسج في جذور الهمس يضيق العطر في النحر " وننتقل من الدمعة التي تحكي لون الأخضر إلى جنون الأخضر  حيث تقول في قصيدتة " جنون" 3 "جنون الأخضر رائحة الموج عبق الصباح  صمت الوجود أي لون تعشقه أيها المتموج فيَ ؟أي عطر يرويك ؟ وهنا تقف الشاعرة بين نزق الأخضر وجنونه وبين رائحة الموج و عبق الصباح ولولا أن الشعر هو لغة المدهش واللامعقول لقلنا  جنون الموج ورائحة الأخضر ولكن الشاعرة جعلت للموج رائحة وللأخضر جنوناً وللصباح  عبق ثم تنهي جملتها الشعرية بالسؤال الذي له مابعده  من قاموس الشاعرة ذات الصور المتموجة المدهشة  المعطرة  وكما أن للأخضر جنونه فإن للعبق جنون وللبنفسج جنون عند الشاعرة " انتظرني لبقية العمر أنا عبق جنون "وقولها "جنون بنفسجة يفتك بها البحر " وتتقاطع الألوان مع العطور هنا في قول الشاعرة " وجوه قزحية تحدق في طقطقة حذاء أسود يرتبك لجلبة العين بين طاولات الأمس ..نظارات تستنشق عبق عدسات عطري من بعيد فللنظارات هنا أنوف تستنشق العبق ولأن القصيدة عنواها "جنون" فتفاجئنا الشاعرة بصورة مدهشة حدَّ الجنون بل هو جنون مارق "دقت أجراس الكون في شفتيّ هذا الجنون المارق  يهدهد أجنحة الغياب " تصور معي أنَّ الجنون يهدهد أجنحة الغياب حقاً إنَّه جنون مارق .. ولا تزال الألوان في القصيدة متنوعة "شريدة تزهر غيمة فراشة  ..نصف العبارة .. والكأس فارغ هذا المساء "  والشاعرة في في هذه القصيدة تتماس مع الشعراء  " السياب "  والفيتوري  ومع الشاعر الفرنسي " بودلير" في "أزهار الشر" فتقول " مطر السياب  ..شمس الفيتوري  طائر الفينيق ..تطل من مراياك يابورخيس  زجاج القصيدة يتبخر من لظى حرفك  وأنت في قمة الرؤيا .. أحرس أزهارك يا بودلير في الحلم  لا أعرف متى تداهمني فصول القبح .. كي تزهر الحياة ؟ "4

و في في قصيدتها القصيرة " صورة " 5 "أترقب طيفاً هارباً من أحمر شفاه  يبتلع عزلة شمس  .. ريق رمل يتعرى حالماً بملوحة بحر يبتل بالنور .. أنا شعرة بيضاء .. تدور معها زوابع الصحراء  .. من أقصى الروح إلى أقصى الظمأ  بحثاً عن خيمة لدم الواحة " وتنتقل من لون أحر الشفاه الصارخ للون بارز الظهور مسيطر أيضاً هو الأخضر " أخضرُّ في قارورة النخلة اليابسة  .. أـجرع مجرى  الماء في سرداب الزمن  أغني لإيروس " شعرة بيضاء رمز للهرم تناسب النخلة اليابسة إلأ أن اللون الأخضر يجدد الأمل والنماء والاخضرار

ومن" الصورة " إلى " يد رجل ينام في قلب الصورة " 6 هكذا عنوان القصيدةـ  يباغتنا " الزمن الرمادي " و" رائحة الانتظار " و "الروائح المعشوشبة " و "عطر واحد لايكفي " وتتنوع عطور الشاعرة للحد الذي تتعطر فيه  بنجميات الألم كما في قصيدة  "قناع" 7 " أرتدي حزني بداخلي .. أتعطر بنجيمات الألم "  وفيما مر بنا من نصوص نرى الشاعرة تجنح في مجازها لحد الدهشة والإبداع والعمق وما أجمل الرحيق حين يكون رحيق الوطن كما جاء في قصيدة " قطر التاريخ  "8 "أتشبث برحيق ماتبقى من وطني " وكثيرًا مانرى الألوان تتشابك متناغمة كما ورد في قصيدة " إبرة " 9"تهاب العزلة مصلًا بنفسجيًا ضوء خافت  يرش حمرة صفراء على ملاءة سرير غرفة بيضاء تزقزق ستائرها  لي خلسة بالأخضر: أنا من هجرها النهار  وصرت ليلًا تحتضر فيه عجلات  صغيرة سوداء ترقص على صرير  حرارة  تقوض ألوان الصمت "  .. " تحمر يد الممرضة الفاتنة  خجلًا  من فتاة كنت أشبهها في النهار"  حتى حمرة الخجل شملها ديوان الشاعرة  وختام القصيدة لون  فقد ختمتها باللون الأبيض لكنه موحش  " ومن مساحة البياض الموحش أراقبني وأنادي سرًا شاهدتي "  وتفتتح الشاعرة قصيدتها "جميرا " ب " كأس شاي منعنع /بأظافر برية / تهدهد أغصان قلب أخضر " فاللون والرائحة لايفترقان إلا قليلاً عند الشاعرة لكن سرعان ماينقلب نعناع الشاي إلأى دخان يتطاير ويتصاعد من السفينة " تيتانيك " وتبقى غريبة ترتشف ما تبقى من الشاي على حد تعبيرها

وإذا كانت الألوان آسرة ولها حضورها في الديوان فكيف إذا كانت عنواناً لقصيدة  " بنفسجة بغداد"  فنقرأ هذا المقطع المطرز بالألوان  الذي يتخلله رموز فرعونية  وكأنها زركشات الفراعنة " فيك افجر بنفسجتي  / كي تنعمي بشمس أبينا رع / إليك يابغداد أصابعي / لتعزفي لأطفالنا غداً أخضرا / سأرويك بدمي لنروض هذا الجرح  .... غداً ستمطر سحابتنا بنفسجة / لنحلق من جديد في سماء تشبه أحلامنا  /  نراقص الرياح المغدورة / ندعوها لتحيا من جديد في حديقتنا  زهراً / كي تنعم بالربيع " وكلمة الربيع هنا كلمة مكتظة بالألوان المتنوعة  والجو المنعش والرائحة الجميلة  

ومن بغداد للنيل ففي قصيدة " هواء النيل "12 يتطاير العطر واللون ويصبح للعطر ذاكرة وذكريات :

" للنيل ذاكرة العطر/حكاية طيور البجع / تغمرني في اللحظة " ومن يرد النيل لابد أن يعرج بقلبه قبل قدمه حيث الأزهر الشريف والسيدة زينب  حيث الأصالة والتاريخ والعلم والحضارة والهداية "مجازات جامع الأزهر والسيدة زينب هو عبق الخشوع" فللخشوع عبق  و هنا نشمُّ عبق الخشوع بوجداننا  كما نشمُّ بأرنبة أنوفنا روائح الفل والورد من بائعة الفلّ " أيها العابر في زحمة الأشواق/ تذكر كم كان السفر جنوناً/وكم كان خبر بائعة الفل / وردا / تلك الرائحة تستبطنها  أرنبة أنفي "  ومازلنا مع الفلِّ والورد والرياحين بألوانها ومتعتها ففي قصيدة "زهرة"13 نشاهد الحدائق مجنونة برائحتها " أيها البحر العالق بيني وبين زهرة الليل / تجولت في جنون حديقتك" وتناغم الألوان يزداد ألقاًعندما تلامسه الطفولة البرئة في قصيدة " وجدان "14

روض من الحب بالأزهار مزدان    أهكذا أنت في الأرواح وجدانُ

يامهجة القلب مامرت بنا سنة   إلا وفاح بروحي منك ريحانُ

وهكذا تستطرد الشاعرة في قصيدة رقيقة وتصف مشاعرها وحبها :

"أنا أحبك مذ أشرقت ناضرة   وغصنك الغض في في الأفياء فينان

فاستفسري القلب عن شوقي وعاطفتي  يخبرك عن جمرة الأشواق شريان

ها أنت في الفرحة الكيرى بنفسجتي   على جنينك إكليل وتيجان

وقبل أن نغادر الديوان نرى الشاعرة تحتفي وتهتم برموز الأدب  والفكر العربي والعالمي وكذلك البلدان العربية والإسلامية وقضاياها متواجدة بقوة عند الشاعرة  : قطر وطنها ’ ونيل مصر وأزهرها , بغداد ’ جبل قيسيون , الأندلس  فعن الأندلس جاءت قصيدتها " المورسكي " 15:  

مرَّ طارق من هنا / خلف باب السفينة / من أحرق ملوحة البحر؟ / من أهدى فينوس قلبه ولعاً بمرايا المتوسط ؟  / يذوب التاريخ  وتحكي أندلس حزنها / أين من لايهابون المستحيل ؟ أولئك الذين شيدوا بطولاتهم / في قصر الحمراء/ أولئك الذين زرعوا أشجار الكولونيا في الزهراء  أين ابن زيدون ولسان الدين الخطيب ؟ / حضارة الماء والعشب أحرقتني  وأنا أستعيد حرقة المورسكي " وتظل الشاعرة في حرقتها على الفردوس المفقود وعلى حضارة ظلت قروناً تزخر بحكايات الأشعلر والأدب والموسيقى والحدائق وتظل ّ تذكر مدنها ومعالمها المحفورة في وشم الذاكرة مثل : غرناطة وقرطبة وأشبيلية  والشاعرة لا تتخلى عن الأمل رغم آلام الماضي الحزين فتختتم قصيدتها بالتطلع لعودة أمجاد الماضي وحضارته هناك  " أـوق لشمسك الذهبية على حديقة العمر  متى ترجعين إلى حظوة العرب وتشرقين في وجه من سلبوك الحضارة   ’ كي تعودي إلى سواعد الرجال فلتحي أيها المورسكي في قلبي مادام القلب يخضر في عروبته المنسية "

وهكذا  تستدرجنا الشاعرة من ظاهرة الألوان إلى غيرها  فأرانا قد زلفنا لمآرب أخرى

ولإبداعتها الجميلة الجادة

محمد فؤاد محمد

هوامش : 

1ـ قصيدة بروتريه لآخر العنقود  ص 11

2ـقصيدة نوتة ص 15

3ـ قصيدة جنون ص 19

4ـ قصيدة جنون ص 25

5ـ قصيدة ص 27

6ـ  يد رجل ينام في قلب  الصورة ص31

7ـ قصيدة قناع ص 35

8ـ قصيدة قطر التاريخ

9ـ قصيدة إبرة ص 39

10ـ قصيدة جميرا ص 47

11ـ قصيدة بنفسجة بغداد ص 51 

12ـ قصيدة هواء النيل ص 57

13ـ قصيدة زهرة ص 63

14ـ قصيدة وجدان ص67

15ـ قصيدة المورسكي ص 91




 

سلسلة: "شاعر وقصيدة" الجزء الثاني إعداد وتقديم: ذة أمنة برواضي | الحلقة 49 مع الشاعرة: سعيدة افقيرن


سلسلة: "شاعر وقصيدة" الجزء الثاني إعداد وتقديم: ذة أمنة برواضي | الحلقة 49 مع الشاعرة: سعيدة افقيرن


الهدف من السلسلة التعريف بشعراء مغاربة، وتسليط الضوء على مسيرتهم الإبداعية، وتقديم نموذج من شعرهم للقارئ.

الحلقة 49 مع الشاعرة: سعيدة افقيرن. 

السيرة الذاتية:

الشاعرة: سعيدة افقيرن 

من مواليد البيضاء 

الاجازة في الحقوق بجامعة الحسن الثاني بالبيضاء

متزوجة 

عملت مدة بالتدريس 

ثم عملت كمساعدة بالصيدلية 

عاشقة للغة الضاد 

انا في طور إعداد اول ديوان لي أن شاء الله سيكون آخر السنة

القصيدة:

أيّها الفجرُ الحبيسُ

وراءَ أفقِ انتظاري

لا زلتُ أكنّسُ الغيومَ

عنْ أجنحةِ الحمامِ

و أُعدُّ للقياكَ عمراً

منَ الشوقِ  .. من  الأحلامِ

وحدي أنا   و  الليل .. 

و صوتك صرير قلمي 

المتأرجح بين يدي 

ثملاً من نشوة الكلام

أستنشق عبير الماضي 

يهديني لطريق الحنين 

يبدأ الصراخ والضجيج الداخلي

سأغلق  دفتري

خشية أن تحرقه هذي الذكريات

ليتني تنبأت بتأويل الغياب 

لسبعكَ العجاف

‏كي أدخر سنين قربكَ

‏و أملأ مخازن الروح 

بسنابل لقياك....

دونك لا لون للسماء.. 

لا عبق  للأرض ..

لا شعاع للقمر . 

دونك .. 

الأوتار لا تعزف 

اللحن لا يطرب .…

النغم طائر حزين ..

دونك لا موج يراقص قلبي 

لا نسمة تلامس رئتي 

لا نبض تقلقه لهفة الانتظار 

دونك..

كل الأشياء تتساوى ..

كل النجوم تتهاوى ...

كل الحقائق تبدو سراباً 

دونك ...

مركبي تائه 

مجاديفي محطمة ..

دونك لا أعرف من أنا ...

أيّها الفجرُ الخَبِيءُ

في صدأ الدمعِ

ترجّلْ عنْ صهوةِ الليلِ 

خلفَ هدبي .. أجفاني

قد آمنتُ بكَ وعداً

فتعالَ أسوّرُكَ

 بغدٍ منَ اللوزِ و الأماني..



 

حازم الحموي..وطن يغفو بين اللوحات | بقلم الكاتب الصحافي خالد جهاد


حازم الحموي..وطن يغفو بين اللوحات | بقلم الكاتب الصحافي خالد جهاد

 


ريشة تغرد خارج السرب.. لا تعترف بحدودٍ أو قيودٍ فيما تقدمه من فنٍ يخضع فقط لجمال الفكرة المنفلتة من عقالها، وهو ما يكفي صاحبها حتى يبدأ في التحليق بين لوحاته من حالةٍ لأخرى دون أن تكون امتداداً لها وكأنه يعيد اكتشاف ذاته وموهبته كلما عانقت يده الفرشاة والألوان وكلما هبت رياح الإبداع على قلبه لتنبأ بميلاد عملٍ جديد يتنفس حباً وحنيناً إلى مدنٍ يظلل شرفاتها الياسمين الدمشقي وصخب الحياة التي تطل علينا برفقته وكأنها صفحات من دفاتر رسم الأطفال بتوقيع الفنان التشكيلي السوري حازم الحموي..


التنوع في أعماله يعكس مزاجيته ومزاجه الشخصي الباحث عن التجدد والرافض لسجن موهبته ضمن إطار معين برغم أن الطبيعة والأرض هي المحرك الرئيسي للوحاته التي يحمل العديد منها البصمة الإنطباعية في عالم الفن، والتي لم تحد من قدراته وشغفه برسم البورتريه وفن الكاريكاتور الذي يقدم أحياناً من خلاله قراءةً للواقع بأسلوبٍ ذكي بسيط ولاذع، كما يستذكر معه وجوهاً بارزة لها مكانةٌ كبيرة في قلوب الناس، ويضع فيها لمسته التي تجمع أحياناً بين السكون والشغب، فنرى على سبيل المثال العاصمة السورية دمشق بحاراتها العتيقة وبيوتها الأصيلة متجددةً في كل لوحة حيث يحرص على تقديمها بروحٍ مختلفة في كل مرة رغم تجذرها في وجدانه واستقرارها في ذاكرته التي وثقت الكثير من الجمال السوري بالتوازي مع نقله لويلات الحرب والدمار والتهجير..


فحضور سوريا طاغٍ لا تخطأه العين ونرى ذلك الوجع يتجسد في عدة أعمالٍ تعزف على وتر الحياة الضائع والبيوت المهدمة التي تشكل حاضنةً للقلوب والبشر والطبيعة، تلك التي تبكي بحرقة بين أزهارٍ وطيور تحن الى جذورها وموطنها الذي باتت نظرتها له متشبعةً بالحزن والسوداوية بعد أن كانت مثالاً للحلم الجميل الذي يكبر على ضفاف الأنهار ويصنع من الغيوم التي تتكرر في أكثر من عمل مظلةً ووسادةً ومعطفاً يدفأه في رحلته عبر المدن من دمشق  والسلمية إلى برلين، والتي لم يفوت فرصة رسمها بأسلوب شاعري وبألوانٍ تحمل معها أملاً في قادم أجمل يمطر حباً وحياة..


كما أن حازم الحموي يستخدم من الأدوات والخامات ما يشعر أنه قادر على إيصال فكرته بأفضل شكل ممكن، فتتنوع اختياراته التي تارةً تأتي منفردةً وبسيطة وتارةً تأتي لتجمع أكثر من عنصر خلال الرسم وتنفيذ الأعمال كالغواش والغرافيت الملون والألوان المائية والزيتية وألوان الباستيل وأقلام الرصاص والحبر والخشب والأكريليك والقماش، مما ينعكس على لوحاته فيكسبها دفئاً وتناغماً يميزها عن غيرها، وبرغم أن العديد من أعمال فناننا تنم عن حرفيةٍ وتمكن إلا أنه يرسم بروح الهاوي الذي يعشق ما يقدمه ويتعامل مع شغفه ببساطة وحب وقدرةٍ على تحويل مشاعره وذكرياته إلى فنٍ مميز لا ينفصل عن قلبه وموطنه الذي تحول إلى حقيقةٍ تغفوا بسلامٍ وأمان في لوحاته..


حازم الحموي..وطن يغفو بين اللوحات | بقلم الكاتب الصحافي خالد جهاد

حازم الحموي..وطن يغفو بين اللوحات | بقلم الكاتب الصحافي خالد جهاد

حازم الحموي..وطن يغفو بين اللوحات | بقلم الكاتب الصحافي خالد جهاد

حازم الحموي..وطن يغفو بين اللوحات | بقلم الكاتب الصحافي خالد جهاد

حازم الحموي..وطن يغفو بين اللوحات | بقلم الكاتب الصحافي خالد جهاد

حازم الحموي..وطن يغفو بين اللوحات | بقلم الكاتب الصحافي خالد جهاد

حازم الحموي..وطن يغفو بين اللوحات | بقلم الكاتب الصحافي خالد جهاد

حازم الحموي..وطن يغفو بين اللوحات | بقلم الكاتب الصحافي خالد جهاد

حازم الحموي..وطن يغفو بين اللوحات | بقلم الكاتب الصحافي خالد جهاد

حازم الحموي..وطن يغفو بين اللوحات | بقلم الكاتب الصحافي خالد جهاد

حازم الحموي..وطن يغفو بين اللوحات | بقلم الكاتب الصحافي خالد جهاد

حازم الحموي..وطن يغفو بين اللوحات | بقلم الكاتب الصحافي خالد جهاد

حازم الحموي..وطن يغفو بين اللوحات | بقلم الكاتب الصحافي خالد جهاد

حازم الحموي..وطن يغفو بين اللوحات | بقلم الكاتب الصحافي خالد جهاد

حازم الحموي..وطن يغفو بين اللوحات | بقلم الكاتب الصحافي خالد جهاد

حازم الحموي..وطن يغفو بين اللوحات | بقلم الكاتب الصحافي خالد جهاد

حازم الحموي..وطن يغفو بين اللوحات | بقلم الكاتب الصحافي خالد جهاد

حازم الحموي..وطن يغفو بين اللوحات | بقلم الكاتب الصحافي خالد جهاد

حازم الحموي..وطن يغفو بين اللوحات | بقلم الكاتب الصحافي خالد جهاد



حازم الحموي..وطن يغفو بين اللوحات | بقلم الكاتب الصحافي خالد جهاد
حازم الحموي


حازم الحموي..وطن يغفو بين اللوحات | بقلم الكاتب الصحافي خالد جهاد
خالد جهاد 




 

سلسلة: "شاعر وقصيدة" الجزء الثاني إعداد وتقديم: ذة أمنة برواضي | الحلقة 48 مع الشاعرة: لطيفة أثر رحمة الله


سلسلة: "شاعر وقصيدة" الجزء الثاني إعداد وتقديم: ذة أمنة برواضي | الحلقة 48 مع الشاعرة: لطيفة أثر رحمة الله


الهدف من السلسلة التعريف بشعراء مغاربة، وتسليط الضوء على مسيرتهم الإبداعية، وتقديم نموذج من شعرهم للقارئ.

الحلقة 48 مع الشاعرة: لطيفة أثر رحمة الله.

السيرة الذاتية:

الشاعرة لطيفة أثر رحمة الله 

من مواليد 1978 بالصويرة

 حاصلة على الإجازة في الأدب العربي سنة 2004 بكلية ابن زهر أكادير

أستاذة للغة العربية بالتعليم الثانوي الإعدادي بمؤسسة ابن طفيل التابعة لمديرية أكادير اداوتنان

 عضو منتدى الأدب لمبدعي الجنوب/ فرع أيت ملول_ عضو مركز ابن زهر للدراسات والأبحاث في التواصل وتحليل الخطاب بأكادير_ تنشر إبداعاتها الشعرية في المواقع والمجلات الالكترونية.

- صدر لها مؤخرا ديوان بعنوان: أوراق الشمس ضمن إصدارات منتدى الأدب لمبدعي_ الجنوب/ فرع أيت ملول.

تحب الكتابة، فهي المتنفس الرحيب للهروب من معترك الحياة وصخبها وضجيجها، متلمسة ذاتها في رحابها وبين أروقتها

تكتب القصيدة النثرية وكذا الخليلية الموزونة.

القصيدة: 


 رويدك 


سأكتُبُ شِعْراً لــــــــــمن قَدْ مَــــــــــــــــــــــــلَكْ

حِجَايَ وقَلْبِي كبَعْـــضِ النُّسُــــــــكْ

ومَثْوَاكَ فِي القَلْبِ مَا لَمْ يَـــــــــــــــــــــــــــــزَلْ

عَلَى نَبْضِهِ بَاقِياً مَحْضِــــــــــــــــــــــــــــــــنَكْ

إذَا مَا العُيُونُ رَأَتْــــــــــــــــــــكَ هُـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــنَا

فَأَنْتَ هُنَالِكَ فَوْقَ آلْفَـــــــــــــــــــــــــــــــلَكْ

فَعَيْنُ آلْأُمُومَةِ لَيْسَـــــــــــــــــــتْ تَـــــــــــــــرَى

بَنِيهَا الصِّغَارِ سِوَى كَالمَـــــــــــــــــــلَكْ

أَلَسْـــــــــــــــــــــتَ تَرَى يَا بُنَيَّ الْحَــــــــــــــــــــــــــــــــيَا

ةَ تَسْعَى لِتُوقِعَنَا فِي الشَّــــــــــــــــــــــــرَكْ

بُنَيَّ إِذَا مَـــــــــــــــــــــــا الحيَاةُ قَسَــــــــــــــــــــــــــــــــتْ

فَأَنْتَ المُنَاصِرُ في المُعْتـــــــــــــــــَرَكْ

فَكُلُّكَ بعْـــــــــــــــــــــــــــــــضِي أَيَا يــــــــــــــــــــــــــــــــَاسرٌ

وكَمْ بِتُّ أَسْهَرُ كَيْ أَصْنَــــــــــــــــــــــــــعَكْ

رُوَيْــــــــــــــــــــــــــدَكَ لاَ تَخْـــــــــــــــطُوَنْ مُسْرِعاً

فَما أَسْرَعَ العَقْلُ إِلاَّ هَـــــــــــــــــــــــــــــلَكْ

كتَبْــــــــــــــــتُ لَكَ اليَــــــــــــــــــــوْمَ فِي دَفْـــــــــــــــــتَرٍ

وَفِي الغَدِ لاَ تَنْسَى مَا كُنْــتُ لَكْ

وَحَيْثُ تَــــــــــــــــــــرَى أُمَّكّ آسْتُضْعِفَتْ

فَعُدْ لِلْوَرَا وآقْرَأَنْ دَفْتَـــــــــــــــــــــــــــرَكْ !




 

سلسلة: "شاعر وقصيدة" الجزء الثاني إعداد وتقديم: ذة أمنة برواضي | الحلقة 47 مع الشاعرة: عبيدة علاش


سلسلة: "شاعر وقصيدة" الجزء الثاني إعداد وتقديم: ذة أمنة برواضي | الحلقة 47 مع الشاعرة: عبيدة علاش


الهدف من السلسلة التعريف بشعراء مغاربة، وتسليط الضوء على مسيرتهم الإبداعية، وتقديم نموذج من شعرهم للقارئ.

الحلقة 47 مع الشاعرة:  عبيدة علاش.


الشاعرة: عبيدة علاش

أستاذة  وأديبة ؛من مواليد مدينة الحسيمة ، منارة المتوسط شمال المغرب. 

- حاصلة على دبلوم ماستر ؛

وشهادة الإجازة في اللغة العربية وآدابها، من كلية الآداب والعلوم الانسانية الرباط/ جامعة محمد الخامس المغرب؛

- حاصلة علي دبلوم التخرج من المركز التربوي وعلى دبلوم مدربة ومديرة في التنشيط التربوي من وزارة الشباب والرياضة؛ 

- فاعلة جمعوية، وعضو في كثير من الجمعيات ذات طابع ثقافي واجتماعي منها رابطة كاتبات المغرب؛ 

- لها عدة مشاركات في المحافل الثقافية والمنتديات الفكرية والأدبية .

- توجت مساهماتها الإبداعية بشواهد تقديرية وأوسمة إبداع. 

- ديوان شعر مشترك "صفوة الكلام" طبعة.2018

- ديوان في الشعر العمودي  "مرافئ القوافي"طبعة 2022 تم توقيعه بمعرض الكتاب بعاصمة الأنوار الرباط،  مجموعة قصصية مشتركة، "سلسلة الأمل"وديوان شعر عمودي قيد الطبع.


القصيدة:


قيثارة الروح

يا بسمة الكون  يا قيثارة  الشادي

                        يا نغمة الطير فوق الغصن والوادي


ردي إلي شموع العمر تؤنسني

                            فنجمتي طربت وازداد إنشادي


هلا نثرت على صدري شذا وطني

                          كي تبعث الأمل المنشود للصادي


وخفقة النبض بالأشواق تطربني

                       وينتشي خافقي من همسها الهادي


يا ساكن الروح كم شنفت أوردتي

                              وكم عزفت مواويلا لإسعادي  


دعني أسافر في عينيك تحملني

                           على رموش الهوى أرقى لأمجاد


ومن معين الصفا تنهال خاطرتي

                          والحرف يثملني من نشوة الضاد


غرد على فنن الوجدان أغنية

                         تدغدغ الحس  من تغريديَ الحادي


يا نغمة الهمس في صحوي وفي سمري 

                        لاحت نجومي  فهل  تأتي لإنجادي


يا بسمة أومضت تزهو بناظرها

                         تستشعر الأنس بين الرائح الغادي


قيثارة الروح في نبضي وإحساسي

                                 رفقا بقلبي يا مزمار إنشادي


لا تتركن رياح البعد تجلدني

                                 فلسعة البرد تؤذيني بإبعادي


حييت يا موئلا للنفس تنعشني

                               سراجك النور مأمول  لإرشادي


 يا ليت طيفك يحيي لحن أمنيتي

                              يأتي على عجل  من غير ميعاد


أطلق سراحي  لا تلجم أعنته

                           فالشوق في القلب معقود بأصفاد


واعزف على وتر الإحساس  ملحمة

                                 فالعمر كالزهر   تجديد لميلاد

 

سلسلة: "شاعر وقصيدة" الجزء الثاني إعداد وتقديم: ذة أمنة برواضي | الحلقة 46 مع الشاعرة: البتول محجوبي


سلسلة: "شاعر وقصيدة" الجزء الثاني إعداد وتقديم: ذة أمنة برواضي | الحلقة 46 مع الشاعرة: البتول محجوبي.



الهدف من السلسلة التعريف بشعراء مغاربة، وتسليط الضوء على مسيرتهم الإبداعية، وتقديم نموذج من شعرهم للقارئ.

الحلقة 46 مع الشاعرة: البتول محجوبي.


الشاعرة: البتول محجوبي

من مواليد قبيلة بني ريس ـ إقليم تاوريرت،

- أستاذة للغة العربية بالثانوي الإعدادي في القطاع الخاص

- منسقة قسم الوحدات العلمية بمركز الدراسات والبحوث الإنسانية والاجتماعية بوجدة.

- حازت على جائزة الشعراء الشباب لاتحاد كتاب المغرب والمديرية الجهوية للثقافة بوجدة سنة 2008 .

- منسقة الصالون الأدبي التابع لمركز الدراسات والبحوث الإنسانية والاجتماعية  بوجدة. 

- عضو المنسقية الجهوية للائتلاف الوطني من أجل اللغة العربية جهة الشرق.

- عضو رابطة الأدب الإسلامي العالمية.

الإصدارات: 

-  في الشعر: "موجتان" سنة 2017 عن منشورات رابطة كاتبات المغرب بدعم من وزارة الثقافة. 

- وشاركت في مجموعة  "أنداء تنيسان" الجماعية 2016، 

-  ووردت نصوصها في موسوعات شعرية منها "موسوعة الشعراء الألف التاريخية".

- إضافة إلى العديد من المشاركات في أمسيات وملتقيات محلية ووطنية وبرامج إذاعية وتلفزيونية محلية ووطنية ودولية.


القصيدة:


 في يدي سنبلة 

جئت أمشي

أجر خطاي إلى قدر

لم أكن أشتهيه

كمن تستحث خطاها لتبلغ من حلمها بعضه

ثم ينفلت الخطو منها لتسلك من دربها أوله

لا تبالي إذا أغمد السيف جلادها الغر أو سله

الرؤوس التي لم ينلها بسيف البلادة حجاجه

تنحني كي يمد الخطى فوق أعناقهم

صالبا طوله

غارسا شوكه

في ضلوع اليتامى

أنا بائس باعه الأصدقاء بلا ثمن ..

للرفاق.. وللعهد مني السلام

حنيني إليهم على القلب ما أثقله

كنت أبغي نجاة

ولكنني..

خفت من خيبتي أن أموت

أموت

آنا الآن أحمل ذنبي على كتفيَّ

وأرقبُ

من وجهة ما سترسو على البئر سيارةٌ

يوقظ الحلم واردها من جديد

ويهتف:

"بشراي ذي طفلة

زرع الشعر في كفها سنبلة"





غادة حسنين.. حقائب ممتلئة بالأحلام والصور | بقلم الكاتب الصحافي خالد جهاد


غادة حسنين.. حقائب ممتلئة بالأحلام والصور | بقلم الكاتب الصحافي خالد جهاد



 صنعت لنفسها خطاً مغايراً يعبر عن هويةٍ إنسانية متعددة الأبعاد، تمزج في نتاجها بين اللقطات السينمائية واللوحات الفنية المتوجة بلمسة نسائية تواكب الأنثى على مر الفصول والمراحل التي تعيشها، وتطلقها إلى فضاءاتٍ أكثر رحابة وقدرة على الإبداع والتعبير عن ذاتها ورؤية مكنوناتها من زاوية مختلفة وبأسلوب متميز بين المصورات الفوتوغرافيات في العالم العربي وثقافاته المتنوعة يحمل اسم المصورة الفلسطينية غادة حسنين..



تنقلت غادة بين المدن ولكن الأماكن والذكريات والوجوه أبت أن تفارقها، وأصبحت عدستها همزة الوصل بينهم جميعاً، كما أصبحت مفتاح العبور بالنسبة إليها من زمنٍ لآخر يحمل معه الأحلام والمشاعر التي لم تكتمل لكن الوقت لم يفلح في اجهاضها وحولها إلى ذخيرةٍ من الأحاسيس العابرة للأجيال والحدود، تتقن الحديث بلغة الظلال وتجيد العزف على أنغام الأمس الذي لا يموت واللحظات التي لم تتجاوزها القلوب وتوقفت عندها بإجلالٍ ووقار وبإدراك روحٍ تعرف أن الوجع مهما احتضنه من أشخاص لن يغفو إلاّ في صدر صاحبه..


كما تجسد عدسة غادة حسنين حالةً مستمرة من الحنين إلى الجذور والذات، تلك الشبيهة بيدٍ ممتدة إلى الآخر والمتأرجحة بين شروقٍ وغروبٍ لشمسٍ تسكن في الأعماق وتمارس سلطتها على عشاقها عبر حضورٍ معتمٍ كالغياب وأفولٍ أقوى من سطوعها، وكأنها تنسج من خيوطها الذهبية معطفاً لليلٍ باردٍ وطويل، فقد اعتادت مصورتنا تطويع مختلف عناصر الطبيعة وتحويلها إلى شخصياتٍ نابضة لكلٍ منها دوره ورسالته ومعناه الخاص الذي يجعل من صورها رحلةً تبحر في الذاكرة وتتنقل بين المحطات الأكثر حساسية في حياة كلٍ منا..


ويوجد بإستمرار ذلك النوع من التواصل الخفي بين صور غادة حسنين وكأنها سلسلة من الأفكار يكمل بعضها بعضاً بوضوح ٍ وذكاء رغم تلك الهالة الضبابية التي تغلف أعمالها لكنك عندما تبدأ في تذوقها ستشعر وكأنك أمام سيرةٍ ذاتية لجرح أو وطن أو قلب ترى فيها تلك العلاقة الثلاثية بين مفردات الهمس والضوء واللون الذي يتسرب إلى الصور فجأةً تماماً كما يغادرها  فجأةً دون سابق إنذار، وكأنه لحنٌ قديم يدندنه أحد الباعة الجائلين بين الأرصفة والطرقات، أولئك الذين لا عنوان لهم حيث تأخذهم أقدامهم كل يوم إلى أرضٍ جديدة لها حكاياتٌ بعيدة عن سابقاتها، كما تطغى حالة الترحال والبحث عن المفقود اللا مرئي على مختلف لقطاتها التي تترك في النفس غصةً لا تزول، تستجدي عودة الوقت إلى الوراء حيث يكمن الأمان الذي لا يشوبه خوفٌ من القادم.. من الغد.. من المجهول ومن المزيد من الإغتراب داخل الأوطان وخارجها..


وقد توحي المشاهد التي تقدمها غادة حسنين بنوعٍ من أرستقراطية الحزن لكن من يقترب من هذه العدسة سيجد فيها مكاناً يتسع لمختلف فئات البشر لأن الإحساس لا يستثني أحداً، ولأن الأحلام والمشاعر البريئة التي تختلج في صدورنا ولا نتحدث عنها هي جوهر إنسانيتنا، والتي استطاعت أعمال مصورتنا الولوج إلى عوالمها دون ضجيجٍ أو افتعال عبر أسلوبٍ يمتاز بالسلاسة والنضوج والرقي وبعيني طفلةٍ لا زالت تلهو مع بقية الأطفال في ساعات العصر، تحمل بعضاً من وطنها الذي ادخرته لغربتها، والكثير من الحقائب الفارغة التي تحلم بأن تملأها صوراً تعود بها إلى الأرض التي تنتمي إليها..


غادة حسنين.. حقائب ممتلئة بالأحلام والصور | بقلم الكاتب الصحافي خالد جهاد

غادة حسنين.. حقائب ممتلئة بالأحلام والصور | بقلم الكاتب الصحافي خالد جهاد

غادة حسنين.. حقائب ممتلئة بالأحلام والصور | بقلم الكاتب الصحافي خالد جهاد

غادة حسنين.. حقائب ممتلئة بالأحلام والصور | بقلم الكاتب الصحافي خالد جهاد

غادة حسنين.. حقائب ممتلئة بالأحلام والصور | بقلم الكاتب الصحافي خالد جهاد

غادة حسنين.. حقائب ممتلئة بالأحلام والصور | بقلم الكاتب الصحافي خالد جهاد

غادة حسنين.. حقائب ممتلئة بالأحلام والصور | بقلم الكاتب الصحافي خالد جهاد

غادة حسنين.. حقائب ممتلئة بالأحلام والصور | بقلم الكاتب الصحافي خالد جهاد

غادة حسنين.. حقائب ممتلئة بالأحلام والصور | بقلم الكاتب الصحافي خالد جهاد

غادة حسنين.. حقائب ممتلئة بالأحلام والصور | بقلم الكاتب الصحافي خالد جهاد

غادة حسنين.. حقائب ممتلئة بالأحلام والصور | بقلم الكاتب الصحافي خالد جهاد

غادة حسنين.. حقائب ممتلئة بالأحلام والصور | بقلم الكاتب الصحافي خالد جهاد

غادة حسنين.. حقائب ممتلئة بالأحلام والصور | بقلم الكاتب الصحافي خالد جهاد

غادة حسنين.. حقائب ممتلئة بالأحلام والصور | بقلم الكاتب الصحافي خالد جهاد

غادة حسنين.. حقائب ممتلئة بالأحلام والصور | بقلم الكاتب الصحافي خالد جهاد

غادة حسنين.. حقائب ممتلئة بالأحلام والصور | بقلم الكاتب الصحافي خالد جهاد

غادة حسنين.. حقائب ممتلئة بالأحلام والصور | بقلم الكاتب الصحافي خالد جهاد

غادة حسنين.. حقائب ممتلئة بالأحلام والصور | بقلم الكاتب الصحافي خالد جهاد

غادة حسنين.. حقائب ممتلئة بالأحلام والصور | بقلم الكاتب الصحافي خالد جهاد



غادة حسنين.. حقائب ممتلئة بالأحلام والصور | بقلم الكاتب الصحافي خالد جهاد
غادة حسنين




غادة حسنين.. حقائب ممتلئة بالأحلام والصور | بقلم الكاتب الصحافي خالد جهاد
خالد جهاد



ورقة نقدية لديوان "غبار القيامة" للشاعر التونسي علي بن فضيلة بقلم الكاتب عبدالرزاق بن علي

ورقة نقدية لديوان "غبار القيامة" للشاعر التونسي علي بن فضيلة بقلم الكاتب عبدالرزاق بن علي.



كتب علي بن فضيلة ديوانه الأول بلهجة تونسية فأبدع في رسم اختلاجات نفسه وعانق أفق الإبداع رغم تحفظ البعض عن الكتابة باللهجة العامية وذلك ما نرجعه للأذواق دون مصادرة لرأيهم ، فلا وصاية على ناقد والكل يحكم حسب ما يراه هو فقط . هذه المرة يفاجئنا الشاعر مرة أخرى مفاجئة تفوق أثر ديوانه السابق حين ينشر ديوانه الثاني "غبار القيامة" الصادر سنة 2022 عن دار وشمة للنشر والتوزيع بتونس، المفاجأة اذا هي أن الديون قد كتب بلسان عربي فصيح وبلغة تقترب اكثر ما يمكن من لغة النصوص الاولى في الشعر العربي، غزارة في المعجم وقدرة على التشكيل و الرسم صورا واستعارات على قدر من الحرفية والتمكن، تناص وإلغاز وتوظيف فريد للموروث المادي و اللامادي.

· العنوان "غبار القيامة"

العنوان لا يخلو من إلغاز وإبهام يجبرك على استحضار كل معارفك حتى تفك شفرته من خلال قراءة متن الكتاب. عنوان على قدر من البلاغة، إذا اخذنا كل كلمة على حداها لوجدنا ان دالها ومدلولها على رأي "سوسير" واضحان لا لبس فيهما، أما عن الغرابة فهي عن الجمع بين المفهوم المادي الدنيوي المعلوم وبين المفهوم الأخروي المجهول لا أحد يعلم كنهه بالتدقيق، رغم التسليم به عند السواد الاعظم انه واقع لا محالة .

جاء العنوان مركبا اضافيا اضيف فيه مصطلح الغبار الى مصطلح القيامة ،فأصبح الدنيوي جزءا من الأخروي وكأن الشاعر ادرك عكس الجميع تصورا ماديا ليوم مجرد. الغبار هو نتيجة الحركة المفرطة أو الاضطراب القوي، أي أن الغبار لن يثار من تلقاء نفسه بل لابد من فعل قبلي يسبق قيامه. الغبار هو أمر نهايات ونتيجة لتحرك الساكن، هو نهاية الاضطراب و العاصفة... هذا المعنى تجد له تماهيا مع مفهوم القيامة كنهاية للرحلة بمفهومها الأيديولوجي وبداية مرحلة اخرى غير معلومة، وكأن قيام القيامة يسبقه غبارها و صراعاتها الضارية التي تؤشر لها .هذا العنوان يوحي لنا عن تواتر وتكرار لمفهوم النهاية في الديوان، اذ وان تقرأ المؤلف سترى الحضور المكثف للموت والنفس الجنائزي في معظم القصائد.

· مصطلح النهاية في ديوان غبار القيامة:

وانت تسافر عبر قصائد الديوان تلاحظ هيمنة مطلقة لمفهوم النهاية و الانقضاء. إن الخيط الرفيع الذي نسج به الشاعر مؤلفه وترجمه بنجاح اختياره لعنوان ذي بعد زمكاني (الغبار ايحاء على المكان وخصوصيته – القيامة ايحاء انقضاء الزمن المادي )

لن يكون عصيا على القارئ ان يلاحظ الحضور المكثف لمعجم الموت إذ انتشرت على امتداد الديوان كلمات من قبيل " موت، نعش، قبر، رحيل، موتى، الاشلاء، الاموات، الوداع، جماجم،..." وتكررت اكثر من ست وعشرين ومائة مرة على كامل الكتاب. هذا البعد الجنائزي و إن دل على شيء فهو انعكاس لذات الشاعر المتألمة المرهقة بقضايا اليومي و إرهاصات الواقع. بدا الشاعر شاعرا بآلامه حد التماهي ومهووسا بقضايا بلده وقضايا بني جنسه حد الوجع ولعل الموضوعات التي شكل بها قصائده ترجمان للمعجم الذي ارتآه. فاجعة موت الوالدين والاحبة ،اغتيال الحلم والفكرة ( قصائد للأب وللأم ، حضور ضحية الفكر ،شكري...) هذه المشهدية الجنائزية وهذا العبث الوجودي الذي ارق الشاعر وألهمه لاستحضار التاريخ مناجيا أو مستنجدا أو شاكيا إليه أمور العباد والبلاد اذ قال مثلا في قصيدة "هامان" :

"يا هامان

لم يبق على سيرة آدم

سوى فخاخ الغواية."

ويقول في مرحلة لاحقة من نفس القصيد مواصلا تظلمه:

"الغربان يا هامان



تعلمت القتل منا ."

رغم هذا التوجه الكبير للتاريخ إلا أن ذلك لا يعني ان الشاعر يعيش خارج الإطار، بل هو في عمق واقعه يحيا وما ذلك الرجوع أو اللجوء إلا لهوسه في البحث عن مخارج وحلول لواقع أثقل عليه. ارتبطت حل موضوعاته بنفس حزين وآلام شديدة ، كحضور الأم الراحلة في صورة سريالية تخييلية رسمها الكاتب بأبداع يلامس المشهدية الواقعية ، رغم رحيلها يراها "توزع الحلوى على الموتى" و قد صار هو دونها "شيخا في الاربعين" .

تناول الادب العربي والعالمي صورة المرأة والوطن على نطاق واسع منذ القدم وليس ذلك بتجديد أتى به علي بن فضيلة ،لكن ذلك لم يمنعه من طرافة الطرح والتصوير في قصيدته "حي على الوطن" ففي حبه للوطن حب لامه حتى صار التماهي بين المحبوبتين يطغى على كل القصيدة:

"كيف أنجو من هواك

وأنا ثمل منذ ولادتي

اقف على كفي أمي"

هذا البعد الوطني العميق تترجم من خلال دعواته الملحة للعودة لأحضان الوطن/الأم :

"اصرخ في ابناء الله

حي على الحياة

حي على هذا الوطن."

ما اسم الإشارة "هذا" إلا دليلا قاطعا على القصدية والادراك التام عن اي وطن يتحدث ،ان هذا الوطن للجميع.

ربما هيمنة المعجم الحزين والطابع الجنائزي في الديوان يحجب عنا حقيقة أخرى ليست بالهينة حضورا وان كان ذلك حضورا على غير الشاكلة التي بها يكون في الشعر خاصة .

· صورة الحب في الديوان:

لم يغب الحب و لا الشاعرية عن قصائد علي بن فضيلة بل جاء ذلك على شكل مختلف بعيد كل البعد عن الرومنطيقيات المتعارف عليها وليس ثوبا درويشيا جليا. حب لا ينفصل عن الواقع، بل لن يكون للحب معنى ولا قيمة إن كان سفرا تخييليا نفسياً يسافر بالذات الشاعرة بعيدا عن الواقع وهموم الانسان عموما. الحب عنده جزء لا يتجزأ من الوجود وما قصائده المؤلمة سوى دعوة صريحة للحب والتعايش وقبول الاختلاف على أرض الله التي مزقتها الفرقة وغزاها الحقد والكراهية، دعوة الى الايمان ان الأرض اورثها الله للجميع ولم يختص بها فئة من عباده وجعل العقاب والصفح سمته العليا التي لا يشاركه فيها مخلوق. لا فرق عند الشاعر بين حب الوطن وآلام والاب والحبيبة والخلان، فالحب مفهوم شامل كلي متكامل ،بل لا يكتمل إلا اذا شمل الجميع. فلا حبيبة بلا وطن ، ولا امومة اذا فقد الوطن، ولا خلان اذا غدر بالوطن... وما قصيدة "حبات الياسمين" إلا تجسيدا للبعد الشمولي لمفهوم الحب.

"وأنا احتسي شفتيك على مهل

...

وضعت ساقا على وجع واصغيت الى جلستي

الحقيقة تمرغ وجه المدينة بالعتمة

القتلى يحملون قبورهم ويمرون مني "

في النهاية نقول أن الشاعر قد لامس أفق الإبداع في هذا الديوان ورسم لنفسه منهجا واسلوبا خاصا به، وما هذا الشجن الذي التمسناه في الديوان إلا تعبيرا عن فرط حساسية الكاتب و تجسيدا لهمومه التي لا يضجر من حملها بل منها يستمد طاقته لمواصلة دعواته للحب وللحياة. ديوان يستحق التناول والدرس وما هذه الورقة النقدية سوى رؤية من كثير من الرؤى…


 

سلسلة: "شاعر وقصيدة" الجزء الثاني إعداد وتقديم: ذة أمنة برواضي | الحلقة 45 مع الشاعرة: حنان الفرون.


سلسلة: "شاعر وقصيدة" الجزء الثاني إعداد وتقديم: ذة أمنة برواضي | الحلقة 45 مع الشاعرة: حنان الفرون.


الهدف من السلسلة التعريف بشعراء مغاربة، وتسليط الضوء على مسيرتهم الإبداعية، وتقديم نموذج من شعرهم للقارئ.

الحلقة 45 مع الشاعرة: حنان الفرون.


السيرة الذاتية:

الشاعرة حنان الفرون من مواليد مدينة تطوان. 

تقطن بديار المهجر /بلجيكا 

متزوجة و أم لأربعة أطفال 

شاعرة و فاعلة ثقافية 

دراستها آداب إسباني بجامعة عبد المالك السعدي بمارتيل 

كما درست علم الاجتماع ببلجيكا 

عملت لسنوات مؤطرة للأطفال في مدارس عدة 

شاركتُ في منتديات تهتم بكل ما يتعلق بالطفل 

البيئة /التمدرس/حقوق الطفل و واجباته

و عملت كمصلحة اجتماعية 

عاشقة للغة الضاد 

مارست الكتابة في سن الثانية عشرة 

هذا التورط الجميل الذي ينتشلنا من براثن الرتابة

ليحملنا إلى غياهب الحرف لانتشاء جنونه حتى الثمالة  

لديها قصائد كثيرة جدا 

صدر لها:

 - ديوان موسوم بعنوان (صليل الروح )

- و ديوان آخر قيد الطباعة ...


القصيدة:


☆أينك مني ...☆


يسألني المكان 

أينك مني؟

ذاك العُمر الذي كان 

 لنا....

 أسرج خيل الليالي 

و رحل دوننا 

سكب على ثغر الأحلام 

خمرة هوانا 

و ذاك الحُضن المائل 

الذي احتوانا 

لم يكن إلا  أضغاث

 حلم يُجافينا 

 يقضم بقايا الإنسان

فينا ...

جثمان أيام تستظل 

بدفء جدران ليالينا 

و روح تتكئ على 

قضبان صدأت خلفها

جُلّ أمانينا 

خِلتها سرمدية 

حِيكت من شرانق 

فراشات سوداء الظل 

عشنا لحظات بنفسجية...

خيالات وهمية 

تتراقص نصف عارية 

كل ليلة تضع على جيدي 

وُعود خُرافية

تُرفرف بنصف جناح 

تغازل فتيل شمعة

 أضناها السهر ...

أينك مني ؟

طيف عليل  تبقّى 

من هيكل إنسان 

مُمتد على أرصفة 

كل القلوب 

يقتاتُ من كبد الأوهام

 كل ليلة يسقيني 

علقم نكران  ...

يرتدي وشاح الغدر 

ينتعلُ الطغيان 

يعثو في سماء 

روحٍ نقية 

لا تعرف البهتان 

ينحت حروفاً 

من حجر و نار 

تتهاوى على ضفاف 

الشطآن..... 

و أنا.....

بتعالٍ أنتحبُ تحت 

الركام 

أنادي مِلئ حُلم

ضاع بين الأكوان 

يتردد صدى أمل 

كسيح

في سراديق وطن 

جريح 

يشقّ قلب الكون 

 شطرين 

يُرديه طريح غُربة 

و فقدان





الغربة والحزن ومعزوفة الألم الجميل( قراءة في ديوان وردة أخيرة للجرح لمحمد فؤاد ) | بقلم د/ شعبان عبد الحكيم محمد  


الغربة والحزن ومعزوفة الألم الجميل( قراءة في ديوان وردة أخيرة للجرح لمحمد فؤاد ) | بقلم د/ شعبان عبد الحكيم محمد


                                                                 

محمد فؤاد شاعر متفرد في أدائه  ، صادق في تجاربه الفنية ، فيشعرك أنَّ النصَّ جزءٌ من صاحبه ،مقلٌّ - وفي الوقت نفسه - مجيد في عطائه ، فرغم هذا العمر الفني الطويل(ما يزيد عن ثلاثين عامًا ) من العطاء الفني ، لم ينشر سوى ديوانين (دماء على خيوط الفجر ، الركض إلى حدائق الأحبة ) وهذا الديوان الثالث " وردة أخيرة للجرح ط . مركز الحضارة العربية . القاهرة . د . ت " فمحمد فؤاد لا يكتب إلا حين تراوده القصيدة عن نفسها وبإلحاح ، فتختمر التجربة ، وتمور نفسه بها ، فتنسكب كلماتها على أوراقه ندية نابضة بجماليات الفن ، الذي يضمر في أعماقه أصالة الأداء ، وجماليات التعبير ، ورتاقة الدلالة،  وإذا كان العنوان عتبة أولى للنص ، فالشاعر يصدمك بعنوانه ، فجعل الودة مضمدة للجرح المنفتح ، وكان المتوقع أن نجد ضمادة أومضادًا حيويًّا لوقف نزيف الجرح ، ولكن  لتفاؤله كشاعر ، ولسمو روحه جعل علاج الجروح بالورد ، كما أنَّ الشعر – وكذلك الفن في كلّ أنواعه-  ينسج لنا من التعاسة والألم حياة ملؤها الجمال والأمل ، جمال لأن الألم وقود التجربة  والعطاء الإبداعي ، فينسج من المستحيل أملًا ، والشاعر نفسه ينسج من المحال أملًا ففى نهاية قصيدته " الركض إلى حدائق الأحبة" فرغم استحالة  العودة للطريق الملغَّم برفض رجوعه  ، يقول :

طريقي محاصرة

والمسافة بيني وبين الأحبة

أشلاء ورد قتيل

فكيف الوصول إلى من أحب ؟

كيف الوصول ؟

إذ كيف لي أيها الصمت أن أعبر المستحيل

وأن أعبر الشارة المستحيلة للحظة الماتعة ص 78

نجد هناك الأمل يفرش نفسه ضوءًا وأملًا وتطلعًا لغد جميل ، فيتخيل رجوعه فجرًا جديدًا وغدًا مفعمًا بالحياة الرضيّة الجميلة ، يقول في النهاية :

والأفق يمتد

والسحب تسحب أذيالها

والنهارات عادت  تتوجني

بالضياء الجميل

وهذا دمي الآن يبزغ فجرًا

يوصلني للأحبة

بعد الغياب الطويل

فهيا اركضي واركضي يا خيول ص 82

فقصائد الديوان التي بلغت سبع عشرة قصيدة (متفرد في حدائق المدى - أغانى الضياء- أعيديني - القصيدة تشكو الغياب الطويل - عام الحزن - كلمات إلى الوطن المغترب – شاعر- رسالة إلى أبي ذر - بردية قديمة حديثة - وردة أخيرة للجرح - عيون عربية - زهرة للوطن - يا مريمية – ضياء - الركض إلى حدائق الأحبة - أعطني من رؤاك خيالًا ، مرفأ ) هذه القصائد تعبر عن تجارب ذاتية للشاعر ، ومن خلالها يطفح ملمحا الغربة والحزن  اللذان يرتبط كلاهما بالآخر بعلاقة السببية ، نتيجة لظروف الشاعر الخاصة ، وإن صاغ الشاعر هذه التجارب في ثوب الفن الشفيف ، بعيدًا عن التقريرية والصراخ العالي ، وفي الوقت نفسه يرفض الإبهام والإلغاز والتعمية ، وقد عبَّر في ديوانه عن نهجه الشعري ، فشعره ليس من شعر الحداثة الذى يضرب بكل معايير الفن السابقة عرض الحائط فى صنع المعجم اللغوي الذى يربط بين ألفاظه رابطة التجاور والقربة ، ويصنع الصورة الشعرية ذات العلاقة المتوقعة بين عناصرها ، ويرفض موسيقى الشعر المعتادة ، يعبر محمد عن تجربته الشعرية المتفردة  والأصيلة – أيضا – لكنها لا تلجأ إلى التقليد والجري وراء نمط شعري ما ، مما جعل تجاربه أصيلة ، يقول  في قصيدة "  شاعر" معتزًا بذلك مشبهًا نفسه بنسر يعلو في سماء الإبداع ، لتفرده في أدائه :

نسر يدوي فترتاع

منه الحداثة

يدخل أربابها في مغارتهم

حين يكتب ، خيل الأصالة كانت تكرُّ​ص 38

كلما قصد " الشعر " أعطى له الشعر مفتاحه

والطيور على شاطىء الشعر ترتاده مثل بحر

.....

وينبوعه يستفيض

فيقرر بعدم اتباع غيره تقليدًا ومسخًا ، أصيل في نسجه ، يرفض الحداثة ونهجها الشعري ، هدفه وغايته من النص الشعري صنع الجمال، يقول :

أنت ...حين اصطفيت الجمال

اصطفاك الجمال ص 39

هكذا تتجلى الذاتية في الديوان ، بداية من تعبيره عن نهجه الشعري ، كما رأينا في قصيدة " شاعر " وامتدادًا لرؤيته السابقة نجد تعبيره عن شفافية التجربة الشعرية ونضارتها في قصيدة " أعطني من رؤاك خيالًا " هذه القصيدة التى تأخذ في مقدمتها صورة المبتهل ( للشعر ) ليكون معينًا له في نظمه ، كى يمنحه القصيدة النضرة المتألقة جمالًا بلغتها وخيالها وقافيتها ،و إيقاعها ( عبرعنه في القصيدة بالصوت العذب وبالنغم ) وهذا يعكس لنا النص رؤية الشاعر فى تشكله اللغوي والتخيلي والإيقاعي ، يقول :

أعطني من رؤاك خيالًا

أعطني لغة من ضياء

ومن وشوشات القمر

أعطني صوتك العذب حتى تتم القصيدة

أو زخمًا من نشيدك

أو نغمًا تستهل به أحرفي المجهدات ص 86

ويضفر في هذه القصيدة ابتهالاته لتجاوز مشاعر الحزن التي تعتريه ، والتي يمكن كما تقول القصيدة أن تؤدي إلى توقف الشعر على لسانه ، إذا سيطر عليه الحزن القاتم الذي يسيطر على روحه ، فتضيع منه مكونات القصيدة بعد ميلادها ، فيقوم بتمزيقها وحرقها ، إنَّ الشاعر – هنا – يعبر عن ضبط نفسه عن تماهيه في الحزن ، هذا التماهي يجعل إنتاجه يضمحل ،لأنَّ التوتر الزائد مدعاة لتفلت الشعر من مخيلته ، ومجيئه مضطربًا فضفاضًا ، يقول :

فقل لي : لماذا سكت ؟!

لئلا أتوه ببحر القصيدة

أغرق في حزنها

وأمزق أحرفها

ثم أحرقها بالدموع

وأنثرها في دروب الشتات ص 83

هكذا ظهرت الملامح الفنية لشعر الشاعر في الديوان أنَّ الشعر جاء ترجمان عن نفسية صاحبه ، هذه الروح التي يتمتع بها الشاعر روح طيبة نقية تقطر صفاء ونقاء ، روح كروح الطفل الغرير يندهش بجمال الطبيعة والحياة ، يعيش الجمال في كل

صورالحياة : ابتسامة الطفل ، زقزقة العصافير ، ترنيم مقرىء بآية من القرآن ،  يقول في قصيدة " أغاني الضياء":

بسمة الطفل حين تطالعني في الصباح

وأنغام آي من الذكر تتلى

وشقشة الطير

قطر الندى

بعد همس النسيم لروحي

يزاوج روحي دموع الفرح

فتسمو تحلق بي قرب غايات حلمي​ص 12

وإن وجدنا فى الإهداء الاعتراف الصريح بجرحه :

مكلوم رغم البسمة تبدو

واضحة كالشمس

ورائقة كحليب الصبح

وناعمة كالورد الغض

وواثقة كالنيل

مكلوم يضحك ياوطنى ص5

ولكن رغم ذلك نجد الشاعر يتجاوز هذا الجرح المنفتح ، ليجعل من الشعر بلسمًا ودواءً ، فالقصيدة جزء من الشاعر ، أو قل هي كيانه وروحه المرئي  ، يندمج الشاعر بها ويندمج في النص فيعيش التجربة من أعماقه ، لذا جاء شعره قطرات من دمائه ، وإن كان يعايش التجربة ، ولكنه لا يتوه فى مساربها ، إنها المعايشة الفاعلة التي تنتج شعرًا شجيًّا مؤلمًا ، يقطع الأحشاء والمهج ، وينتج النص المتفرد أداءً ودلالة ، ففي قصيدة " القصيدة تشتكي الغياب " وعنوان القصيدة يشي بالغربة والحزن ،فالشاعر وقصائده صنوان،أو وجهان لعملة واحدة( هي الإبداع) ، الشاعر يشتكي الغربة والغياب عن الوطن وكذلك القصيدة ، وهذا يؤكد مدى توحد الشاعر في شعره ، يقول :

ويبدأ طقس القصيدة فيَّ

سماء مكللة بالوداع

رياح الفراق تهبُّ على القلب

من كلّ جنب

وثرثرة وضباب

وأنفاس جرح يئن

يباغت وجهي الحزين

وموج من الغضب ، الشاهد الدم

ينزف من جسد قد تناثر

حتى استفاض دما

أرهقته الرياح العبوس

وناوشه المستحيل بقرب الغياب ص  20

القصيدة تعبر عن مدى اجتياح الشعر له ، فالقصيدة هي التي تراود الشاعر ، ولا يتكلف في استقدامها ، فترغمه على الإبداع ، كالصوفي الذى تعايشه التجربة ، ويعايشها توحدًا وشجنًا ، القصيدة ابنة لحظتها الشعورية ، ويشعرك الشاعر بأنها تجتاحه ، في صورة رياح الفراق التي تأتي عاصفة مدميّة على قلبه ، تحاصره في ثرثرة وضباب، وأنفاس جرح يئن ، وينزف دما ، لأنه يناوش المستحيلا ، الحزن القاتم يلفع القصيدة بردائه المتشح بالأسى والألم ، ويستمر توحد الشاعر في النص بما يشبه وحدة الوجود عند المتصوفين ، وحدة الوجود التى تجعل جميع مخلوقات الكون في ربقة واحدة ، الجماد والإنسان والحيوان...كل في منظومة متداخلة ، ووجد الشاعر في الكائنات توحدًا تعبيرًا عن مدى ارتباطه الروحي بها ،والشوق الملتاع للوطن الشجر بظلاله الندى ، الطبيعة بسحرها ، نخيلها وفضائها الندى ، ونجومها ، وقد أصبحت جزءًا منه ، وصار جزءًا منها ، يقول :

ابن النخيل الذى ينتمي للفضاء

أنا ابن النجوم التي ترتمي تحت غصنك​

يا شجري لا تودعني لست أقوى

وامتدادًا لهذا التوحد يجدل الشاعر بهذه الكائنات صورة ابنه الذي أهداه القصيدة (إلى ولدي إسلام : جرحًا وغيابا ) والإهداء يعبر عن ملمحي الغربة والحزن القاتم اللذين يجتاحان الشاعر ، في صورة مؤسية ، فصورة الصغير تزلزل الفؤاد ، خاصة أن الطفل  يحسُّ بمشاعر أبيه ، ويحاول الصبر ما استطاع ، ولكن لم يستطع ، فتفضحه دمعة شاردة في مقلتيه ، يقول :

وهذا صغيري

ينزف شريانه حين يقتاته الجرح

يعصب عينيه

ينهشه الوجع العفوى العنيد  

يقاوم ما استطاع ...وما اسطاع

يختبىء الدمع فى مقلتيه

ولا ينحني للجراح ص 21-22


يجمع الشاعر في ديوانه شكلين من الأداء الفني :  الأداء الفني الذي يتصف بالغموض الفني ،وهذا الغموض الذي يظنه بعضهم أنه عيب فني ، ولكن الغموض في اللغة ( من غمُضَ الشىء إذا دقَّ مسلكه ) والإبداع يقوم على دقة المسلك وشفافيته ، ونقيض الغموض الفني الإبهام والإلغاز والتعمية ( كما ذكر د. عبد الرحمن القاعود فى كتابه الإبهام فى شعر الحداثة) وفيه يستخدم اللغة بصورة منحرفة عن مسارها المعهود ، لا بصورة تتصف بالإبهام والضبابية ، ولكن بصورة فنية ، منها قوله في قصيدة " متفرد فى حدائق المدى " :

لك في مسامرة الجراح وسيلة

لك غاية

لك في الفصول حكاية

لك في المساء قصيدة

لك في اصطفاء فراشة الأحلام ...إلخ

القصيدة صفحة من صفحات ترجمة ذاتية فنية عن الشاعر ، وبصورة شعرية رقيقة هامسة ، لا بالصورة التقريرية الصارخة ، ولكنها تعتمد على الإيحاء وظلال المعاني ، من خلال معجم لغوي ، لا يتدنى إلى مستوى الإسفاف ، ولا يتعالى إلى مستوى التعمية والإبهام ،  يعتمد فيها الشاعر على تكرار ( لك في ) ليوحى مواربة عن كثير  من جوانب حياته ، حزنه المستمر ، والذي يتفجر ليلًا ، وقد عبر عنه بـ( مسامرة الجراح ) وفي مغامراته فى الحياة بـ ( الفصول حكاية ) وفي الشعر بـ ( قصيدة ) التي تعتمد على الخيال المفعم بهالة نورانية ( من غصن الخيال مهارة ) وبهذا التفرد في تجربته صنع لنفسه مكانة في عالم الشعر ( لك في دروب قوافل الشعراء ، لك راية ) ومن خلال التجارب الشعرية يصنع عالمه ، المعبر عن الحزن الشجي ، وعن غربته المدمرة ( ولي شوق المدى ص 8  ) هذا الشوق الذي يسافر في الأعماق ، متلفعًا بحنين الذكريات ، التي تمور في نفسه متضمنة لعهد البراءة والصفاء ، ليثبت لنا الشاعر فى كل قصائده أن الشعر هو الذي صنع الجمال في االحياة رغم الحزن والغربة ، يقول في القصيدة نفسها :

يا ذا المسافر في شراييني

وأوردتي هدى

يا ذا المسافر

تحتويك مدائن العشق المتوج

والمجاهر بالندى

هذي نخيلك

تشرب الأطيار ضحكتها

وعصفور على أغصان قلبي غردا

ساءلت ليلى العامرية عنك

فاتكأت على التوباد بسمتها

وأسلمها حفيف الشوق للأحلام

وانداح الصباح بوجهها الوردي

بللها الندى ص 9

ومن القصائد التي تعكس هذا المستوى – أيضا – قصيدة " يا مريمية " والتي أظن أنه يخاطب فيها " مصر " بأن تأخذ دورًا أكثر إيجابية في التصدي لمشاكل الأمة ، وعدم الاقتصار على الكلام ، وإن كان العنوان يكدّ ذهن القارىء لفهم مقصديته  ، فمريم أم نبي وطاهرة ، جاءت مصر وأحبت مصر وأحبتها ،ومخاطبة مصر بمريمية يليق بمكانتها الجليلة ، يقول :

يامريمية

هل دماؤك أصبحت لغة الكلام ؟!

هل وجدت عبارة أخرى لوقت الجرح

هل أصغى لك الزيتون ؟!

هل أصغت يمامته الحزينة ؟

أم ترى وقف الندى مستبشرًا

في بابك الشتوى ص69

فالشاعر يلمح بالانتباه بعدم الانصياع لخدعة النداء بالسلام وشجر الزيتون ، فهذه شعارات كاذبة ،يجب الاحتياط منها ، ولعلنا نلاحظ طريقة استخدامه للغة في التعبير بصورة غير مباشرة ، تعتمدعلى التلميح والإيحاء ، ويتماهى في مخاطبة مصر بأن تثور وترفض كل ما هو غير منطقي ، وتقوم بواجبهامن أجل مستقبل أفضل ،يقول:  

يا مريمية حولي لغة الكلام دمًا

ونبضًا في شرايين العروبة

وأنشري أنفاس عطرك

في صباح مدائننا

وضفيرتك مساحةخضراء

ترسم نقطة الأمل الثري ص 70

ويوظف الأحداث التراثية لقصة مريم بما يتماشى مع تجربته الفنية ، في قوله قولي لهم ، مامسني بشر ، ولكني حملت الحزن ، في قلبي شعاعًا ،هزي إليك بجذع أغنية ،تساقط روحك ، الملأى نقاء ، واقطفي ثمرة الشهادة ، حوله زهر ندي (ص 72 )لتحمل الحزن الذي يثير غضبتها ، وتهزأ القلوب بأغنيات الحماس ، من أجل النضال لإدراك الثأر ، ودفع النفوس رخيصة استشهادًا للحق .

والمستوى الثاني من الأداء الفني فى الديوان ما أطلق عليه ابن الأثير قديما " الشعر السهل الممتنع " وهو الشعر الذي تراه سهلًا قريبًا إليك ، ولكن إذا حاولت أن تقول مثله تأبَّى عليك ، ومثَّل بقول البحتري :

أتته الخلافة منقــادة   إليه تجرر أذيالــــها

فلم تك  تصلح إلا  له   ولم يك يصلح إلا لها...إلخ

وهذه القصيدة  تعتمد على الإيقاع ، وسهولة اللفظ ، وقرب التصوير الأخاذ الذي يسحرك ، ومن نماذج هذا المستوى من الأداء الفني الجميل الساحر " الشعر السهل الممتنع " قصيدة " أعيديني "، والتي يقول فيها :  

أعيديني إلى حقلي

فراشاتي تناديني

سنابل حقلنا حنَّت

لأصوات الحساسين

.....

أعيديني إلى النَّوار

والصفصاف والتين  

أعيديني إلى أمي

إلى قلب يناغيني

إلى أعطاف قريتنا

إذا اهتزت تحييني

أعيدي لي صباباتي وأصحابي  

أعيديني

لأزهاري ونسريني

أعيديني

لظل الواحة الخضراء

أقطف من بساتيني  ...إلخ من ص 16 : 18

ولعلنا نلاحظ اعتياد الشاعر على التوحد ، توحد ذاته الإنسانية مع ذاته الشعرية ، لتكون القصيدة هي الوجه الآخر لروحه الوضيئة الندية ، وهنا في هذه القصيدة نجد التوحد مع الطبيعة القروية الجميلة مناديا قريته التي هي رمز للوطن الأم ، بل نجد النداء يتحول بعد ذلك إلى أمه (التى أظنها الوطن ) قريته بحقولها وأناسها تبعث الجمال في النفوس ، ونعيش في أحضانها ساعات الألق والنشوة ،  الحقل بسنابله وفراشاته ، وعلى فروع أشجاره تغرد الحساسين ، ومما يؤكد مقصدية الشاعر بمن يناديه ( قريته الجميلة) تأكيده في نهاية القصيدة بأنه يكره حياة الجدران والانغلاق ، ويحب حياة الاندماج في الطبيعة والتوحد بها ، ثم قوله :  

دعي الأشعار تسبح بين مكنوني

سئمت صلادة الجدران

في كل الميادين ص 18

هذه الروح الشعرية التي يكتب بهاالشاعر جعل من جرحه المدمىّ قنديل حب وأزهار عشق للوطن رغم غربته والترحال ، وجعلت القصيدة معزوفة موسيقية بارعة تطرب لها القلوب ، وتلذُّ لها النفوس ، يقول في قصيدة " القصيدة تشكو الغياب الطويل " :

جرحك أنك تكتب شعرًا نديًّا

يداعب روح اليمام

ويسكنه الوجع الأبوي الحزين

وجرحك أنك أسست مملكة الروح​

قرب الغمام

وما كنت تدري لغات الزلازل

ما كنت تحسب أن الشراع يخون

وقد حاصرتك الزلازل

قد أربكتك العواصف

قد أسلمتك القبائل

لما صحبت الغمام

وأسلمك الحزن للمستحيل

وألقاك في قاع وادي الغياب الطويل

فأدمنت بوح النشيد / النشيج

وعانقت حزن القصيدة ص 27

القصيدة تتفجر حزنًا وألمًا ، ولكن في الوقت نفسه نجد هذا الحزن مفجرًا للطاقة الإبداعية للشاعر بالشعر الوضىء الذى تنساب ألحانه ، في أعماق أرواحنا ، لتوحد الشاعر بقصيدته وتوحده بوطنه كما مرَّ بنا ، فجرحه جاء نتيجة إنشاده شعرًا نابضًا حيًّا جميلًا ، صادق التعبير عن حبِّ الوطن ، وتعبيرًا موحيا عن الذى خانوه وباعوه ، ووقوع ما لم يكن يحتمله ، في صورة موحية لطيفة " الشراع يخون " تعبيرًا موحيًّا عن حدوث ما لم يكن في المتوقع حدوثه ، و " حاصرتك الزلازل " و " أربكتك العواصف " و " أسلمتك القبائل " هذه الجمل الشعرية المسبوقة بحرف " قد " الذي يدلل على التحقق ، وقد كان ، هذه الجمل يجمع بينها التوازن النغمي الذي يصنع الإيقاع الموسيقى ، والذي يوحي بمأزق لا يتوقع ، ربما يكون قد دمر أشياء كثيرة في حياته ، ولكن رغم ذلك وجدنا تلطفًا في التعبير ،  وظلال المعنى الرقيق  كسر حدة الواقع الأليم . 

-4-

ذكرنا أن الديوان يُبنى على تيمة الحزن والغربة ،وإن كنا نلاحظ أن الحزن عندالشاعر ليس حزنًا ميتافيزيقيًا قاتمًا ،فالحزن مصدره ضياع أمال الشاعر في صنع مستقبل يليق بإنسانية الإنسانية ، في زمن تداخل فيه كل شىء واختلط الحابل بالنابل ، هذا الحزن أبدع شعرًا ، وهنا بادرة الأمل للحزن المبدع شعرًا ، وكما ذكرنا ليس الحزن عند الشاعر بلا مبرر ولا سبب ، لكنه حزن ناتج عن الغربة التي أضاعته ، وجاء الشعر تعويضًا وتنفيسًا عن عالمه المحزن الأليم ،  يقول :

فقد جاوبتني القصيدة ذات مساء حزين

تعاني غيابك ...جرحك .... صبرك

صوتك لون الدماء

دموع المحبين جنبك ... صمت الأطباء

إذ يرقبون مسار الدماء

بشريانك المتهتك  

وقد بلل الحزن معجم شعري

حين بدت طائرات الفراق تئز

وتمنحني فرصة للغياب البعيد / البعيد ص 24 :25

وفي الديوان قصيدة بعنوان " عام الحزن " والعنوان تناص مع عام الحزن الذى حدث مع قطيعة قريش للنبى( صلى الله عليه وسلم)  وأهله قال فيها :

هذا عام الحزن

لم نبصر فيه وميض شعاع

لم تمطر فيه سحاب قط

وإن تمطر

لا تروي إلا الأحزان

   بوادي القلب

ولذا نراه بعد ذلك يصنع مفارقة لماحدث في التراث ، فقد أسرى الله ( سبحانه وتعالى ) بنبيه ليتجاوز هذا الحزن ، ولم يحدث هذا للشاعر ، فظل على حزنه ، ومن يسري بالشاعر فى عصرنا ؟! ، لذا لم يجد سوى الدعاء  :

يا رب

أسر بعبدك – ليلًا – من أغلال الحزن

اجعل لي مسرىً في هديك ص 30

لقد ارتبط الحزن عند الشاعر بالبعاد عن الوطن ، ومن قصائد الديوان قصيدة بعنوان " كلمات إلى الوطن المغترب " ومن العنوان يلجأ الشاعر إلى إحداث مفارقة ، فالشاعر المغترب عن وطنه ، قد جعل الوطن هو الغريب ، تعبيرًا عن رفضه للغربة الاضطرارية ،وأن ما حدث له كان جزاء " سنَّمار " فلايستحق هو ورفاقه هذا الجزاء ، وربما لشعوره بتشتت هذا الوطن ، وجاءت القصيدة مفعمة بكثير من الألفاظ والجمل التى تعبر عن الحزن ، فقد جعل الليل سرمديًّا ، يتوسد الحزن فيه ، وجعله دائما مقيمًا فى روحه ، ولا ينتظر الصباح ، ولكن رغم ذلك امتدادًا لما ذكرنا يجعل للحزن المعنى الإيجابى الجميل ، فالوطن أبعده عن جنته ، لكنه سيظل مندغم فيه حبًّا وعشقًا وتوحدًا ، فنحن لا نسكن الوطن ، بل هو الذي يسكننا  يقول :  

فالحزن يا وطني... دائم أبدي

وانت تجيىء ، وترحل عنا

وتسكن فينا  

وليس لنا نحن أن نسكنك  ص 32

هكذا نجد الذاتية تفرش ظلالها على الديوان ، غربة الشاعر  عن وطنه وارتباط الغربة بالحزن ( علاقة سببية ) شكَّل محور تجارب الشاعر في الديوان ، ففي القصيدة السابقة نجد كثيرًا من تجربته الذاتية في حياته ، تمسكه بمبدأه ، وحدوث ما يكن يتوقعه ، وثباته في الحياة دون تزعزع رغم عنف الموقف ، تحمل مسئولية قراره ،وقد عبر الشاعر عن هذه الموقف المزلزل في حياته ، حين خانته الظروف ، وحدث ما لم يكن فى الحسبان ، واضطر للرحيل ، في ثوب فني شفيف يوحي ولا يقرر ، ويوميء ولا يصرح ، وهذا من جلال الفن اعتماده على الإيحاء والتلميح ، يقول :

    يا وطني

حين فاجأتني جيوش الغزاة

أسرجت خيلي ​ص 33

وأشهرت  رمحي

وأشعلت نار التحدي

وألقيت قائدهم في البحار

وحين صحوت من الصمت

.....

فقمت حملت الأمانة

كانت تفلُّ الجبال

وتجري البحار بعيدًا  ص33 : 34

و قصيدة  " رسالة إلى أبي ذر" تعبر عن ملمحٍ من ملامح حياة الشاعر ، صنعته ظروفه الخاصة ، ألا وهو ثباته على مبدئه ، الذي جعله يجنح إلى الوحدة ، كما فعل أبو ذر الذي قال عنه الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) يعيش وحده ، ويموت وحده ، ويُحشر وحده ،وهذا من سمات الرجل الذي يتمسك بالحق ،ولا يحيد عنه ، فيجد كثيرًا من أفراد المجتمع ضده ، يقول مخاطبًا أبا ذرّ :

ستمشي وحيدًا

وحين يحاصرك القوم

تبقى وحيدًا

تقسم جسمك في كل ناحية

من نواحي القرى

وتبقى نخيل القرى

واشتعال الصباح

وتبقى بكل القلوب وريدًا

ويلمزك القوم

أو يقذفونك

من بعد ما كنت فيهم أمينا ص 42

ولكن يخون الشاعر بعد ذلك تمسكه بالإيحاء والتلميح ، فيذكر أنه سيهدد وعبر وسائل الإعلام المتعددة ، وتُصادر كلمته وحريته ، بل ومجيئه إلى وطنه ، ويُحمد للشاعر أن جعل من حياة أبي ذر بعثًا لحياة أفضل ، لإتيان ثورته بثمارها بعد ذلك :

وحين تموت تكون وحيدًا

لتبعث في كل ناحية من جديد ص 43

 

-5-

من القصائد التى تجسد ملحمة الغربة والحزن في الديوان  قصيدة " الركض إلى حدائق الأحبة " والتي تعدد ذكرياته ، وشوقه العارم لبلاده ، وارتباطه بكل شيء في وطنه ، أشجاره ومبانيه وحكايات الماضى مع الأحبة والأهل ، حتي الكائنات ، والفصول وظواهر الطبيعة لها في وطنه وقع خاص ، وشعور مدهش روحيًّا وجدانيًّا ، يقول :

أمرُّ أمرُّ

أرى صورة لحبيب

على جدران البيوت الحزينة

أو بقعة من دماء أخي

والقميص الممزق  لطفلي

وشارته المدرسية

.....

وهذا الطريق طويل

وكم حاولوا طمس كل المعالم فيه

فينبت تين جديد

وزيتونة من جديد

وطفل جديد

ونخل وسبع سنابل خضر ٍص 80

إن القصيدة برمتها معزوفة موسيقية شجية ، تتأوه حزنًا ومرارة وألمًا ، وتغري القارىء إنشادها في لهجة حزينة مؤسية ، بل وتفرض عليَّ أن أنقلها كاملة لولا طول المقتبس ، ومن القصائد التي تطربك في الحديث عن الشوق وآلام الغربة ، في ثوبها الذي يندُّ عن التقريرية والصوت العالي ،إنها معزوفة ألم هاديء ، تنفذ في أعماقنا أكثر حدة وسفرًا في الأعماق ، يقول :

ما زال جرح الأحبة ينزف

عطر الأحبة يأرج

والأفق يمتد

والسحب تسحب أذيالها

والنهارات عادت  تتوجني

بالضياء الجميل ...إلخ ص 82

ديوان وردة أخيرة للجرح ديوان جميل في أدائه الشعرى ، وأصالة صاحبه ، وتفرد الأداء الشعري به ،يدهشك النص بقصائده الشجية المطربة إيقاعًا ، العميقة دلالة ، البعيدة قيمة ،إنه ديوان جدير بالاحترام النقدي ، وتشتاق على قراءة ما بين حين وآخر ، وهناك كلمة بليغة تقرر أنك إذا اشتقت أن تقرأ كتابًا قرأته من قبل فأعجبك ،  فلا شك أنك قد قرأت كتابًا جميلًا ،لأنه ترك فى نفسك بصمة وأثرًا طيبًا ، وهذا ما يتصف به ديوان " وردة أخيرة للجرح "