قراءة في كتاب: تجليات حرف : لأحمد طه حاجو | بقلم الباحث علاء لازم العيسى


قراءة في كتاب: تجليات حرف : لأحمد طه حاجو | بقلم الباحث علاء لازم العيسى
قراءة في كتاب: تجليات حرف : لأحمد طه حاجو | بقلم الباحث علاء لازم العيسى



( 1 )

    ورد في معاجم اللغة أنّ تجلّيات ، جمعُ تجلِّ ، تعني الكشف والانكشاف والظّهور ، وتعني التّزيين أيضًا ، فيقولون جلا العرُوسَ : زيّنها فهي مَجْلوّة . والظّاهر أنّ الكاتب والناقد أحمد طه حاجو استحضر كلّ هذه المعاني عندما وسَمَ إصداره الجديد بـ (( تجلّيات حرفٍ )) ، والّذي توقّف فيه ، وعلى مدى 136 صفحة ، عند مجموعة من الاصدارات الأدبيّة المتنوّعة ( 11 رواية  و6 مجاميع قصصيّة و4 مجموعات شعريّة ) مستكشفًا ما تطرح من دلالات وإشارات وربّما إيماءات وومضات ، من خلال قراءات واعية وصفها بالتحليليّة ، ممّا أعطى كتابه طاقة إيحائيّة منذ العتبة الأولى . كما أنّه أفرد أربع صفحات لقراءة كتاب ليس من الرواية أو القصص أو الشعر عنوانه    ( ديمقراطيّة بكعب عالٍ ) للمخرج كاظم نصّار ، وهو عبارة عن مقالات نقديّة للواقع العراقيّ بعد سنة ( 2003 ) نشرها كاتبها إلكترونيًّا ثمّ قام بجمعها وأصدرها مجتمعةً في هذا الكتاب .   

( 2 )

   تعامل الكاتب في مقالاتِه مع النّماذج الأدبيّة المختارة ، والّتي سبق أن نشر معظمها في صحف ومجلات عراقيّة وعربيّة متنوّعة وفي تواريخ مختلفة ، كلّ بحسب خصوصيّته ونوعه الأدبيّ ، وبصورة مباشرة بدون مقدّمة شارحة للمنهج النقدي الّذي سيتبنّاه ويتّبعه في قراءاته ، مكتفيًا بتوصيفه الشّخصيّ للعنوان الثانوي للكتاب (( قراءات تحليليّة )) الّذي زيّن به واجهة كتابِهِ المذكور . محاولًا توظيف كلّ الخبرات الفنيّة والإمكانات الأدبيّة والمعرفيّة الّتي يمتلكها ، لسبر أغوار تلك النّصوص ، والوصول إلى جواهر مقاصدها ، ملتزمًا بأسلوب جميلٍ ومهذّبٍ وراقٍ ، وبحياديّة تامّة ، في تقييم جودة العمل الأدبيّ .   


( 3 ) 

   ابتدأ أحمد طه حاجو مقالاته النقديّة أوّلًا بالفن الرّوائيّ لروائيين وروائيّات عراقيين وعرب ، غطّت ( 62 ) صفحة بالتمام والكمال ، ابتدأ فيها انطباعيًّا توضيحيًّا وانتهى تحليليًّا تأويليًّا ، فقام أوّلًا بتسليط الضوء على كلّ عملٍ من الأعمال المذكورة وذلك بعرض وذكر تفاصيله ، ثمّ التأويل ومناقشة أفكاره ، دون أن يسقط في فخ الأغراض الشخصيّة ، أو الأسباب الخارجة عن طبيعة النصّ وفضاءاته . ولإيمان الكاتب بضرورة التغيير الاجتماعيّ والسياسيّ عن طريق الإرادة الحرّة الواعية ، ولقناعته بدور الأدب في التغيير ، فقد اختار نصوصًا تتقارب في مضامينها والحياة العامّة وتتصارع مع مشاكلٍ نفسيّة واجتماعيّة ، كظلم المرأة واضطهادها والخيانات الزّوجيّة ( ص11، 27 ، 42 ، 57 ، 69 ) ، والحروب الظّالمة ( ص51 ) ، والدّجل والشعوذة ( ص16 ) ، وكانت لروايات الوجع العراقيّة حصّة الأسد في هذه الاختيارات ( ص 35 ، 51 ، 63 ) .   

( 4 ) 

   وبحكم تخصّص المؤلّف الأكاديميّ بالإخراج المسرحيّ ، ولقناعته بإمكان تغذّي المسرح والرواية أحدهما على الآخر ، وبفضل اطّلاعِهِ على عدد من الكتب والمباحث النفسيّة ، أقام علاقات خاصّة مع النصوص الروائيّة ، مادة البحث ، منقّبًا عن ينابيعها المخبوءة . كقولِهِ مشيرًا إلى رواية من هذه الروايات : (( هذه الرواية ذكّرتني بمسرحية ( حياتنا السعيدة ) لبيكيت حيث الرمزيّة والعمق ))( ص12 ) ، وفي قراءة لأخرى قال موصّفًا أسلوب الرواية بأنّه : (( كان تحليليًّا أكثر من أن يكون سرديًّا أي قريب من أسلوب الكاتب المسرحيّ النرويجيّ هنريك ابسن والّذي عرف أسلوبه بالتّحليل المعمّق للأشياء ))( ص16 ) . أمّا عالم النفس فرويد فكان له حضورًا في قول الناقد مشيرًا إلى رواية من الروايات : (( إنّ الرّواية تناولت الفعل الإنسانيّ من الناحية السايكولوجيّة في تحليل رغبات الفتاة صفاء ، وبحسب فرويد إذ أنّه يرى أنّ الإنسان عبارة عن رغبة جنسيّة وهي الّتي تحرّكه في الحياة ))( ص70 ) .  



( 5 ) 

   وكما كان القاسم المشترك بين الروايات ـــ محلّ الدّراسة السّابقة ـــ قضايا الواقع العراقيّ وهموم الذّات العربيّة ، والاهتمام بالإنسان وعلاقته بالمجتمع والسّياسة ، والسّعي من أجل تعرية الواقع وكشف تناقضاته . كانت المجموعات القصصيّة الستّة المنتخبة للعرض والنقد تحمل نفس الهموم ، ابتداءً بمجموعة الدّكتورة رغد السهيل ( كُلُلوش ) ، الّتي كانت من وجهة نظر الكاتب (( صرخة تحريضيّة موجّهة للقارئ كي ينتفض على الدّمامة الّتي ألمّت بالواقع العراقيّ ))( ص74 ) ، علمًا أنّ هذا التوقّف هو التّوقّف الثّالث من قبل المؤلّف عند منجز الكاتبة السّهيل لأسباب لم يُفصح عنها ؟!. والّذي لمسته أنّ لمفردة ( تحريض ) حضور في أكثر من مقالة من مقالات الكتاب ، فهناك التّحريض ( ص71 ) ، والتحريض الإيجابيّ ( ص88 ) ، وعنصر التّحريض ( ص90 ) والتّحريض المضمر ( ص108 ) .    

( 6 ) 

   وللشعر والمجموعات الشّعريّة مكان ومكانة في (( تجلّيات حرف )) ، فكانت مجموعة ( غرقى ويقتلنا الظّمأ ) بأسلوبها السهل الممتنع ، وثيمة الشّجن والألم والأمنيات والتّسالات ، واستخدام طريقة بريخت الدّراميّة في التعامل مع المتلقّي ، وكم كنت اتمنّى لو زيّن الأستاذ الكاتب مقالته ببعض الشواهد الشعريّة الدّاعمة لرأيه فيما يتعلّق باستخدام الشاعر عبدالسّادة البصريّ لطريقة بريخت الدّراميّة في التّعامل مع المتلقّي ( ص111 ) . 

    وبعد الغرقى تأتي مجموعة الشّاعرة أسماء الرّوميّ ( معبد الذاكرة ) الّتي توحّدت ثيمتها بوحدة موضوعيّة وهي الذكرى والحنين والإخلاص لأحاسيس نتمنّاها ، وكانت رسالة تنويريّة لقلوب العاشقين كي يحبّوا بعضهم بعمق وصدق . و  ( بقايا إنسان ) الّتي عدّها الناقد ثورة شنّتها الشّاعرة المغربيّة كريمة دلياس ضد الطّغاة والحروب والجوع والحرمان والعوز . أمّا مسك الختام فكان الحُبّ والشّاعر حبيب السّامر ومجموعته ( على قيد الحُبّ ) ، ذلك العنوان الّذي يُدلّل على حالة حُبّ وقصائد حُبّ واستمراريّة في الحبّ ، كما عبّر عنه الكاتب ( ص121 ) .   


( 7 ) 

   وبعد قراءتي لكتاب ( تجلّيات حرف ) أقول : أن الناقد أحمد طه حاجو ، تعامل في تجربته النّقديّة في هذا الكتاب ، الّتي جمعت بين أكثر من جنس ونوع أدبيّ ، مع مفهوم النّقد ووظيفته باحترافيّة وجرأة بعيدًا عن المجاملة والتّزلّف والتّكسّب ، والدّليل على ذلك تعليقه بوضوح على بعض الضعف الّذي رافق بعض الأعمال ، كإشارته إلى أسلوب  أحد الروائيين في توظيف الصّدفة إذ قال : (( ففي الصدفة الثالثة أجد بأنّها مفتعلة ، فكثرة الصدف قد تحتسب من باب الاستسهال ))( ص25 )، وقوله أيضًا مشيرًا إلى واحدة من المجاميع القصصيّة الّتي ضمّها كتابه : (( إنّ هذه المجموعة احتوت على 125 قصّة قصيرة جدًّا قد روعيت بها عناصر القصّة القصيرة جدًّا من خلال البلاغة والفلسفة والاختزال واحتواء خاتمتها على الصّدمة لكنّ هناك ما يقارب 13 قصّة من المجموعة قد افتقرت إلى هذه المقوّمات حيث أنّها اتّسمت بالمباشرة وضعف الخاتمة ))( ص96 ) . 

    أخيرًا ، أبارك للكاتب تجلّياته ، وأشدّ على يديه ، وانتظر المزيد من عطاءاتِهِ وإبداعاتِهِ ، وأذكّر القارئ بما كتبه الأستاذ الناقد جميل الشبيبيّ عن الكتاب والكاتب : (( إنّ هذا الكتاب ثمرة جهد وتعب دون مقابل ، لكنه تواصل مع كتّاب لا تربط العديد منهم أيّة رابطة مع الكاتب سوى رابطة حُبّ الأدب ، والإخلاص لصوتِهِ المهموس ، ولذا ينبغي الإنصات له ، وعدّه ثمرة من ثمرات الرابطة الإنسانيّة )).  

  × تجلّيات حرف قراءات تحليليّة في روايات ومجاميع قصصيّة وشعريّة ، أحمد طه حاجو ، ط1 ، دار أمل الجديدة ، دمشق ، 2022 .




Share To: