شم النسيم ( حديث الأمس هو حديث اليوم ) | بقلم أ.د روحية مصطفى الجنش أستاذ ورئيس قسم الفقه الأسبق بكلية الدراسات الإسلامية والعربية بنات القاهرة 


شم النسيم ( حديث الأمس هو حديث اليوم ) | بقلم أ.د روحية مصطفى الجنش أستاذ ورئيس قسم الفقه الأسبق بكلية الدراسات الإسلامية والعربية بنات القاهرة
شم النسيم ( حديث الأمس هو حديث اليوم ) | بقلم أ.د روحية مصطفى الجنش أستاذ ورئيس قسم الفقه الأسبق بكلية الدراسات الإسلامية والعربية بنات القاهرة 


المحاورة مع الأبناء والبنات لإقناعهم بوجهة نظر أنت تؤمن بها من الصعوبة بمكان خاصة إذا كانت وجهة النظر تصطدم بعادة راسخة في عمق الثقافة المصرية ، فالشباب في البيت يستعد للاحتفال بيوم شم النسيم أو الاحتفال بيوم الربيع ، وأتذكر منذ نعومة أظافري وأنا صغيرة في القرية كنا نخرج في هذا اليوم  بملابسنا النظيفة التي يغلب عليها طابع الستر والبساطة كعادة أهل القرية قديما ً!، تخرج البنات إلى الحقول لقطف بعض الزهور، وتعليقها على باب البيت ، مثل نبات الفولية ، وهو نبات إلهي ينبت دون تدخل من البشر ، وله رائحة ذكية تُشبه رائحة النعناع ، وله زهور بيضاء  ، كان يُصنع منه قلادات  للبنات يلبسنها في هذا اليوم ؛ لعدم انتشار الاكسسوارات الموجودة اليوم ولو وجدت في الماضي لما تكلفنا عناءً بقطف الزهوروجمعها في خيط واحد وارتدائها في الرقبة والمعاصم وموضع الخلخال ،   وفي هذا اليوم كانت أمي رحمها الله تعالى وأسكنها فسيح جناته ، تعد لنا الأسماك بأنواعها المختلفة حسب رغبة كل فرد ، مع العلم أن قريتنا لا يوجد بها أهل كتاب !! ، ولكنها عادة توارثها الناس من قديم الأزل ، وعلى حد علمي الآن مايزيد على 4700 سنة ، أما اليوم فأنا في طبيعتي أغتنم أي فرصةً ليوم أجازة من العمل والدراسة وأحب أن أجلس في البيت مع الكتاب ، فلست من هواة الخروج في أي مناسبة كانت إلا إذا كانت مجاملة للأهل والأصدقاء في عرس أو مولود أو إفطار في رمضان ، أو يوم عيد من أعيادنا، أو عيادة مريض ، فقلت لابنتي ، هذا يوم مثل باقي أيام الله تعالى ، وشم النسيم لا يحدد له يوم حتى نشمه فيه بل شميه في كل وقت وفي أي وقت ، ثم أين النسيم العليل اليوم الذي يخلوا من عوادم السيارات ، والتلوث السمعي والبصري ؟؟!! ، فقالت لي سبحان الله ماما كأنك تريدين أن تقولي لي أن الاحتفال به ممنوع شرعاً ، أليس هذا يوم كان يحتفل به الفراعنة عند قدوم الربيع ، وأخذه عنهم اليهود والنصاري ، ثم جاء الإسلام وفُتحت مصر على يد عمرو بن العاص في عصر عمر بن الخطاب رضي الله عنهما ، وكان يعلم أن هذا يوم يحتفل به أهل مصر على سبيل العادة  ولم ينه عنه عمر رضي الله عنه ؛ لأن الطقوس التي تُفعل في هذا اليوم ليس لها علاقة بالدين لا من قريب ولا من بعيد ، أمي : أخاف أن تبحثي في تاريخ الكُشري فتكتشفين أنه طعام اخترعه اليهود بعد أن هبطوا إلى مصر وسألوا موسى عليه السلام أن يعدعواالله لهم بفومها وعدسها وبصلها  ، أمي هل رسول الله صلى الله عليه وسلم حينما نبهنا لمخالفة أهل الكتاب ، هل كان يقصد مخالفتهم بشكل مطلق مطبق ،  ولو كان كذلك لشق علينا ذلك ونحن نتبع سننهم في كثير من أمور الحياة بل يغلب على مجتمعنا المكون من المسلمين وأهل الكتاب الطابع الواحد إلا في العبادة والمعتقد ، أعتقد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقصد مخالفتهم في المعتقد خاصة إذا كان يتصادم مع معتقدنا كمسلمين ، أما سائر أمور الحياة والتي تنتشر بين أهل الوطن الواحد على سبيل العادة فلا أراه صلى الله عليه وسلم قصد ذلك ، أمي : أنا أعلم أن لنا عيدين فقط عيد الفطر وعيد الأضحى وأومن بذلك يقيناً، وإن كانت المشكلة عندك في كلمة عيد ، فلا حرج عليك ، أقول يوم الربيع ؛ لأن طقوسه تنحصر في الخروج للأماكن العامة في وسط الأهل ، وأكل الأسماك بأنواعها المختلفة خاصة الفسيخ والسردين ، الذين لم تدخليهما البيت عندنا أبداً ، فقلت لها : سامحيني ابنتي أن أعلم أن أكل الفسيخ والسردين حلال لأنهما سمك وقد أحل رسولنا الكريم ميتة البحر ، ولكن أنا لا أدخلهما البيت لأسباب عندي منها أنني أعاني من ارتفاع في ضغط الدم ، والصوديوم هو العدو الأول لهذا العرض ، وثانياً خوفي عليكم من وجبة قد يكون بعدها تسمم أو ضرر آخر خاصة أن في هذه المناسبات لكثرة الطلب على هذه الأطعمة قد لا يكون هناك عناية فائقة بتجهيزها ، إضافة إلى ضعف الرقابة على هذه الأطعمة  في مثل هذه المناسبات ، فقالت : لا حرج أمي ممكن أن نأكلها خارج البيت  من مكان معروف ، فقلت لها لا حرج عليك ، ولكن أقترح عليك اقتراح : الحدائق والمنتزهات  مزدجمة كالعادة في مثل هذا اليوم ولن تجدي مكاناً لقدم بشر ، هذا إذا تمكنتم من الدخول ، وإلا ستقفون خارج الحديقة في طابور العرض إلى نهاية اليوم ، فمارأيك أن نجلس اليوم في البيت معاً خاصة أننا لا نجتمع كثيرا إلا على بعض وجبات الطعام ، ونتصل بخالك وأولاده يأتون عندنا خاصة أننا لم نلتقي بأسرته منذ فترة ، ونجهز طعامنا داخل البيت ونجتمع كأسرة واحدة نجلس ونتسامر ، ثم غداً بإذن الله تعالى نخرج في الهواء الطلق بعيداً عن الزحام والمضايقات في هذا اليوم ، فقالت لي أوافقك الرأي بشرط أن تخرجي معنا ! ، فقلت لها إن كان ذلك كذلك فلا حرج أن أخرج معكم في اليوم الثاني ، ولكن ابنتي : هل أنتي متيقنة من وجود مكان نظيف لنجلس فيه في اليوم التالي لشم النسيم ؟! قالت : ماما واضح أننا سنشم النسيم معك داخل البيت !!!!!!!!! .




Share To: