قراءة نقدية في رواية "الكاتيوشا" | بقلم الناقد والأديب الفلسطيني طلعت قديح 


قراءة نقدية في رواية "الكاتيوشا" | بقلم الناقد والأديب الفلسطيني طلعت قديح
قراءة نقدية في رواية "الكاتيوشا" | بقلم الناقد والأديب الفلسطيني طلعت قديح 


ركوة حرف

ظلال الكاتيوشا 

كاتيوشا للأديب وحيد طويلة

ليست امرأة، هي لغة المرأة الاستثنائية في جوف حبر وحيد الطويلة، لغة أجاد فيها الصهيل بصوت مهرة جامحة بنكهة "لبوة شيك" في مكان واحد!

أجمل الافتتاحات التي فجّرها الطويلة ومرغت أنف امرأة بـ3كلمات (أحب امرأة غيرك)، جملة بصوت ارتطام الكاتيوشا!

هل اتخذ الكاتب أن يهز بنات حواء بالجملة الأكثر استفزازا لهن، فجعلها أسلوبا للصدمة والترويع في النسق الأول لروايته المعنونة "كاتيوشا".

لكن الأمر لم يكن ممهدا لاستمرار هذا الأسلوب، حيث أن حدثا أطاش به، وهي عملية إنزال جوي جعل مما سبق دخانا يقترب من أنف امرأة، مرغت الجملة في رمال متحركة من التفسير والتبرير.

ليس صعبا أن يكتب أحدنا بقلم امرأة مستعارة، فتاء التأنيث حاضرة في سن القلم، وكثير التبديلات النحوية واللغوية متاحة؛ لكن "وحيد الطويلة" استطاع المروق إلى الشيفرة الحارقة ليس للنفس الأنثوية بل إلى ما يقترب من الحرقة الأنثوية التي تحتاج لامرأة غارقة في ذاتها، وإلى ملكة خاصة في تقمص القهر والنزعة الإنسانية، والانحناءات في مكون التأثيث الداخلي للمرأة.

إذا كان نزع الصاعق هي (أحب واحدة غيرك) ، فإن إطفاء مفعوله كان في جملة: (الفاعل يتيم يارشيد بدون المفعول به).

لم يغب عن أحداث الرواية المتتابعة الالم الفلسفي، إما باستحضار مقولة فلسفية أو قول خاص للروائي، دون أن يداري شيئا يحفظ غيرة الرجال لكونه رجلا، لكنه قلم الكاتب المحترف، كشخصية البطل، حيث يخمش وجه حبيبته بقول آخر: صاحبتكِ!

يتحسس "وحيد الطويلة" كينونة المرأة بمجسّات خاصة به، يرخيها دون إفراط، ويقبضها حال تطلب الأمر ذلك. أحكم إدخال أنماط عديدة من التراجيديا والدراما التصويرية حتى وصل إلى تقمص تأثيرات الاستجابات بشكل أتقن فيه دور "الجوكر" الذي يتفنن في إتقان شخصية كل قناع يرتديه.

لسان الراوي العليم كاشف لحال بطل الورق، لنقل أن "رشيد"فعل كل شيء وتفنن في كل شيء، دون أن يفعل شيئا!

مابين أسماء ورشيد دارت رحى الكاتيوشا، طحنت فيها ما يصل من الذكريات لذاكرة تهتم بخريطة التفاصيل، وكأنها ترفض أن تكون ذاكرة على مقاس الذكاء الاصطناعي في إدراج رواية رتيبة تكون فيها الحركة الدائرية للأحداث ككتالوج معد مسبقا.

عمل الطويلة على إيجاد التجسيد الحميمي في صورة فلسفية بعيدة عن الإسفاف رغم جرأة الصورة التعبيرية رأيناها في مقطع: (سقط مريضا، دخل المستشفى، دخلت خلفه، نامت عنده، كانت تنظر إليه وهو نائم تائه، يرفع أصابعه واحدا تلو الآخر كأنه يعدد خياناته في أحلامه، كان منهكا وقضيبه متقد، تذكرت كيف كان يقول: "ما في قضيب إلا على مريض"، فكرت للحظة أن تقطعه ويرتاحا معا.

في الصباح التالي خرجت للشارع، انتقت أجمل شاب، شاب وفتي، أخذته لبيتها في غياب الأطفال في المدارس، كان يريد أن يأخذها عنده، رفضت، ساقته لسرير زوجها، سريره التي شاهدته فيه مع جارتها، ذهبت لآخر الشوط، فعلت ما تفعله حبيبة مشتاقة، تهتكت حتى خر صاحبها كل مخزونه.

حين انتهت، لبست على عجل، دون أن تدخل حماما أو تغير ملابسها، دون أن تمسح آثار انتقامها، طارت إلى المستشفى، دخلت عليه بسوائلها وسوائل صيدها، كانت تشعر بها تسيل على ساقيها الجميلتين، جلست في مواجهته، وضعت السيقان على وجهه.

أحست أنها انتقمت بما فيه الكفاية، لذا بكت كثيرا وحلست أمامه مبللة تحت دموعها.)

وأتى تجسيد آخر بغرض آخر بقوله: (لا يجب أن تنتقم من بنات جنسها، كانت عفيفة مثل ناقد كبير أنت تعرفه، مهووس بالنساء، يطير خلف أي فستان، لكن فضيلته الكبرى التي لا يمكن إسقاطها من تاريخه المجيد أنه لم يضاجع امرأة متزوجة على مدار رحلته النسائية. كأنها تعرف أن الهاوية أقدم كثيرا من الجسر، لا تحتاج سنارة ولا غمازة، غمزة واحدة تكفي لانهيار أي نطع.)

أجاد الطويلة تركيب الأحداث ضمن حدث واحد ومكان واحد، وجعلنا نتذوق أكلة واحدة بتوابل ومذاقات متعددة، كل بمقدار، فالنكهة الأولى فالثانية تختلف عن الأخيرة وهكذا.

رواية كاتيوشا ليست رواية تجميعية لقصاصات ما، تجعل منها وجبات نفسية نوعية، هي رواية الكشف والاكتشاف، يكشف فيها الكاتب عن حرائمه الجميلة، جرائم العاشق الحق حتى وإن كان رجلا بلا ذاكرة!

رجل كان اتكاء حكايته كلها على 3 قنابل: ( أحب واحدة غيركِ.)


4-5-2024

غزة المحتلة


طلعت قديح




Share To: